الرئيس الأسد يؤدي القسم الدستوري: لنكافح الإحباط بالأمل.. والتقاعس بالعمل
أدى السيد الرئيس بشار الأسد اليوم القسم الدستوري رئيساً للجمهورية العربية السورية أمام رئيس وأعضاء مجلس الشعب وبحضور شخصيات سياسية وحزبية ودينية وإعلامية وعلمية وثقافية ورياضية وفنية اجتماعية وعائلات شهداء وجرحى ومتميزين ومتفوقين.
وألقى الرئيس الأسد كلمة بعد أدائه القسم الدستوري، أكد فيها أن الشعب السوري برهن بوعيه وانتمائه الوطني خلال الحرب أن الشعوب الحيّة التي تعرف طريقها إلى الحرية لا تتعب في سبيل حريتها مهما طال الطريق وصعب، ولا تهون عزيمتها أو تفتر همتها في الدفاع عن حقوقها مهما أعد المستعمرون من عدّة التوحش والترهيب وعديد المرتزقة والمأجورين، وشدّد على أن الشعب الذي خاض حرباً ضروساً واستعاد معظم أراضيه بكل تأكيد قادر على بناء اقتصاده في أصعب الظروف وبالإرادة والتصميم نفسهما، مؤكداً أن قضية تحرير ما تبقى من أرضنا من الإرهابيين ومن رعاتهم الأتراك والأمريكيين تبقى نصب أعيننا.
وفيما يلي النص الكامل لكلمة الرئيس الأسد:
السيدات والسادة أعضاء مجلس الشعب الأكارم
السادة الحضور من عسكريي قواتنا المسلحة الباسلة درع الوطن، ومن الجرحى الأبطال ومن عائلات الشهداء، منبع البطولة
السادة الحضور من شخصيات وطنية صمدت وعملت وبادرت ودافعت عن وطنها كل من موقّعه وبطريقته وحسب قدراته، وأخص بالذكر معلمات ومعلمين، قدّموا أقصى الجهد والعطاء لأجيال من الطلاب.. كنت واحداً من تلاميذهم، أقف اليوم أمامهم بكل إجلال واحترام.
السادة الحضور، أيها الشعب العزيز، أيها الشعب الصامد
أحييكم تحية الوطن الراسخ في زمن السقوط.. الشامخ في زمن التهافت والخنوع.. تحية الشعب الذي حمى وطنه بدمه وحمله أمانة في القلب والروح، فكان على قدر مسؤوليته التاريخية حين صان الأمانة وحفظ العهد وجسد الانتماء في أسمى معانيه والوحدة الوطنية بأبهى صورها.. وأثبت للعالم من جديد أن قدر سورية أن تمنح التاريخ ملاحم يقرأ صفحاتها كل من يريد أن يتزوّد بدروس الشرف والعزة والكرامة والحرية الحقيقية.. فقد برهنتم بوعيكم وانتمائكم الوطني خلال الحرب أن الشعوب الحية التي تعرف طريقها إلى الحرية لا تتعب في سبيل حريتها مهما طال الطريق وصعب.. ولا تهون عزيمتها أو تفتر همتها في الدفاع عن حقوقها مهما أعد المستعمرون من عدّة التوحش والترهيب وعديد المرتزقة والمأجورين.. وكانت وقفتكم بالنسبة لكل عدو صدمة، ولكل خائن عبرة، فقد أرادوها فوضى تحرق وطننا، فكان أن خرج من رحم انتظامكم للدفاع عن الوطن ترياق يبطل زيفانهم ويقوّض أهدافهم.
وحدة معركة الدستور والوطن
أرادوها تقسيماً استكمالاً لما قسّمه أسلافهم قبل مئة عام، فلجمتم أوهامهم وأطلقتم بوحدتكم الوطنية في الوطن والمغترب رصاصة الرحمة على مشاريع فتنتهم، الطائفية والعرقية، وأثبتم مرة أخرى وحدة معركة الدستور والوطن، فثبّتم الدستور أولوية غير خاضعة للنقاش أو للمساومات، لأنه عنوان الوطن ولأنه قرار الشعب، وبالرغم من قسوة الظروف إلا أن الإصرار على التفاعل الشعبي الكبير مع تلك المناسبة على امتداد الأسابيع التي سبقت التصويت كان سيد الموقف.. ذلك التفاعل في المدن والبلدات والقرى لدى الأفراد والعائلات والعشائر، التي تفخر بانتمائها لوطنها، والتي نفخر بانتمائنا إليها، لا يمكن وصفه إلا بحالة سمو وطني، ولا يمكن تفسيره إلا بكونه وعياً وطنياً عميقاً لمعاني الاستحقاق ولمصيريته بالنسبة لوجود الوطن ومستقبله واستقراره.
السوريون يزدادون تحدياً وصلابة
كل ذلك لم يكن جديداً على شعبنا.. فهي ليست المرة الأولى التي يظهر فيها رقيه الوطني في مراحل مفصلية، لكن تكرار الأفعال لا يعني تكرار النتائج، لأن النتائج تتبدّل حسب الظروف.. ففي المراحل الأولى كان رهان الأعداء على خوفنا من الإرهاب ويأسنا من التحرير، أما اليوم فالرهان هو على تحويل المواطن السوري إلى مرتزق يبيع وطنه وقيمه مقابل حفنة مشروطة من الدولارات أو لقمة عيش مغمّسة بالذل يتصدقون بها عليه.. رهان كان على الزمن فهو كفيل بتحقيق الأهداف المخططة ولو بعد حين، لكن النتائج أتت معاكسة للقواعد التي افترضوها وساروا بناء عليها.. وما حصل شكّل هزّة لا يمكن تجاهلها لأن حساباتهم في كل مفصل تأتي خاطئة.. فالسوريون داخل وطنهم يزدادون تحدياً وصلابة.. أما الذين هجروا وخطط لهم أن يكونوا ورقة ضد وطنهم فقد تحوّلوا إلى رصيد له في الخارج يقدّمون أنفسهم له في أوقات الحاجة.. لقد أثبتت هذه الظاهرة قوة الشرعية الشعبية التي يمنحها الشعب للدولة.. أي شعب لأي دولة، وسفّهت تصريحات المسؤولين الغربيين حول شرعية الدولة والدستور والوطن.. وتمكّنت من تحويل المناسبة من إجراء دستوري إلى عمل سياسي زعزع أخطر الطروحات التي دأب عليها أعداؤنا منذ الأسابيع الأولى للحرب حينما حاولوا إقناعنا بتعليق الدستور القائم في ذلك الوقت من أجل خلق فراغ يؤدي إلى الفوضى، تارة عبر بعض الخونة من السوريين.. وأنا التقيت بالبعض من هؤلاء في ذلك الوقت وسمعت منهم بشكل مباشر تلك الطروحات الخبيثة.. وطوراً عبر رسائل نقلها لنا وسطاء مختلفون بأقنية متعددة. وهذه الطروحات التي تستمر اليوم، والتي يتم العمل عليها عبر بعض العملاء المعينين من قبلهم بواسطة تركيا أو بوساطة تركية أو بواجهة تركية لا يهم، تهدف في المحصلة للوصول إلى دستور يضع سورية تحت رحمة القوى الأجنبية، ويحوّل شعبها إلى مجموعة من العبيد والمطايا.. كل تلك المحاولات قد تبخّرت بفعل رسالة شعبية واحدة مضمونها.. إذا تمكّنتم من تجاوز كل العقبات السياسية للوصول إلى غاياتكم فلن تتمكّنوا من تجاوز قرار الشعب لأنه الأقوى ولا من القفز فوق إرادته لأنها الأعلى.
الوعي الشعبي الوطني هو حصننا
لقد حققنا معاً المعادلة الوطنية، فنحن شعب غني بتنوّعه لكنه متجانس بقوامه.. حر متنوّع بأفكاره وتوجّهاته لكنه متماسك ببنيانه.. رفيق حتى بخصومه، لكنه عنيد بوطنيته متحدٍّ بعنفوانه شرس بالدفاع عن كرامته.. هذا الوعي الشعبي الوطني، أيها السادة، هو حصننا.. هو الذي يزيل الغشاوة عن العيون عندما ننظر لمستقبلنا.. هو المعيار الذي نقيس به مدى قوتنا وقدرتنا على تحدي ومواجهة وهزيمة كل الصعاب، به نميّز ما بين الثوابت كالوطن والشعب، وما بين المتغيّرات كالأشخاص والظروف.. به نميّز ما بين المصطلحات الحقيقية والوهمية، بين العمالة والمعارضة، بين الثورة والإرهاب، بين الخيانة والوطنية، بين إصلاح الداخل وتسليم الوطن للخارج، بين النزاع والعدوان، بين الحرب الأهلية والحرب الوجودية دفاعاً عن الوطن، فلا مناطق رمادية بين تلك المفاهيم بل خطوط شديدة الوضوح دقيقة الحدود، ولا يخلط بينها إلا قصير نظر أو قاصر رؤية.
هذه المقدرة على التمييز بين الوهم والحقيقة.. على عزل السم عن العسل، هي التي مكّنتنا من تحويل حدث دستوري إلى عمل سياسي وطني استراتيجي، حمل ونشر رسائل كبرى عن الإجماع الوطني والتجانس الاجتماعي والتمسك بسيادتنا وحقوقنا.. وهي التي أعطتنا القدرة على فهم الخطط المعادية وتحديد مسارات العدوان، وجعلتنا أكثر قدرة في مواجهتها وتخفيف أضرارها.. هذه القدرات، أيها السادة، لا تأتي من فراغ أو من عدم.. إنها تنطلق من ثوابت وتستند إلى مسلّمات، والمسلّمات هي بدائه متفق عليها بين أفراد الشعب.. والبدائه هي البديهيات باللغة المتداولة الشائعة، هذه المسلّمات هي المرجعيات التي ننطلق منها في الحكم على الأمور، فوجودها يوحّد الآراء والأحكام تجاه قضية ما، وغيابها يشتت الآراء ويجعل تلك الأحكام خاضعة للأهواء الشخصية ولمقدار فهم كل شخص على حدة، فيحل الانقسام محل الإجماع، والتناقض محل الانسجام، ويتفرّق الناس ويضعف المجتمع.. هذا ما لمسناه في بداية الحرب بشكل واضح وجلي لدى جزء من مجتمعنا، أي غياب المسلّمات.
جزء من المجتمع غابت عنه المسلّمات فضعفت رؤياه
نحن في خطاب قسم يفترض بأننا نتحدّث عن مرحلة مقبلة.. لماذا نعود عشر سنوات إلى الخلف، كلنا يعرف ما الذي حصل في بداية الحرب؟!، لأننا إن لم نحلل ولم نتعلّم الدروس عمّا حصل في الماضي فسوف ننتقل إلى المستقبل زمنياً فقط.. يعني سوف تمر السنوات، وتمر العقود ربما، وتأتي أجيال، ونحمل معنا كل المشاكل وتتراكم.. ويأتي يوم تنفجّر بشكل أسوأ من اليوم وأكثر تدميراً.. صحيح أننا كلّنا نعلم ما الذي حصل في بداية الحرب، لكن قلّة حلّلت لماذا حصل هذا في بداية الحرب.. نحن نتحدّث بشكل مستمر كيف نخرج من هذا النفق.. يعني، بمعنى آخر، بمعنى أكثر واقعية كيف نحل المشكلة؟!. لا يمكن أن نحل مشكلة دون أن نحلّل أسباب المشكلة.. لا يمكن أن نقف اليوم ونحن نتحدّث عن مرحلة قادمة ومرحلة مقبلة ونحن لم نحلل مراحل سابقة.. لا يمكن أن نطلب من مسؤول أن يتحدّث عن المستقبل من خلال رؤياه ومن خلال فهمه لهذا المستقبل وهو لم يفهم المراحل السابقة.. طبعاً الحديث في هذا الموضوع يستغرق أسابيع وشهوراً.. وربما أكثر التحليل لأنها قضية مجتمع.. هذا المجتمع نفسه خرّج قمة الأبطال، وخرج قمة الخيانة، ولو بنسبة بسيطة.. هذا الموضوع بحاجة إلى تحليل لذلك لن أتوسّع طبعاً.. لكن لا بد من أن ننطلق للمرحلة المقبلة بخلاصة نأخذها معنا لهذا المستقبل تكون كالزبدة نطمئن من خلالها لهذا المستقبل.. لذلك لا بد من الحديث عن هذا الجزء من هذا المجتمع الذي غابت عنه المسلّمات فضعفت رؤياه وفقد توازنه.
لذلك رأينا وسمعنا وقرأنا عمن يوزّع شهادات مجانية بالوطنية للجميع تحت عنوان أن الكل وطني.. والقضية هي خلاف رأي.. يعني تدمير المنشآت.. قتل المدنيين.. اغتيال الشرطة.. اغتيال العسكريين هي قضية اختلاف بالرأي لا أكثر ولا أقل، وعلينا ألا نقلق.. وسمعنا عمن يبرّر الفوضى والتخريب للمنشآت العامة بحجة رفضه عنف الدولة، وكان يبرر للإرهابيين في ذلك الوقت بأن السبب هو الدولة لأنها استخدمت العنف فهو قام برد فعل.. فهو أولاً يتكلّم عن حقيقة وهمية غير صحيحة.. لأن الدولة لم تبادر بالعنف، والأخطر من ذلك أنه يقدّم المبرر للإرهابيين لكي يستمروا بعنفهم.. وعمن قبل باللغة التقسيمية والألفاظ اللاأخلاقية لاعتقاده أنها ممارسة ديمقراطية وحرية رأي.. ومن وقف بلا موقف معتقداً أنها الحكمة.. ومن اتخذ مواقف ملتبسة معتقداً أنها الحنكة.. ومن مارس الانبطاح معتقداً أنه الانفتاح.
البعض افتقد المسلّمات فسهل اختراقه فكرياً والسيطرة عليه نفسياً
بعض أولئك الأشخاص حَسن النيات لكنه افتقد المسلّمات، فسهل اختراقه فكرياً والسيطرة عليه نفسياً، فتشتت فكره وتاهت أفكاره وانحرف مساره ففقد المعاني الحقيقية للارتباط بالوطن والحرص عليه، واستبدلها، دون أن يدري، بمعان وهمية، فشجّع بذلك الأعداء على التدخّل وساعد الإرهاب والفوضى على الانتشار، لذلك لا يكفي أن نقول بأن مشكلتنا في سورية هي الإرهاب، أو أن مشكلتنا في سورية سببها التطرّف الذي أدى إلى الإرهاب، أو التعصّب الذي أدّى إلى التطرّف والإرهاب، أو الجهل الذي أدى إلى كل ما سبق أو محدودية التفكير.. هذا صحيح.. هذا جانب، ولكن الذين أقصدهم بهذا الجزء من المجتمع هم أشخاص بمعظمهم لا يحملون أي صفة من هذه الصفات.. بل على العكس لديهم كل الصفات التي تؤهّلهم لكي يكونوا أشخاصاً متكاملين.. لديهم كل تلك الصفات، ولكن غابت عنهم المرجعية الفكرية والأخلاقية.. إذا هذه المرجعية التي أتحدّث عنها هي التي تحدّد علاقة الفرد بكل ما حوله.. علاقة الفرد أو نظرته للوطن.. نظرته للمجتمع.. نظرته للعائلة.. نظرته للدين.. نظرته للثقافة.. نظرته للعادات والتقاليد.. نظرته للثقافات الأخرى.. الخ.. ومن خلال هذه المرجعية يحدّد مواقف.. غابت هذه المرجعية، ما الذي حصل؟ أصبح وضع هذا الشخص أو هذا المواطن كالقارب الحديث جداً الموجود في قلب المحيط، أي محيط من المحيطات، ولكن جهاز تحديد الموقع المرتبط بالأقمار الصناعية لا يعمل، وخريطة ملاحية لا توجد لديه، والطقس لا يساعده لرؤية النجوم ليتوجّه من خلالها، يعني تاه في قلب المحيط.. هذا ما حصل لدينا فظهرت نتائجه في الحرب ورأينا تشوّشاً والتباساً وفوضى وتصادماً بالأفكار والآراء، لذلك لا يمكن أن نتحدّث عن المستقبل ولا يمكن أن نطمئن للمستقبل إن لم نعالج هذا الجانب.
استقرار المجتمع هو أولى المسلّمات
فاستقرار المجتمع هو أولى المسلّمات.. وكل ما يمس أمنه وأمان أفراده ومصالحه مرفوض بشكل مطلق، بغض النظر عن أي سبب أو أي تبرير.. قيمه.. قيم المجتمع.. بر الوالدين.. احترام الكبار.. الكبار قدراً.. الكبار عمراً.. الكبار معرفة.. احترام الرموز الاجتماعية.. احترام الرموز الوطنية.. احترام العلم والعلماء.. احترام المعلم.. احترام المواطن المنتج.. تكريس قيم التسامح والمحبة والخير، وغيرها الكثير من القيم الراقية والحضارية، التي هي في طور التآكل، ليس بسبب الحرب، الحرب أظهرت هذا الجانب.. ولكن تآكلت عبر العقود لأسباب مختلفة، ربما نمط الحياة الحديثة، ربما أسباب لها علاقة “بالزمن”، يعني نحن نتحدّث عن تفاصيل بحاجة لمحللين اجتماعيين، لكن لا بد من تكريس هذه القيم، لأن أي مجتمع لا يكرّس القيم.. لا يحمل القيم.. لا يحترم القيم.. لا يمكن أن يكون مجتمعاً مستقراً، ولا يمكن أن يكون مجتمعاً مزدهراً.. وأنا بهذا الكلام خاصاً هذه الفقرة تحديداً.. لا أعطي درساً بالأخلاق.. وليس خطاباً عن القيم العليا والمثل وغير ذلك.. أنا أتحدّث في صلب السياسة.. في قلب المشكلة.. لأن أكبر سبب من أسباب الأزمة التي عشناها هو غياب القيم وغياب الأخلاق.. هو ليس سبباً حقيقياً بل السبب الأهم والسبب الأعمق.
العقائد والانتماء والأرض مسلّمات وهي الطريق إلى الوطنية
العقائد هي روح المجتمع.. من دونها نفقد إنسانيتنا.. هي بوصلة وهي أخلاق.. احترامها واجب على الجميع، والمساس بها محرم على الجميع أيضاً.. الانتماء.. انتماء الإنسان للقرية.. للمدينة.. للدين.. للوطن.. للقومية.. كل هذه العناصر هي أساس إحساس الإنسان بانتمائه للمجتمع، وهذا الانتماء هو أساس إحساس الإنسان بالتوازن النفسي.. أي أنه إنسان طبيعي.. ومن يفقد الانتماء لا خير فيه لبلده.. ولا أمان له تجاه مجتمعه.
الأرض هي الكيان والوجود، لذلك قيل الأرض كالعرض لا يفرّط بها ولا يساوم عليها.. كل ما سبق من هذه المسلّمات، وهناك طبعاً مسلمات أخرى، كلها هي التي تشكّل الوطن، المسلّمة الأكبر أي الوطن.. لذلك من غير المقبول ومن غير المنطقي أن نسمع دائماً أن الوطن خط أحمر.. الوطن لا يمس.. الوطن مسلّمة.. ولكن نمس بكل المسلّمات الأخرى التي تؤدي إليه.. هي الطريق إلى الوطن وهي الطريق إلى الوطنية.. ومن دونها الوطن هو عبارة عن حالة عاطفية أو عبارة عن مجرد شعار فارغ لا معنى له.. لذلك لماذا أؤكد كثيراً على هذه المسلّمات؟.. أيضاً بعيداً عن التنظير، وانطلاقاً من الواقع، وأنا دائماً أحب بكل أحاديثي أن انطلق من الواقع.. لأن هذه المسلّمات هي التي دفعت عائلات بأكملها لإرسال أبنائها ليقدّموا أرواحهم وأجسادهم فداء لوطنهم.. هذه المسلّمات هي التي أسست المواقف الوطنية والأخلاقية الصلبة لكثير من السوريين، من شرائح وفي مواقع مختلفة وثبتّتها، بالرغم من التهديد المباشر لحياتهم أو عائلاتهم أو رزقهم خلال الحرب.. وهذا يشمل كل من هو موجود في هذه القاعة.. وأنتم أكثر من يعرف معنى هذه الفقرة، بالإضافة إلى الكثير من السوريين الذين وقفوا مع وطنهم.. وهي المرجعية التي استندنا إليها في مواقفنا.. وهي الدرع الذي حمانا من تأثير الحرب النفسية المعقّدة التي تعرّضنا لها خلال الحرب.. عملياً هي التي أسقطت كل الرهانات.. لذلك أنا أركّز على هذا الموضوع.. فإذاً.. إن لم نعرف سبب المشكلة.. وإن لم نعرف سبب الصمود بالوقت نفسه فهذا يعني أننا لم نتعلّم الدرس.. وإذا لم نتعلّم الدرس لا نستطيع أن ننطلق باتجاه المستقبل ونحن مطمئنون.
الرهانات سقطت وبقي الوطن
لذلك انطلاقاً من كل ما سبق ذكره من الحقائق أنفاً، كل ما ذكر في هذه الكلمة.. ومن التوجّه الذي أظهره الشعب واضحاً وجلياً، والذي لم يكن وليد الحرب، لكنها جعلته أكثر وضوحاً ورسوخا، وهو اليوم واقع لا يمكن لأحد أن يغيّره.. أكرّر مرّة أخرى دعوتي لكل من غّرر به.. لكل من راهن على سقوط الوطن.. لكل من راهن على انهيار الدولة أن يعود إلى حضن الوطن لأن الرهانات سقطت وبقي الوطن.
أكرّر دعوتي لهؤلاء، نقول لهم: نقول لكل واحد منهم، أنت مستغل من قبل أعداء بلدك ضد أهلك، والثورة التي خدعوك بها هي وهم، وسير الشعب خلفك هو سراب، وإذا لم تتمكّن أشرس وأخطر حرب تعرّض لها السوريون من إقناعهم بنهجك فلا شيء آخر قادر على ذلك، فإن كنت تسعى إلى الكرامة فهي في خدمة أهلك وشعبك، إن كنت تطمح إلى البطولة فهي في الدفاع عن أرضك، إن كنت تنشد الشرف فهو في بناء الوطن لا في هدمه، أما الحرية التي تتغنّى بها فلن تجدها عند غربي امتهن أجداده ماضياً تجارة الرقيق ومارس أحفاده حاضراً التمييز العنصري، ولا هي عند عثماني دمّر أجداده منطقة بأكملها حضارياً وأخلاقياً فطهّروا عرقياً وميّزوا أثنياً ويحاولون حاضراً تكرار تاريخهم الأسود بنسخة أكثر سواداً وقبحاً، أقول لأولئك: إن التراجع عن الخطأ فضيلة، والوطن هو الملجأ والحاضن، ودولته هي لجميع أبنائه، والشعب الكبير بقيمته كبير بقلبه، مسامح، وأول المسامحين كانوا عائلات الشهداء الذين بادروا منذ السنوات الأولى إلى فتح أبواب المصالحات وحقن الدماء، وهذه الأبواب ستبقى مفتوحة من قبل الدولة والشعب ولن تغلق ما دام هناك من يؤثّر الكرامة على الذل والسيادة على الاستعباد.
السيدات والسادة
خلال عشر سنوات ونيّف من الحرب كانت هواجسنا متعدّدة، فطغت في البداية الأمنية منها، والخوف على وحدة الوطن، أما اليوم فجلّها هو حول تحرير ما تبقى من الأرض ومواجهة التداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب، فإذا كنا نرى أن الحالة الأمنية اليوم قد استقرت في أغلب المناطق وأن مجتمعنا حافظ على وحدته، بل مكّنها، فإن ذلك ما كان ليحدث لو فقدنا إيماننا بقدرتنا واستسلمنا للأمر الواقع والأوهام التي سوّقت إلينا، إيماننا بجيشنا واحتضاننا له حقّق الأمن، وهو الذي سيكمل التحرير ولو بعد حين، إيماننا بأنفسنا، بتاريخنا، بثقافتنا عزّز وحدتنا، هذا الإيمان حقّق ما يشبه المستحيل في ظروفنا، وهذا الإيمان هو ما نحتاجه اليوم لمواجهة الحرب الاقتصادية لنحوّل نتائجها لمصلحتنا، ونحن قادرون على ذلك بكل تأكيد، وعندما أقول قادرون فأنا لا أبالغ، وأنا لا أحب المبالغة، وأنا لا أقصد الإيمان بالوهم، وإنما بالحقائق وبما أثبته الواقع.
القدرات موجودة ولكنها بحاجة لمن يعرف كيف يستخدمها
فمعركة الحفاظ على سعر الصرف أثبتت أن القدرات موجودة ولكنها بحاجة لمن يراها ويعرف كيف يستخدمها ويوفّر الشروط الصحيحة لكي يحقق النتائج، أما في مجال الاستثمار فيكفي أن نطلع على الأرقام التي تعكس على أرض الواقع عدد المنشآت الاستثمارية التي هي قيد الإنشاء الآن، اليوم.. أو التي استمرت بالعمل تحت القصف والحصار أو التي قامت بتوسيع أعمالها خلال الحرب، والتي تعكس إرادة القائمين عليها وتصميمهم ووطنيتهم، ولو أعطينا مثلاً ونموذجاً سريعاً عن الأرقام الموجودة، التي لا يعرفها معظمنا، فعدد المعامل فقط في المدن الصناعية الرئيسة في دمشق وحمص وحلب القائمة، الآن التي تعمل وتنتج، عددها أكثر من ألفي منشأة، طبعاً هذا في حال وضعنا جانباً كل المنشآت الأخرى، المصانع الموجودة خارج المدن الصناعية، ولو وضعنا جانباً المنشآت الأصغر، المنشآت الحرفية، والتي تسمّى المناطق الصناعية، أما عدد المنشآت التي تُبنى الآن فعددها يتجاوز ثلاثة آلاف فقط داخل المدن الصناعية، نحن نتحدّث عن ثلاثة آلاف مصنع ينتج، وهذا الرقم هو الأهم، هذا الرقم يعطي جواباً عن سؤال بسيط، هل هناك إمكانية للاستثمار، لو لم يكن هناك إمكانية لما رأينا هذه الأرقام، فإذا السؤال هو ليس حول الإمكانية، ولكن هو حول كيف نزيد هذه الأرقام، كيف نسرّع من زيادة هذه الأرقام لكي يتحسّن الاقتصاد وتتحسّن الأحوال المعيشية بأقصر زمن. بكل تأكيد السؤال عن كيف هؤلاء الأشخاص القائمون على هذه المنشآت وغيرها، إذا تحدّثنا عن باقي المنشآت الأصغر فهي بعشرات الآلاف، لا أعرف إذا كانت تصل إلى مئة ألف أو لا، لأنني سألت فقط عن المصانع، ولم اسأل عن الورش، هناك ورش معلنة مسجّلة، هناك ورش غير مسجّلة، إلى آخره، لكن بكل تأكيد هؤلاء الأشخاص لم يقضوا وقتهم على مواقع التواصل الاجتماعي يطلبون حلاً، هؤلاء نزلوا إلى الميدان، بحثوا عن حل، وجدوا الحل، أسسوا المنشأة وبدؤوا بالإنتاج، فإذاً يكفي أن نرى بعضاً من هذه الحقائق، وأنا أوردت البعض القليل، يكفي أن نرى بعضاً من هذه الحقائق لكي نتأكّد من توافر القدرات الذاتية ونبني عليها، وكلامي هذا لا يعني أن الأمور بخير أبداً، أنا لم أقل ذلك، ونحن دائماً نحب المطلق، إما أن تكون الأمور بخير أو تكون الأمور سيئة بشكل مطلق، لا، الأمور دائماً نسبية، هذا لا يعني أن الأمور بخير، لكنه يعني أنها غير مستحيلة، ويعني أن إمكانية جعلها بخير ممكنة وبقوة، فإذا لم تتمكّن أسوأ ظروف الاستثمار من حرب وحصار، ولا يوجد أسوأ من هذين المصطلحين لإعاقة وإحباط أي استثمار، إذا لم تتمكّن من منع نشوء استثمارات مجدية فهذا يعني أن الجزء الآخر من المشكلة التي نعاني منها مرتبط بنا، مرتبط بتوافر الإرادة، مرتبط بقراءة الواقع بشكل صحيح، ومرتبط بالمشاركة الجماعية الواسعة.
الأموال المجمّدة في المصارف اللبنانية العائق الأكبر
فإذا الحرب والحصار لم يغلقوا الأبواب بشكل كلي، هي كانت مفتوحة، أغلقت جزئياً، نستطيع أن نمر منها، يكفي أن نعرف كيف نمرّ من هذه الأبواب، هناك عوائق، والعائق الأكبر حالياً هو الأموال السورية المجمّدة في المصارف اللبنانية، والتي تقدّر بعشرات المليارات، والبعض يقول بالأربعينات والبعض يقول بالستينات، كلا الرقمين كاف لإحباط اقتصاد بحجم اقتصادنا، سواء من خلال تجميد الأموال وحرمان دورة الاقتصاد من هذه الأموال الكثيرة، أو من خلال عملية تهريب هذه الأموال أو إخراج هذه الأموال والضغط المستمر على الليرة السورية وتخفيض قيمتها الشرائية على مدى سنوات وبشكل متعاقب. هذا العنصر يشكّل عائقاً كبيراً وتحدياً عسيراً، وحله مرتبط بتغير الظروف في لبنان، لكنه أيضاً درس للمستقبل لكل من فكّر بنفسه بمعزل عن الوطن فخسر هو وخسر معه الوطن، يليه بالتأثير الحصار الذي لم يتمكّن من منعنا من تأمين الحاجات الأساسية لكنه سبب اختناقات، ولا من حرماننا من وسائل ومواد إنتاج لكنه خلق صعوبات، وعلينا أن نطوّر أساليبنا لتخفيف آثاره تدريجياً، وهذا ما قمنا به ونجحنا إلى حد ما، وسنستمر بالعمل عليه دون أن نعلن ما هي الأساليب التي استخدمناها سابقاً، ولا الأساليب التي سنستخدمها لاحقاً، الكل يعرف ما هو السبب.
تطوير الإجراءات الإدارية والقوانين لتخفيف العوائق ومكافحة الفساد
يلي تلك المعوقات بالأهمية الإجراءات الإدارية، التي نعمل على تطويرها بشكل حثيث، بالتماشي مع تطوير القوانين، بهدف تخفيف العوائق ومكافحة الفساد، عندما نتحدّث عن إجراءات إدارية فهي مرتبطة بالآلاف من القوانين والتعليمات التنفيذية والقرارات والتعاميم والبلاغات، وكل هذه الصيغ الموجودة في الدولة، المشكلة ليس العدد فقط، المشكلة أو السبب الذي يجعل التقدّم فيها بطيئاً، أن كلمة واحدة في غير مكانها أو غير مدروسة بدقة أو كلمة عامة غير محدّدة بشكل واضح تخلق ثغرة في أي من هذه التشريعات وتنسف الهدف الأساسي من هذا القانون أو من هذا التشريع، لذلك هذا الموضوع نحن نسير به بشكل ثابت، ولكن الوقت إلزامي وإجباري، لكن التعامل مع تلك المعوقات بحد ذاته لا يعني أن نلمس نتائج حقيقية، تخفيف العقبات أمر ضروري لكنه لا يعوض عن زيادة الإنتاج، التي تعتبر أساس تحسّن الاقتصاد والوضع المعيشي، وأنا لا اكشف ابتكاراً، هذا ألف باء الاقتصاد، العقبات عامل من مجموعة عوامل، كما قلت قبل قليل، بحاجة لإرادة، بحاجة لرؤية، بحاجة لمبادرة، بحاجة لعمل جماعي، لعناصر كثيرة يجب أن تجتمع مع بعضها البعض، لذلك يجب أن يكون عنوان المرحلة القادمة هو زيادة الإنتاج، ودور الدولة هو فتح الأبواب بشكل أوسع للاستثمار في كل المجالات، صناعية وسياحية وخدمية، وأهمها بالطبع الزراعية ولمختلف الشرائح، كبيرة ومتوسطة وصغيرة، وهذا ما عملنا عليه بهدف تحسين بيئة الاستثمار.
في بداية هذا العام صدر قانونان مهمان، الأول لتشجيع الاستثمار بشكل عام، والثاني لدعم المشاريع الصغيرة، وصدرت عدة قوانين عددها حوالي أربعة تقدّم إعفاءات للمستثمرين من الرسوم والضرائب بالنسبة لمواد الإنتاج، المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج بهدف تخفيف التكاليف عن المستثمرين في مرحلة الحرب التي تعتبر ظرفاً من الظروف القاهرة بالنسبة للاستثمار، هذه البيئة المشجّعة للعمل والإنتاج تقدّم المزايا المالية والإدارية للمستثمرين، تشجّع من يملك رأس المال لاستثماره وتؤمّن القروض لمن لا يملك رأس المال، تدعم كبار وصغار المستثمرين بالوقت نفسه، وهذه نقطة مهمة لأنه عبر العقود الماضية كان الدعم دائماً يتوجّه للمشاريع الكبيرة، وهذه من وجهة نظري هي نقطة ضعف كبيرة في الاقتصاد السوري تمّ تلافيها بهذه الحزمة، هذه البيئة تشجّع محدودي أو عديمي الدخل على الدخول في مجال الإنتاج، وهذه النقطة هي الأهم من كل هذه البيئة لكي تساعد في خلق فرص عمل ودخول أموال جديدة ومنتجين جدد في دورة الاقتصاد، وننتقل من المشاريع الصغيرة إلى المتوسطة إلى الكبيرة.
التركيز على الاستثمارات في الطاقة البديلة
المرحلة القادمة في إطار الاستثمارات هي للتركيز على الاستثمارات في الطاقة البديلة، فحل مشكلة الكهرباء هو أولوية لنا جميعاً، ليس لحيويتها لحياتنا اليومية فقط وإنما لحيويتها أيضاً لقيام الاستثمارات المختلفة، لأن جزءاً كبيراً من الاستثمارات، “خلال جولاتي الأخيرة”، لا يعمل على الوقود وإنما يعمل على الكهرباء، فلا نستطيع أن نتوسّع بالاستثمارات دون أن نؤمّن الكهرباء، بالإضافة لكون الاستثمار في توليد الطاقة البديلة هو استثمار رابح ومجدٍّ. وسنعمل على تشجيعها ودعمها عبر السياسات أو عبر التشريعات بهدف إطلاق مشاريع توليد الطاقة من قبل القطاع الخاص أو العام أو بالمشاركة بينهما، وأول مشروع مشترك تمّ إطلاقه منذ حوالي أربعة أو خمسة أيام فقط بالمشاركة بين المدينة الصناعية في عدرا وعدد من المستثمرين في القطاع الخاص، المبادرة كانت من الدولة والاستجابة كانت من القطاع الخاص، هدف هذا المشروع توليد حوالي مئة ميغاواط للمنطقة الصناعية وهذا سيخدم المنطقة الصناعية من جانب وسيخفف التقنين بالنسبة للمناطق الأخرى السكنية، ميزة هذا المشروع أنه قابل للتوسّع في المنطقة نفسها، وبكل تأكيد سنسعى للعديد من المشاريع المشابهة في المناطق الأخرى الإنتاجية أولاً، وربما ينتقل لاحقاً إلى المناطق السكنية.
المرحلة القادمة هي للشفافية وأتمتة كل الإجراءات
المرحلة القادمة هي للشفافية، فأتمتة الخدمات وتقديمها إلكترونياً، بالإضافة إلى إطلاق خدمة الدفع الإلكتروني، هو جوهر تطوير الإجراءات من جانب، ولكنه أساس الشفافية من جانب آخر، فهو يمنع الفساد والهدر ويحقق العدالة وتكافؤ الفرص، وبالوقت نفسه يجعل المعاملات شفّافة للدولة والمواطن، ويمنع الالتفاف على القوانين، ويساهم بشكل كبير جداً في الحفاظ على المال العام من خلال زيادة قدرة الدولة على مراقبة كل الإجراءات بدقة ووضوح. سنوات ونحن نتحدّث عن الجباية الضريبية الخاطئة، وأن الدولة لا تأخذ أموالاً، والفساد، كل هذه المواضيع مرتبطة ببعضها ولا يمكن حلها دون شفافية، ولا يمكن أن تكون هناك شفافية دون أتمتة كل الإجراءات، فإذا البداية من هذا الموضوع، ونحن انطلقنا به منذ بداية العام الحالي، وهناك بعض الإجراءات ابتدأنا بها في العام السابق، والشفافية هي هيكلية واضحة للمؤسسات وصلاحيات محدّدة للمسؤولين وإجراءات دقيقة معروف ألفها من يائها، وهذا هو جوهر برنامج الإصلاح الإداري، والذي لن يلمس المواطن نتائجه سريعاً.
الإصلاح.. لمؤسسات حكومية متطوّرة وفعّالة وعادلة
هذا لا يعني أنه لا يوجد تقدّم، لكن المرحلة الحالية من الإصلاح الإداري تعمل على البنى المركزية للدولة، والبنى المركزية للدولة ليس لها علاقة مباشرة مع المواطن، لذلك كل هذا الإصلاح في هذه المرحلة لن يكون له انعكاس على المواطن، فكما قلت لا يعني بأنه لا يوجد تقدّم، هناك تقدّم جيد، ولكن يجب أن نعرف نقطة مهمة أن مؤسسات الدولة السورية هي مؤسسات قطاع عام، يعني ضخمة جداً وكبيرة جداً، يعني الإصلاح سيكون معقّداً جداً بالوقت نفسه، لكن بكل الأحوال هذا المشروع هو الأساس الذي لا غنى عنه لمؤسسات حكومية متطوّرة وفعّالة وعادلة، هو بنية تحتية، إذا دخل شخص إلى منزل وهذا المنزل مجهّز بكل وسائل الراحة الحديثة لكنه اكتشف أن الماء والكهرباء غير موجودين، أو أنهما موجودان ولكن أساس البناء كله سيئ، يسقط البناء عند أول هزة، فهو لن يكون قادراً على السكن في هذا المنزل، فإذا هذا المشروع هو البينة التحتية للدولة الحديثة المنشودة.
تحديث القوانين لتواكب الزمن وإلغاء الاستثناءات
المرحلة القادمة هي لتحديث القوانين لتواكب الزمن، حيث يتم إلغاء الاستثناءات منها إلا فيما يستدعي ذلك، لكن ضمن ضوابط ومعايير واضحة تلغي التمييز وتحقق العدالة، انطلقنا في هذا الموضوع منذ أقل من عامين بقليل، وأيضاً نسير به خطوات إلى الأمام، وللأسباب نفسها العدد الكبير من القوانين وقلة الكوادر تجعل السير فيه بطيئاً، ولكنه توجّه عام، ونحن مستمرون بالسير به دون توقّف.
للاستمرار والتوسّع في مكافحة الفساد
المرحلة القادمة هي للاستمرار والتوسع في مكافحة الفساد، التي لم تتوقّف يوماً، لكنها تصاعدت على خلفية توافر المزيد من المعطيات المساعدة على كشف الفاسدين، توافر معطيات يعني توافر معلومات من جانب، ولكن أيضاً توافر ظروف لمؤسسات الدولة بفعل تغيّر الظروف الأمنية لكي تكون قادرة على التركيز بشكل أكبر باتجاه مكافحة الفساد، ولن يكون هناك توقّف أو تخامد لهذه العملية، ولن يكون هناك تساهل مع أي شخص متورّط، فهي ثغرة كبيرة، وإغلاقها ضرورة اقتصادية واجتماعية ووطنية.
دون الإرادة لن تؤدي كل العناوين الأخرى إلى أي نتيجة مأمولة
يبقى للمرحلة القادمة بعد كل ما سبق من العناوين سوى عنوان الإرادة، طبعاً كل العناوين التي ذكرتها هي ليست وعوداً لأن كل العناوين من الإنتاج انتهاء بالفساد، كلها ابتدأنا بها، ونحن لا ننتظر خطاب قسم لكي نبدأ به المرحلة، نحن نحدّد توجّهات، فإذا كل الأشياء لا يمكن أن نسميها وعوداً بل هي مسار نسير به بكل الأحوال وبشكل مسبق، لكن عنوان الإرادة لا يمكن أن نعد به أحداً، يجب أن نتفق عليه جميعاً، عنوان الإرادة هو عنوان وطني وعنوان جماعي، الإرادة إرادة العمل والإنتاج التي تتجاوز بقوتها كل درجات الإحباط والخضوع للواقع إن أردنا أن نحقق النتائج المأمولة، دون الإرادة كل العناوين الأخرى لن تؤدي إلى أي نتيجة مأمولة.
الحصار الفرصة الأكبر للتطوير بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية
الحصار هو الفرصة الأكبر للتطوير بالاعتماد على الإمكانيات الذاتية، وعلينا ألا نكتفي بتخفيف الخسائر بل علينا تحقيق الأرباح، وهذا ممكن ونحن قادرون فلا توجد مشكلة دون حل، لكن علينا أن نبحث عنه، ولا توجد مشكلة بلا نهاية إلا إذا بقينا ننتظر أن تأتي هذه النهاية من تلقاء نفسها، لكن الحلول لن تكون سهلة، والحلول لن تكون من دون ثمن، لكن الثمن الذي ندفعه اليوم سنحصد مقابله لاحقاً، والشعب الذي خاض حرباً ضروساً واسترد معظم أراضيه، وفرض دستوره في الشارع وصناديق الاقتراع، رغماً عن أنف أقوى الدول وأكبر الدول وأغنى الدول، بكل تأكيد قادر على بناء اقتصاده وعلى تطوير ذاته بأصعب الظروف وبالإرادة والتصميم نفسهما.
أثبتنا أننا شعب لا يدجّن وعيه ولا تنسخ هويته ولا ينسف انتماؤه
السيدات والسادة
نحن اليوم جزء من عالم هائج تتصارع أقطابه، والصراع لن يهدأ حتى يحسم أحد الأطراف النتائج لصالحه أو يحصل توازن قوى، حتى ذلك الوقت عالمنا هو غابة لا مكان فيه للإنسانية والأخلاق، حرب مباشرة أو عبر وكلاء، دعم إرهاب، إسقاط دول، تجويع شعوب، ساحة بلا حدود وبلا قواعد ونحن في وسطها، لا مكان للهروب منها أو للحياد فيها، وأخطر ما فيها هو الحرب النفسية، التي تهدف لترويض الشعوب، بعد نسف ثقافاتها، وإعادة تشكيل مفاهيمها، وقد أثبتنا في هذه الحرب أننا شعب لا يدجّن وعيه ولا تنسخ هويته ولا ينسف انتماؤه، وأن الشعوب العريقة تحيا في الواقع الحي لا في الواقع الافتراضي، فلا تبرمجها حواسيب الدجل ولا تمحي ذاكرتها فيروسات الخداع ولا تسقط في فخ الاستسلام المجاني على المنصات الافتراضية.
هدف الحروب الحديثة الإنسان قبل الأرض، فمن يهزم الإنسان يربح الحرب، فـ “إسرائيل” لم تربح الحرب عندما احتلت فلسطين عام 1948 بل اقتربت من ذلك عندما اعتقد البعض من الفلسطينيين، ومعهم البعض من العرب أيضاً، أن التنازلات المذلّة هي التي تعيد الحقوق، وعندما اعتقد البعض الآخر أن المقاومة هي شطارة لا مبدأ، وقيادة من فندق بدلاً من مقر متقدّم، وقتال من تلفاز بدلاً من خندق، وغدر شقيق بدلاً من مباغتة عدو.
ينتصر العدو عندما تنقلب المفاهيم رأساً على عقب
ينتصر العدو عندما تقتنع الغالبية أن المقاومة كذبة كبيرة، وأن قوتها وهم، وردعها خيال، ووجودها عبء، وأن ازدهار الوطن هو في انبطاحه، وأن استقلاله هو في استقلاله عن نفسه وشعبه وتاريخه ومحيطه، هنا ينتصر العدو عندما تنقلب المفاهيم رأساً على عقب، وهنا يكمن جزء من المشكلة أيضاً في سورية، والتي كانت أحد أسباب الحرب، وهو انقلاب المفاهيم، لكن هذا الانقلاب مرتبط بلعبة المصطلحات التي تمتد لعقود إلى الوراء، يسير بها الغرب، ومع كل أسف نحن في المنطقة، كعرب وربما أوسع من المنطقة العربية، نسير معهم باتجاه الهاوية حتى نصل لوقت ما تتفتت فيها المجتمعات وتندلع فيها الحرب الأهلية.
نُهزم عندما نخلط بين الانتماء العربي وبين حكومات مستعربة
لذلك لا يمكن الحديث عن المستقبل أو عن مقارعة عدو من دون توحيد هذه المفاهيم بالإطار الذي يكون إطاراً وطنياً بحتاً، أما في سورية فسوف نُهزم نفسياً وفكرياً عندما نعتقد أن انتماءنا القومي هو لحدود سياسية رسمها المحتل، وما علينا سوى الاعتذار لأحفاده عن كل كلمة قلناها بحقه خلال قرن مضى لأنه حسب هذا الاعتقاد الساذج والسطحي كان محقاً عندما حدد انتماءنا بحدودنا الراهنة، أما العلاقة بين حلب والموصل ودرعا والرمثا ودمشق وبيروت وحمص وطرابلس فهي وهم ومن صنع خيالنا، نُهزم عندما نخلط بين الانتماء العربي وبين حكومات مستعربة، وعندما لا نميز بين عروبة الانتماء وعروبة السياسة بشكلها الراهن، فنجعل من العروبة مرادفاً للخيانة، دون أن ندري، أو عندما نعتقد أن العروبة اختراع إنساني، كأي فكرة أو رواية تحوّلت إلى عقيدة تبنّتها بعض الأحزاب، ومصيرها أن تتبدّل، لأنها لم تعد مناسبة لمتطلبات العصر، وننسى أن انتماء الإنسان ليس خياراً يحدّده بإرادته ولا نظريات يتبنّاها وإنما هو حقيقة مكتسبة بالولادة بداية، وبالتفاعل مع المجتمع الذي يعيش فيه لاحقاً.
الانتماء حالة حضارية إنسانية
الانتماء أوسع من أن يحصر بعرق أو دين أو مذهب أو لغة أو مصلحة مشتركة أو إرادة مشتركة أو تاريخ أو جغرافيا، لأن الانتماء هو حالة حضارية إنسانية يجتمع فيها كل ما سبق، وهذا هو حال عروبتنا بمعناها ومضمونها الحضاري الجامع، الذي يزداد غنى بازدياد أطياف المجتمع، وهي التي تجسّد امتداد المكوّنات الحضارية في الماضي وامتزاجها مع المكوّنات الاجتماعية في الحاضر لتكون مزيجاً متجانساً متناغماً يحقق الاندماج بينها من دون ذوبان، من دون ذوبان المكوّنات، ويوحّد الانتماء مع الحفاظ على هويتها، يعني كل مجتمع وكل وطن بحاجة لعنوان، عنوان واحد بشرط ألا يمس هذا العنوان بأي من المكوّنات الموجودة في هذا المجتمع كائناً ما كان هذا المكون، ديني، طائفي، عرقي، قومي، لا يهم، كل مجتمع بحاجة لعنوان واحد، هذا العنوان يزداد غنى بازدياد المكوّنات وليس العكس، يعني عندما نقول: إن سورية عربية لا يعني أن كل من فيها عربي، ولا تعني العروبة التي نتحدّث عنها إلغاء أي مكوّن، على العكس نعتقد أن غياب أي مكوّن يقلل من قيمة هذه العروبة ويضعف هذه العروبة وينقص من قيمتها وأهميتها بالنسبة لنا، لكن البعض أحياناً عن قلة معرفة يقول: إن سورية متنوّعة فهذا يعني أن يكون لدينا عدة عناوين، لا، عدة عناوين يعني عدة أوطان، يعني تقسيم، لذلك الحديث عن العروبة ليس قضية رأي لكي نتفق معه أو نختلف معه، وليست القضية قضية ذوق لكي نحب العروبة أو لا نحبها، تعجبنا أو لا تعجبنا، هي قضية مصير، ليس مصير سورية، مصير المنطقة العربية يتوقّف على هذا المصطلح، وكل ما تم خلال العقود الماضية كان يهدف لنسف هذا المصطلح كمفهوم في عقول المواطنين العرب وفي عقول المجتمعات العربية بكل ما تحويه من مكوّنات غنية.
نخسر عندما نصدّق أن النأي بالنفس هو سياسة، وأنه يقينا من شظايا الاضطراب في محيطنا، وعندما نعتقد أن القضايا المحيطة بنا منعزلة عن قضيتنا، ونربح عندما نفهم بالعمق أن أقرب تلك القضايا إلينا هي قضية فلسطين، وأن الفلسطينيين هم أشقاؤنا، وأن التزامنا تجاه قضيتهم وحقوقهم ثابت لا تبدّله أحداث أو ظروف ولا غدر أو نفاق، وهو لا ينفصل عن التزامنا بأهلنا في الجولان، الذين ضربوا أروع مثل في الانتماء للوطن والتمسّك بهويتهم العربية السورية، وأثبتوا أنهم سيبقون مخرزاً في عيون الطارئين من الغزاة في أرضه حتى تحريره كاملاً.
تبقى قضية تحرير ما تبقى من أرضنا نصب أعيننا
السيدات والسادة
في إطار كل ما سبق تبقى قضية تحرير ما تبقى من أرضنا نصب أعيننا، تحريرها من الإرهابيين ومن رعاتهم الأتراك والأمريكيين، والسير في عملية التحرير على مراحل خلال السنوات الماضية كان يهدف لإعطاء المجال للراغبين بالعودة إلى حضن الوطن من جانب، ولإعطاء الفرصة للتحرّكات السياسية للأصدقاء من جانب آخر، هذه التحرّكات تهدف إلى إقناع رعاة الإرهاب بالتخلي عن نهجهم، وإقناع الإرهابيين بالانسحاب من المناطق التي يحتلونها حقناً للدماء ومنعاً للدمار، وقد حققت هذه السياسة نتائج مرضية في عدد من المناطق وأخفقت في أخرى، وكان الحل الوحيد دخول قواتنا المسلحة إليها والقضاء على الإرهاب وتحرير السكان المدنيين وفرض سلطة القانون، وسنستمر في إتباع هذه السياسة لتحرير باقي أرضنا، ونحن نعلم أن التركي غادر، وأن الأمريكي مخادع، لكننا لا نفوّت فرصة إلا ونستخدمها حرصاً على الأرواح وتفنيداً لأكاذيب الأعداء، وأيضاً ثقة بدور الأصدقاء، كإيران وروسيا، الذين كان لهم في وقوفهم إلى جانبنا فضل وأثر كبيران على مسار الحرب وتحرير الأراضي، بالإضافة إلى دور روسيا والصين في تغيير وجهة المسار الدولي انطلاقاً من دفاعهما عن القانون والشرعية الدوليين.
وإن كنا لا ننسى في هذا السياق أن نوجّه التحية والتقدير لكل سوري وطني شريف في المناطق الشمالية الشرقية وقف في وجه المحتل الأمريكي وحاول طرده وهو أعزل، وواجه عملاءه من المرتزقة وقدم الشهداء، فإننا لن ننسى أن البعض من جوارهم من حاملي جواز السفر السوري، والذين أدعوا استعدادهم لمواجهة العدوان التركي، قد انسحبوا من أمامه صاغرين أذلاء، وهو اليوم يسرح ويمرح تحت أنظارهم وفي أراضيهم وبيوتهم فطعنوا وطنهم مرتين، الأولى عندما تخاذلوا بالوقوف إلى جانب الجيش الوطني في السنوات الأولى للحرب عن سابق قصد وتصميم، والثانية عندما فرّ،وا أمام العدوان التركي فكانت الأولى تمهيداً للثانية، وفي كلتا المرتين كانوا الأساس والأداة في تمهيد الطريق أمام الغزاة، وكانوا جزءاً من مسرحية ألفها وأخرجها “السيد الأمريكي”، وحدّد لكل من الطرفين دوره بدقة وتموضعه على الأرض وهامش المسموح به من الكلام وحتى مقدار التعبير عن المشاعر من غضب ورضا.
دعم مقاومة المحتل واجب دستوري وشرعي وأخلاقي
نؤكد في هذا السياق على واجب الدولة الدستوري والشرعي والأخلاقي في دعم أي مقاومة تقوم في أي مكان على امتداد ساحة الوطن ضد المحتلين، وبأي شكل من أشكال المقاومة سلمية كانت أو مسلحة، وهذا الواجب هو التزام مطلق لا يخضع لأي اعتبارات حتى تتم استعادة الأرض ويطرد آخر إرهابي وآخر محتل.
في الحديث عن التحرير والأرض يبقى الفضل لمن حفظ الأرض ولمن سقاها بدمه وطهّرها بروحه، ولمن فقد قطعة من جسده لتنمو أجساداً، والعرفان لمن ربّاه على حب الوطن وزرع في نفسه بذور التضحية والغيرية والفداء، تلك العائلات هي من حفظ الأمانة الأغلى، الوطن، ومن واجبنا أن نقف إلى جانبهم لأنهم أكثر من يعبّر عن الوطن، ودعمهم بكل جوانب الدعم هو شكل من أشكال حب الوطن.
قوة الدولة لا يمكن أن تأتي إلا من داخل الوطن
السيدات والسادة
إن هذه العلاقة التي أسست بيني وبينكم، والثقة التي بنيناها معاً، هي منهج للأجيال المقبلة نحمي به الوطن في الملمات، هي درس لكل مسؤول أن النجاح الشخصي ينبع من النجاح العام للمواطنين وليس بمعزل عنهم، وأن مصلحته الشخصية تتحقّق من خلال المصلحة العامة لا العكس، وأن قوة الدولة لا يمكن أن تأتي إلا من داخل الوطن، أما الأصدقاء فدورهم مساعد، وأن الاستقرار لا يبدأ بالأمن وإنما بالأمان للمواطن، والذي ينشأ من احترامه واحترام مفاهيمه وتقاليده وعقائده بمختلف شرائح مجتمعه وعلى تنوّعه، هذه العلاقة بيننا نجحت وأنجزت عندما بنيت على قواعد اجتماعية وطنية راسخة أساسها علاقة شرائح المجتمع السليمة ببعضها، علاقة المحبة والاحترام المتبادل، فالتنوّع غني وجميل لمن يقدّره، وبلاء على من لا يستحقه، فكلنا على حق عندما نحترم كل الآخرين، وكلنا على خطأ عندما تعتقد كل مجموعة أنها صائبة وغيرها مخطئ بمفاهيمه أو بعقائده أو بنمط حياته، هذه القواعد الوطنية تسمح بالاختلاف بين أبناء الوطن، أما الخلاف بينهم فحله داخل الحدود، بين الأخوة وعبر المؤسسات، هذه القواعد تشجّع على الإصلاح بالتطوير وتمنع الإصلاح بالتدمير، ترعى التنوّع الاجتماعي مع الحفاظ على الإجماع الوطني، وأن تمسكنا بها في كل الظروف بل في كل العصور، وبالمسلّمات، الوطن، المجتمع، العقيدة، الانتماء، القيم، هو جوهر الأمان وهو جوهر الاستقرار وهو الطريق إلى الانتصار.
إن المحبة والثقة التي ألمسها من قبل كل فرد فيكم إذ تعزّز لدي الشعور بالمسؤولية فهي تعزّز عندي أيضاً القناعة بأن من يعمل للآخرين ويعيش من أجلهم لا بد أن يرى نتيجة ذلك من دعم لا محدود، أصيب حيناً وأخطئ أحياناً، وثقتكم هي التي تجنبني الانحراف عن النهج القويم وتقيني من الخروج عن المسار السليم، وأننا إذ نكمل اليوم معاً مسيرة التحرير والبناء والنهوض من ركام الدمار ونتابع المضي في طريق الوطن المجيد فإني أتوجه إليكم جميعاً، أخوتي وأخواتي أبناء سورية، بالتحية والإجلال لما جسّدتموه من صدق الانتماء لسورية ومن مضاء العزيمة على متابعة التحدي في سبيل منعتها ورفعتها، وأني إذ أنظر إلى المستقبل الواعد فإني أتطلع إليكم وأرنو إلى عيونكم المتقدة تصميماً وأملاً، أستمد منها قبساً من ضياء ينير دربي واستلهم من عميق إيمانكم ما يعينني في مهامي من أجل نهوض وطني شامل، نهوض يستعيد سورية المتجدّدة ويعيد إعمارها وإنماءها وألقها من جديد.
فلنعد العدة للمستقبل، ولنكافح الإحباط بالأمل، والتقاعس بالعمل، ولنتأهب للمزيد من البناء والتحرير ليبقى الشعب باسماً والوطن بهياً، وليبقى الأمل كبيراً والعمل كثيراً والإنتاج غزيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.