الشاعرة رنا محمود تقدم نفسها دون رتوش في “سر نبوءتي”
احتفى المركز الثقافي العربي في أبي رمانة مؤخراً بالشاعرة رنا محمود التي وقّعت مجموعتها الشعرية “سر نبوءتي”، وهي المجموعة الثالثة لها بعد “صرخة أنثى” و”الأرض بعض ظلي”، كما عُقدت ندوة حول المجموعة أدارها الإعلامي جمال الزعبي وشارك فيها: د. عبد الله الشاهر، والروائي سهيل الذيب، والقاص والروائي محمد أحمد الطاهر.
وبيّنت محمود في تصريحها لـ”البعث” أنها تتعمّد كتابة نصوص تتصف بتمردها وحملها هموم المرأة الشرقية وسعيها إلى الحرية والخلاص من القيود وما في وجدانها من حب وحنين، مشيرة إلى أن الكتابة تشبهها والشعر هاجس الحياة الأول في التعبير الحقيقي عن الأحاسيس الصادقة، وهي تقدّم نفسها في المجموعة دون رتوش في كلمات تعبّر عن ذاتها وما يتصل بها في هذا العالم بعيداً عن أي تزويق لفظي أو مماحكة صورية، فصوتها مرسال، وتتمنى أن يصل إلى القلوب وهي في هذه المجموعة كتبت للوطن والحب والإنسانية بصوت الأنثى.
أنا الظاهرة
وبيّن د. عبد الله الشاهر أن المجموعة احتوت على إهداء ومقدّمة وفاتحة وخمس وأربعين قصيدة يغلب عليها الجانب العاطفي وحالات أنثوية طاغية، وكانت الشاعرة محور النص الشعري فيها، مشيراً إلى أن القصيدة عند الشاعرة محمود ذاتية وتتمحور في غالبيتها حول أناها، وهي لا تخفي ذلك، وقد صرّحت بذلك في إهدائها، لكن ما يجعل القصيدة لديها تأخذ منحى العمق -برأي الشاهر- أنها جعلت من ذاتها إشراقة الغد وإسقاطات التاريخ والحلم الماثل بين يديّ الحبيب، وقراءة نصها قراءة سريعة ستجعلنا نلحظ أن الأنا الظاهرة هي السمة الأساسية في مجمل قصائدها في هذه المجموعة والتي تلونت بإثارات لغوية حسية، موضحاً أن النصوص على الصعيد الفني برزت فيها وبشدة التوكيدية: “هذه أنا، السر المدفون والصرخة الثكلى، هذه أنا، الصلصال يروي حكايتي”، مع سيادة الجملة الفعلية وتراجع الجملة الخبرية وسيطرة واضحة للفعل المضارع على النص، وغياب ملحوظ لفعل الأمر والفعل الماضي، وهذا يدلّ على حالة من الرؤية المستقبلية والتي تسميها الشاعرة “نبوءة” وتغذيها بالأمل والتفاؤل والتوق إلى الحركة والتقدّم، مع إشارته إلى أن الشاعرة تحرّرت في قصائدها من الموسيقا الشاعرية والوزن وقد تخلّت عن الخليل بن أحمد الفراهيدي لتصمد في بناء نصها على إيقاعية الجملة الشعرية اللافتة.
حالمة كبيرة
وبيّن الروائي سهيل الذيب أنه مع التمرد الممزوج بالوعي الذي يرفض واقعاً مؤلماً ويناضل في سبيل تغييره، لذلك تحدث عن لغة الصداقة والاحترام للذات وللمتلقي الذي بدا واضحاً في كتابات الشاعرة رنا محمود التي بدت امرأة طفلة تُقدّم نفسها بكل شفافية، طالباً أن نقرأها كما سفحت نفسها على أوراقها، مشيراً إلى أن اللافت في نصوص محمود أنها تطورت كثيراً عما سبق، وهذا يُحسب لها ويؤذن بولادة شاعرة حقيقية كقولها مثلاً: “أنا أنثى حررتُ نفسي من قيود الزمن، مدايَ كل هذا الكون رؤاي الأزرق الممتد”، مؤكداً أن شعرها يحرك الفكر ويحمل الذائقة الفنية، منوهاً بالمرحلة الجديدة التي تعيشها في تقدمها في رحاب قصيدة النثر ولاسيما قصيدة “أكسجين الحب” وغيرها من القصائد، مبيناً أن هذا الديوان حمل بين جناحيه الحب بكل أشكاله، ناثراً إياه على الناس كلهم ويتّسم بتمرد الشاعرة على المفاهيم والقيم البالية التي تحدّ من قدرة المرأة على التميز والإبداع، وهي في الوقت ذاته تشنّ في قصائدها هجومها على أولئك الذين لا يجدون في المرأة سوى جسد للارتواء فقط، إلى جانب أن الشاعرة كانت في هذا الديوان حالمة كبيرة في تحقيق كل ما تريد بالإرادة والعزيمة والصبر، وختم الذيب كلامه منوهاً بأنه لم يجد أيّة نبوءة خارج منظومة العقل البشري في المجموعة التي كتبتها محمود إلا إذا قصدت أنها بتحليلها الفكري والمنطقي للأشياء يجعلها تسمي ذلك نبوءة، والتنبؤ في كثير من الأحيان برأيه هو دراسة الواقع وإطلاق حكم مستقبلي عليه.
شعر أنثوي
ورأى القاص والروائي محمد أحمد الطاهر أن الشاعرة قدّمت شعراً أنثوياً طافحاً بالمحبة والشوق والحنين، فكانت الشاعرة تعزف على أوتار الحب والقداسة تارة وأوتار الجنون تارة أخرى، مبيناً أن نبوءة الشاعرة تمزج ما بين فاتحة القصيدة وأنفاس الطفولة وحكايات ألف ليلة وليلة ورموز أسطورية جعلت من الأنثى لغزاً للقصيدة، مبيناً أن الشاعرة اتكأت على ثقافة شعرية جاءت بها من هذا التراث التاريخي.
أمينة عباس