أفغانستان .. فشل أمريكي ونجاح صيني متوقّع
عناية ناصر
أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن المهمة العسكرية الأمريكية في أفغانستان ستنتهي بحلول 31 آب القادم، كما أعلن أن الولايات المتحدة قد أنجزت أهداف مكافحة الإرهاب وأن الوقت قد حان للرحيل، لكن الانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من أفغانستان قوبل بمعارضة داخلية كبيرة.
من وجهة نظر كثير من الناس، يُظهر “الانسحاب” أن الولايات المتحدة فشلت واضطرت إلى الفرار على عجل. عندما شنت الولايات المتحدة الحرب على أفغانستان قبل عشرين عاماً، كانت واثقة، حسب زعمها، أنها قريبة من الانتصار، لكن سرعان ما وجدت نفسها أنها عالقة في مستنقع، حيث عدلت مراراً وتكراراً أهدافها الحربية. كانت القوات الأمريكية في مواجهة حركة طالبان، التي تكاد لا تتلقى أي مساعدات خارجية، ولكن وبعد إنفاقه أكثر من تريليون دولار أمريكي وحياة أكثر من 2000 جندي أمريكي، لم تستطع الولايات المتحدة التعامل معها. لقد عملت طالبان بشكل أساسي من أجل تحقيق نهاية مماثلة مثل حرب فيتنام، هذا تصوير للانحدار الحالي في قوة الولايات المتحدة.
يبدو أن الولايات المتحدة مغرمة بشكل خاص بالحروب، لكنها تترك مشروعاً فوضوياً غير مكتمل في كل حرب تقريباً. بمعنى أن كل حديث في واشنطن عن الانتصار في هذه الحرب ما هو إلا خداع للذات. يقول المتحدث باسم طالبان سهيل شاهين إن الصين “صديقة” لأفغانستان وتأمل في التحدث إلى بكين بشأن الاستثمار في أعمال إعادة الإعمار، وقال أشخاص من دول أخرى يريدون استخدام أفغانستان كموقع “لشن هجمات” ضد دول أخرى، لقد تعهدنا بأننا لن نسمح لهم ، سواء أكان فرداً أو كياناً ضد أي دولة بما في ذلك الصين”.
هذه التصريحات جذبت انتباه العديد من الصينيين، فبعد 20 عاماً من الحرب والاضطراب، تعتبر كل من الحكومة الأفغانية وطالبان الصين صديقة، و يمكن القول على وجه اليقين أن أفغانستان كلها تعتبر الصين صديقاً، وهذا يوفر أساساً جيداً للصين لتلعب دوراً إيجابياً في وضع أفغانستان في المستقبل.
ومع ذلك ، يعتقد أن الصين ستستخدم نفوذها بحذر شديد، وهي لن تذهب إلى أفغانستان لملء الفراغ الذي خلفه انسحاب القوات الأمريكية، لكن موقع الصين كجارٍ صديق لأفغانستان لن يتغير ولن يغير المبدأ الأساسي المتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان. يقول الصينيون: سوف نقدم المساعدة الضرورية فقط في حدود قدراتنا، ولن نسيطر على أفغانستان أبداً، لأن لأفغانستان نمط مصالحها المتأصل وتقاليدها الثقافية، وهي تعتبر على نطاق واسع “مقبرة الإمبراطوريات”. فعلى مدى أكثر من 40 عاماً، عانى كل من الاتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة من الفشل في البلاد، ولهذا لن تدخل الصين أفغانستان أبداً في طريقها، وهذا سيضمن ألا تصبح الصين أبداً الدولة “الثالثة” بعد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
إن الدفاع عن مبادئ التعايش السلمي ليس شعاراً فارغاً في الصين، فهي توجه دبلوماسية الصين بشكل فعال، ومكنتها من التعامل بمهارة مع بعض أكثر المشاكل صعوبة. لذلك إن استقرار أفغانستان ينسجم مع مصالح واهتمامات الصين، وبمجرد أن يسمح الوضع في أفغانستان ستقوم الشركات الصينية بالاستثمار في البلاد، لإعادة إعمارها وتدوير عجلة اقتصادها.
أقامت العديد من الدول المجاورة للصين علاقات اقتصادية وتجارية وثيقة معها، ولن تكون أفغانستان استثناءً على المدى الطويل، فالضرر الذي جلبته الولايات المتحدة لأفغانستان سينتهي، وتفتح صفحة جديدة في البلاد. لكن لا يزال من غير المؤكد ما ستؤول الأوضاع إليه في أفغانستان، كما أنه من غير المؤكد خروج البلاد من الفوضى، لكن الصين ستظل دائماً جاراً لأفغانستان وعلى استعداد للمساعدة، ولن تدخل أفغانستان كقوة عسكرية كبرى.