الحساب والتعويضات في أفغانستان
سمر سامي السمارة
تدين الحكومة الأمريكية بتعويضات للمدنيين في أفغانستان عن عشرين عاماً من الحرب والاحتلال الوحشي، فقبل عدة أيام، فرّت 100 أسرة أفغانية من أقلية “الهزارة” من مقاطعة “باميان” الريفية وسط أفغانستان إلى كابول، خوفاً من هجوم مسلحي طالبان، حيث تلاحق الذكريات المؤلمة الأفغان وتدفعهم للهروب طلباً للحماية.
في الواقع، لم تُنفق الولايات المتحدة الأموال لانتشال الأفغان إلى مكان آمن، ولكن لإحباطهم بشكل أكبر، ما أدى إلى القضاء على آمالهم في حكم تشاركي في المستقبل بعد عشرين عاماً من الحرب والفقر الوحشي.
كانت الحرب مقدمة لتراجع الولايات المتحدة الحتمي وعودة طالبان، التي ربما تكون أكثر غضباً للسيطرة على السكان المحطمين، ولعلّ انسحاب القوات الذي تفاوض عليه الرئيس بايدن والمسؤولون العسكريون الأمريكيون ليس اتفاق سلام، بدلاً من ذلك، يشير إلى نهاية الاحتلال الناجم عن غزو غير قانوني.
وبينما تغادر القوات، فإن إدارة بايدن تضع بالفعل خططاً للمراقبة عبر الطائرات بدون طيار “في الأفق”، وهجمات الطائرات بدون طيار، وغارات على الطائرات “المأهولة” التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم وإطالة أمد الحرب.
لذلك لا يتعيّن على الأمريكيين أن يأخذوا في الاعتبار التعويض المالي عن الدمار الناجم عن عشرين عاماً من الحرب، بل الالتزام أيضاً بتفكيك أنظمة الحرب التي جلبت مثل هذه الفوضى وتشريد أعداد كبيرة من المدنيين في أفغانستان. فخلال عام 2013، عندما كانت الولايات المتحدة تنفق كل عام 2 مليون دولار تقريباً على كل جندي موجود في أفغانستان، ارتفع عدد الأطفال الأفغان الذين يعانون سوء التغذية بنسبة 50٪. وفي الوقت نفسه، كانت تكلفة إضافة الملح المعالج باليود إلى النظام الغذائي للطفل الأفغاني للمساعدة في تقليل مخاطر تلف الدماغ الناجم عن الجوع 5 سنتات لكل طفل سنوياً.
وبينما كانت الولايات المتحدة تشيّد قواعد عسكرية مترامية الأطراف في كابول، كان عدد السكان في مخيمات اللاجئين في ارتفاع. وخلال أشهر الشتاء القاسية، كان الناس الذين يتوقون بيأس للدفء في مخيم للاجئين في كابول يحرقون البلاستيك ويضطرون لاستنشاقه، وكانت الشاحنات المحمّلة بالطعام والوقود والمياه والإمدادات تدخل باستمرار إلى القاعدة العسكرية الأمريكية عبر الطريق من هذا المعسكر.
وعليه يجب على الأمريكيين أن يعترفوا بأن المتعاقدين الأمريكيين وقّعوا صفقات لبناء مستشفيات ومدارس تمّ تحديدها لاحقاً على أنها مستشفيات ومدارس وهمية، وهي أماكن غير موجودة نهائياً.
وفي 3 تشرين الأول 2015، عندما كان مستشفى واحد فقط يخدم أعداداً كبيرة من الناس في ولاية قندز، قصف سلاح الجو الأمريكي المستشفى لمدة ساعة ونصف، ما أسفر عن مقتل 42 شخصاً من بينهم 13 موظفاً، ثلاثة منهم كانوا أطباء. كان هذا الهجوم بمثابة الضوء الأخضر لجريمة الحرب المتمثلة بقصف المستشفيات في جميع أنحاء العالم.
وفي الآونة الأخيرة، في عام 2019، تعرّض العمال المهاجرون في ننجرهار للهجوم عندما أطلقت طائرة بدون طيار صواريخ على مخيمهم الليلي، إذ استأجر صاحب غابة الصنوبر عمالاً، كان بينهم أطفال لحصاد الصنوبر، وأبلغ المسؤولين في وقت مبكر، على أمل تجنّب أي لبس، لكن 30 عاملاً قُتلوا أثناء استراحتهم بعد يوم عمل شاق، وأصيب أكثر من 40 شخصاً بجروح بالغة.
ووفقاً لتحقيق أجراه موقع “ذي إنترسبت”، تظهر وثائق مسرّبة للبنتاغون أن 90% ممن قتلوا في ضربات بواسطة طائرات للولايات المتحدة من دون طيار، خلال فترة واحدة من خمسة أشهر في 2013 في سياق “عملية هاي ميكر” حملة عمليات خاصة في شمال شرق أفغانستان، كانوا من الأشخاص غير المستهدفين بالقصف.