تحقيقاتصحيفة البعث

الزراعة المحمية تتلاشى في طرطوس.. تكاليف الإنتاج تأكل جهد المزارع وترهق جيب المستهلك!

لؤي تفاحة 

شكلت البيوت البلاستيكية مظلة آمان لعدد كبير من الأسر التي تعمل بهذا النوع من الزراعة وخاصة في المناطق الساحلية والمناطق الأخرى التي تصلح فيها الزراعة بالبيوت البلاستيكية والتي تختص بالخضروات، لكن الملاحظ اليوم وجود انكماش أو انحسار أو تناقص بأعداد البيوت المحمية، وإذا كانت الظروف المناخية تلعب دوراً في ذلك لكن قلة الدعم لها دوراً أكبر، ففي ظل ارتفاع مستلزمات الإنتاج وتكاليف النقل والتسويق وغيرها من أمور أجبر العديد من المزارعين لهجر هذه الزراعة.

علة المزارعين
في جولة لـ”البعث” في أكثر من منطقة في ريف طرطوس وبانياس أجمع المزارعون الذين التقيناهم على غلاء مستلزمات الإنتاج وتكاليف الزراعة، إضافة إلى ارتفاع أجور الشحن وعدم توفر المازوت لتشغيل الحراقات، إلى جانب سوء نوعية المبيدات والغش في تصنيعها وعدم مراقبة عمل الصيدليات الزراعية وغير ذلك الكثير من المشاكل والأسباب التي أدت وساهمت في تراجع الإنتاج لدرجة أن المحصول بات لا يساوي أجور تكلفته، مما جعل هناك صعوبة بالاستمرار في هذا النوع من الزراعة نظرا لتكاليفها الباهظة ومخاطر زراعتها وفي ضوء عدم تعويض المزارع عن خسائره المتكررة.
عدد من المزارعين كشفوا عن تحول العديد من الزراعات قي المنطقة إلى الزراعات البديلة (الاستوائية) وغيرها كونها لا تحتاج لمثل هذه التكاليف كما أن أسعارها ذات جدوى اقتصادية كبيرة وتحقق الريح المناسب بعشرة أضعاف عن المحمية!.

٢٥ مليون ليرة
المهندس الزراعي سمير صالح صاحب الخبرة الطويلة في الزراعة المحمية كشف بأن كلفة البيت الزراعي لزراعة البندورة تقدر بحوالي من ٢٠- ٢٥ مليون ليرة، مشيراً إلى أن أكثر من نصف هذا المبلغ فقط للهيكل المعدني وشريحة النايلون فيما تتوزع بقية الكلف في مصاريف أخرى، وبالتالي يبقى من المهم السؤال عن إنتاجية هذا البيت لكي لا يقع المزارع في الخسارة، موضحاً أن تكاليف الشحن تزيد الطين بلة حيث لا تقل أجرة السيارة من أقرب نقطة لسوق الهال عن ٢٥٠ ألف ليرة لحوالي 20 كيلومتراً، ناهيك عن سوء معاملة تجار السوق، والسمسرة المرتفعة والتلاعب بالوزن وغيره، مبيناً بالوقت نفسه أن إنتاجية البيت يجب أن لا تقل عن سبعة طن من البندورة كمبيع وهذا من المتعذر لعدة أسباب ومنها أن سعر مبيع الكيلو الواحد في سوق الهال لا تتجاوز ٢٥٠٠ ليرة في أحسن الأحوال في حين أن إنتاجية البيت قد لا تصل لنصف مبلغ الكلفة في أفضل الظروف وهنا الطامة الكبرى، كما أن نوعية البذار والشتول وغيرها ليست مناسبة وذات إنتاجية ضعيفة بالإضافة لنوعية الأدوية السيئة والمهربة والبعيدة عن الرقابة وهذا كله يضع الموسم والمزارع على محك الاستمرار وتحمل خسائر مضاعفة طارئة فيما لو تعرض الموسم لكارثة طبيعية مثل التنين البحري او انخفاض درجة الحرارة لما دون الصفر.

تحذير!
فؤاد علوش رئيس اتحاد فلاحي طرطوس حذّر من مخاطر الواقع السيئ للزراعات المحمية والتي تشكل عصب الزراعة والإنتاج في المنطقة ومصدر رزق مستمر لمعظم أهالي الريف وكذلك لما تشكله من سوق للعمالة حتى بالنسبة لبعض أبناء الداخل المقيمين لأسباب مختلفة في الساحل، مشيراً إلى إرسال العديد من إلى الجهات المعنية تتضمن محاذير التحول نحو الزراعة البديلة وضرورة دعم الزراعة المحمية والمحافظة على وجودها نظرا لأهميتها الاقتصادية لما تشكله من صمام آمان للأمن الغذائي وكونها ضرورية لكل مائدة، مطالباً بتفعيل دور الصندوق الوطني للتعويض أو التخفيف من الكوارث الطبيعية وتبسيط الإجراءات للحصول على التعويض المطلوب لافتا إلى وجود أكثر من ١٥٠ ألف بيتا للزراعات المحمية في طرطوس على الورق في حين أن الواقع اقل من ذلك بكثير لجملة من الأسباب التي باتت معروفة للجميع.

توضيح!
ومن جانبه، أشار المهندس ياسر علي رئيس دائرة الإنتاج النباتي في مديرية زراعة طرطوس أن التوسع في الزراعات المحمية خلال السنوات القليلة الماضية بات محدوداً بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج الكثيرة ومع ذلك فان مديرية الزراعة تعمل بشكل مستمر من خلال دورها الإرشادي للمحافظة على استمرارية هذه الزراعة، حيث تقدم الإرشاد الزراعي وكل ما يحتاجه المزارع كما تعمل المديرية لتقديم 3-5 ليتر من المازوت المدعوم لكل بيت محمي بحسب توفر المادة كاشفا بأنه تم في الموسم الماضي تأمين ٢٥ ألف بيت لدى المؤسسة العامة للتامين حيث تنصح المديرية بالاستمرار بهذا النوع من التامين نظرا لأهميته، فالصندوق الوطني للتخفيف من الكوارث الطبيعية يقوم بتغطية الأضرار الحاصلة والتعويض المناسب للمتضرر بحسب نسبة الضرر في البيوت غير المؤمنة لدى مؤسسة التامين.
بالمختصر، مهما قيل عن الدعم المقدم لكنه يبقى محدوداً وغير ملموساً في ظل ما يتعرض له المزارع من ارتفاع تكاليف ومستلزمات الزراعة المحمية وعدم القدرة على كبح جماح غلاء مستلزماتها وضمان التسويق المناسب والأسعار التي تحفظ كرامة المزارع بدءاً من قفص الحديد وانتهاء بسمسار سوق الهال الذي يبتلع الرزق مع تاجر المواد الأولية أمام عين صاحبه مروراً بسائق الشاحنة وكلف الأدوية والمبيدات وقطف المحصول فيما يبقى هو والمستهلك ضحية كل هذا الاستغلال البشع الأمر، ويبقى السؤال: متى يعاد النظر بالسياسات الزراعية المتبعة الخاطئة وتأمين ما يلزم للمزارعين لتشجيعهم على الاستمرار بالزراعة؟!