الجانب الاقتصادي في خطاب القسم
يتجلى الجانب الاقتصادي في خطاب القسم للسيد الرئيس بشار الأسد، في أبهى صوره، من خلال نص القسم نفسه، إذ أقسم سيادته قائلا: “أقسم بالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته، والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية”، وهو يدرك كل الإدراك أن التزاماته الصادقة الأمينة بمضمون هذا القسم كانت الرصيد الأعلى والأغلى الذي استلهمه في كل عمل قام به، أو مسؤولية نهض بها أو قرارا اتخذه، ويعزم مجددا على بذل كل الجهد في سبيل صون مصلحة الوطن، وأن يكون عند خيار المواطنين، يبادلهم صمودهم وصلابتهم بالعطاء، وبالمزيد من الإرادة والعمل من أجل تحقيق تطلعاتهم، إذ هم كانوا السند الحقيقي في كل ما تم من إنجازات، وعهده أنهم سيظلوا على ما هم به، انطلاقا من قناعة لا تتزعزع أن حفظ سورية وصون استقرارها، يتحقق بأكبر قدر من الإجماع الشعبي.
ونوَّه سيادته بعواقب سنوات الحرب الماضية، مع بدء الشروع في عملية تطوير واسعة تتطلب تعبئة طاقاتنا ومواردنا بأقصى سرعة، ولكن بمقدار ما تستنفر إمكاناتنا تجعلنا أصلب عودا وأكثر قدرة على المواجهة، بفضل متانة مجتمعنا الذي صقلته التجارب والتحديات خلال العقود الماضية، فكان السند والبوصلة في كل قرار، فقوة الدولة بقوة مواطنيها، النابعة من شعورهم بمواطنتهم، والمرتكزة إلى مشاركتهم جميعا حسب مواقعهم، فإنجاز أي أمر مرهون بمجموعة مركبة من العوامل والاعتبارات، في مقدمتها الدعم الشعبي للتوجه المطروح، آخذين بعين الاعتبار تعزيز العناصر الإيجابية التي تدفع عملية التنمية إلى الأمام، في سياق عملية صعبة تتطلب جهدا كبيرا ووقتا طويلا وأدوات ملائمة، وفي ضوء مجموعة من الأولويات بحسب حيويتها جماهيريا وأهميتها في تعزيز قدراتنا الذاتية، وفق نهج مدروس، وفي ضوء الإمكانات المتوفرة، والشعوب الحية التي تعرف طريقها إلى الحرية لا تتعب في سبيل حريتها مهما طال الطريق وصعب، والشعب الذي خاض حرباً ضروساً واسترد معظم أراضيه وفرض دستوره رغم أنف أقوى الدول وأكبرها وأغناها، قادر، بكل تأكيد، على بناء اقتصاده وتطوير ذاته في أصعب الظروف وبالإرادة والتصميم نفسهما.
قرارنا الاقتصادي يقتضي بناء أسس متينة للاقتصاد تمكن من تحسين مستوى المعيشة للمواطنين بصورة جدية ومستدامة، واستمرار الدولة في أداء دورها راعيا لتحقيق العدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر والبطالة وتدعيم شبكات الأمن الاجتماعي، وقد صدرت بعض القرارات السياسية التي هيأت البيئة المناسبة لإجراء التحولات الاقتصادية، مع الاستمرار في إصدار القوانين في ضوء الحاجة، وبالتشاور مع الفعاليات المعنية فيها، وتعديلها حال أية ثغرة فيها، لكي تصبح أكثر فاعلية، وقد صدرت بعض القرارات الخاصة بتطوير القطاع العام، ومعالجة أوضاعه الإنتاجية والإدارية والمالية، وتوجد خطوات قريبة لتصحيح أوضاع القطاع العام الصناعي، وتم الشروع بتنفيذ مشروعات كبرى في مجال إنتاج الطاقة والري واستصلاح الأراضي وتزويد قطاع الزراعة بمتطلبات النماء في سلم الأولويات، مع الاستمرار في بناء القدرات العلمية والتقنية. وعلى مستوى الإصلاح الإداري فقد بذلت جهود لإحداث تطوير هيكلي في بنية الحكومة والعمل الحكومي، وما زالت الحاجة قائمة إلى آليات لمكافحة الفساد، فالمحاسبة آلية مهمة لكنها ليست كافية، لذلك فإن التطوير الإداري وتوسيع استخدام التقنيات الحديثة هي آليات مكملة، علما أن الفساد قضية أخلاقية وتربوية بالدرجة الأولى وهي قضية بين يدي المجتمع بأكمله.
إن الجهود قائمة بإيلاء الأجيال الناشئة كل الرعاية عبر تحصينها ماديا ومعنويا والاهتمام بمستقبلها العلمي والمهني، ووضع قضية البطالة التي تؤرق الأجيال الشابة في أولوية اهتمامات المرحلة المقبلة، ونتطلع إلى انجاز عدد من الخطوات التطويرية في المرحلة القادمة التي تسهم في تدعيم بنائنا الوطني، آخذين بعين الاعتبار أن إعلان المبدأ لا يعني تطبيقه غدا، فقد يتطلب تطبيقه توفر ظروف معينة، كما أن تنفيذ التشريع قد يتطلب زمنا بعد صدوره، وإن لم نحلل، ولم نتعلّم دروس ما حصل في الماضي، فسوف ننتقل إلى المستقبل زمنياً فقط، وتلك كارثة الكوارث.. “فلنكافح الإحباط بالأمل، والتقاعس بالعمل، ولنتأهب للمزيد من البناء والتحرير، ليبقى الأمل كبيرا والعمل كثيرا والإنتاج غزيرا”.
عبد اللطيف عباس شعبان / عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية