في يوم عيده.. الجيش العربي السوري جيش الأمة وحامل لوائها
د. معن منيف سليمان
كانت ولادة الجيش العربي السوري، في الأول من آب عام 1946، نصراً أكيداً حققه الشعب العربي السوري بانتصار إرادته وبتحقيق مطلبه بأن يكون الجيش جيش الشعب المؤمن بقضاياه والمدافع عن أرضه، وإنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن جيشنا نشأ على الإيمان بواجبه القومي معتبراً نفسه جيش الأمة، رافعاً لواء القومية والوحدة، ومؤمنا بأهداف الأمة العربية.
وكانت البدايات الأولى لجيشنا بدايات نضال ومقاومة ضد عدو أجنبي محتل، فبعد دخول القوات الفرنسية الغازية دمشق إثر معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920، أقدمت سلطات الاحتلال على حل الجيش الوطني، واستحدثت تشكيلات بديلة أسندت قيادتها لضباط فرنسيين، فعمد الكثير من عناصرها إلى الالتحاق بالتشكيلات العسكرية الوطنية التي اشتدّ عودها، واتسعت جبهة نضالها ضدّ المحتلين الفرنسيين، ما أجبر هؤلاء على اتخاذ قرار وضع هذه التشكيلات تحت تصرف السلطات السورية عام 1945، ونتيجة لذلك تم إعلان تأسيس الجيش العربي السوري في الأول من شهر آب من ذلك العام.
ولقد حافظ جيشنا على دوره الوطني والقومي المشرف بعد الاستقلال، ففي عام 1948، اغتصبت العصابات الصهيونية فلسطين العربية، فهب جيشنا، وهو لا يزال يافعاً، للدفاع عنها، وكانت له ملاحم بطولية سطّرت بدماء شهدائنا الأبرار الذين قدموا أرواحهم رخيصة دفاعاً عن أرض فلسطين وكرامتها، كذلك ساند جيشنا الشقيقة مصر في تصديها للعدوان الثلاثي الغاشم عليها عام 1956، واستشهد البطل جول جمال وقتذاك مجسداً وحدة الدم العربي في سورية ومصر بأبهى صورها، فدمر البارجة الفرنسية، واستشهد تلبية لنداء الأشقاء في مصر.
ووقف الجيش العربي السوري ضدّ المشاريع والأحلاف الاستعمارية الهادفة إلى جر سورية إلى حظيرة السياسة الاستعمارية، مثل حلف بغداد وغيره، وأسهم في تحقيق الوحدة بين سورية ومصر عام 1958، أول تجربة وحدوية في تاريخنا المعاصر، حيث كان للوفد العسكري السوري دور كبير في مفاوضة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإجبار السلطة القائمة آنذاك على التوقيع على ميثاق الوحدة، ثم كان الدور المشرف في القضاء على حكم الانفصال، وتفجير ثورة الثامن من آذار عام 1963، التي أولت أهمية كبيرة لمسألة إعادة بناء الجيش وتنظيمه على أسس حديثة.
وتستمر مآثر البطولات والفخار لجيشنا العربي السوري في ظل الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد في 16 تشرين الثاني عام 1970، حيث أعيد بناء الجيش على أسس تنسجم مع شعار الجيش العقائدي الذي يهدف إلى خلق مقاتل واعٍ يمتلك روح التضحية والفداء في سبيل الوطن، فالجيش العقائدي هو الجيش المؤمن بالعقيدة والأهداف الوطنية والقومية، التي تعطي الأولوية للدفاع عن المصالح القومية للأمة العربية أينما كانت على تراب الوطن الكبير، دون أن ينسى أنه الجيش الذي يحمل في الوقت نفسه العقيدة القتالية التي تميزه.
وقد تطورت القدرة القتالية للجيش، وجرى تأمين قاعدة تدريبية وفرت الكوادر العلمية والفنية، كما زوّدت وحدات الجيش بأحدث الأسلحة، وكان لذلك أثر بعيد في الانتصار الكبير الذي أحرزه جيشنا في حرب تشرين التحريرية عام 1973، حيث خاض أشرس المعارك، وحطم، إلى جانب شقيقه الجيش المصري، أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأعاد للعرب عزتهم وكرامتهم، وبدّد شعور اليأس الذي تسلل إلى نفوس بعضهم إثر نكسة حَزِيران عام 1967، وغيّر الكثير من المفاهيم العسكرية التي كانت سائدة آنذاك، ولا شك أن ذلك كان نتيجة للروح الوطنية والقومية العالية التي كان يتمتع بها جيشنا الباسل، والتزامه بقضية الأمة المركزية.
وفي منتصف السبعينات دخل الجيش العربي السوري إلى لبنان استجابة لطلب الحكومة اللبنانية والدول العربية الشقيقة لإنقاذ لبنان من محنته ومساعدته على تخطي أزمته، والتصدي للعدوان الإسرائيلي، والمحافظة على وحدة أرض وشعب لبنان، وقد نجح في مهمته وأعاد الهدوء والاستقرار إلى ذلك البلد، كما تصدى لقوات الاحتلال الإسرائيلي في اجتياحها للجنوب عام 1978، وفي اجتياحها للبنان عام 1982، ومنعها من تحقيق أهدافها في لبنان، وقدم الكثير من الشهداء، كما قدم كل الدعم والمساندة للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولا يزال حتى يومنا هذا.
وفي ظل قيادة السيد الرئيس بشار الأسد، القائد العام للجيش والقوات المسلحة، تزايد الاهتمام بالجيش سياسياً وعسكرياً، حيث عبر السيد الرئيس عن اعتزازه وفخره بالانتماء لهذه المؤسسة العسكرية، وكان يشارك شخصياً في المشاريع والبيانات العملية، ويشرف مباشرة على سير عمليات التدريب، ويعمل على تحديثها وتطويرها، فأصبح لجيشنا قاعدة تدريبية تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة، وأصبحت بعض الدول العربية ترسل البعثات العسكرية لتأهيل كوادرها في الأكاديميات والكليات والمدارس العسكرية السورية، وقد ترافق ذلك كله مع الاهتمام بكل ما يعزز معنويات المقاتلين.
ولم تنحصر مهمة جيشنا العربي السوري في الحرب وحسب، وإنما أسهم أيضاً من خلال مؤسساته المتخصصة في عملية الإعمار والتنمية، فنفذت الكثير من المشاريع الخدمية من شق الطرق، وبناء الجسور، والمدارس والسدود، ودور الثقافة، فهو جيش الحرب والإعمار أيضا.
والمواطن العربي يرى في الجيش العربي السوري جيش الأمة العربية، وهو لا يمكن أن ينسى ما قدمه رجال الجيش العربي السوري في العراق وليبيا واليمن ولبنان والأردن للأخوة الفلسطينيين وللثوار الفلسطينيين، والتعاون الذي كان دائماً أساس نصر الأمة مع الجيش العربي المصري الشقيق لتحقيق كل انتصارات العرب على مر التاريخ .
ولذلك تعده الدول الاستعمارية كالولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وغيرها، الفصيل العربي الأول الذي يقف في وجه كل المشاريع التي تقوم تلك الدول بحياكتها للسيطرة على خيرات المنطقة العربية، وإخضاعها.. وهي ترى فيه المدافع الأول عن القضايا العربية، والمناصر لكل حركات التحرر الوطني في العالم، إنها تحلل حتى تركيبته الاجتماعية والنفسية وتدرس بنيته الثقافية والعقائدية فتتأكد من انتمائه الوطني العروبي ومن دفاعه المستميت عن الأمة العربية. والعدو الصهيوني هو الآخر ينظر إليه على أنه الصخرة التي تتحطم عليها كل خططه الهادفة إلى تحقيق حلمه الصهيوني التوراتي التلمودي الذي يقول: “من الفرات إلى النيل”.
هذا الجيش، منذ عام 1948، حتى الآن، ما زال على العقيدة القومية نفسها التي آمن بها منذ بداية نشوئه، والتي تقول أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى للأمة العربية، فكيف به بعد نكسة حزيران واحتلال أجزاء من الأرض العربية، وما زال جزء عزيز من الأراضي السورية (الجولان المحتل) رهينة العدو الصهيوني، وبالتالي من الواضح أن هذا الجيش يُعد هدفاً رئيساً لهذا العدو ومَن ورائه من القوى الاستعمارية.
ويفوق ما يقدمه الجيش العربي السوري اليوم كل ما قدمه من انجازات في السابق، وما كان متوقعاً منه، فهو الجيش الذي تفوق على ذاته عندما أعلن موقفه صراحة، بالطبع من خلال الممارسة العملية في ظروف الأحداث الدامية التي يتعرض لها الوطن أنه الجيش الوطني المتماسك بامتياز، وأن رجاله أسود بامتياز، وأن أسوده مستعدون للتضحية بأرواحهم فداء لشعبهم وسلامة وطنهم، وأكدوا مسألتين مهمتين: أولهما ثقتهم المطلقة بقيادتهم وعلى رأسها الرئيس الفريق بشار الأسد، وثانيهما تماسكهم في صف واحد لمواجهة أعداء الوطن من تكفيريين وخونة، فهم يستحقون التحية والسلام جنوداً وصف ضباط وضباط ونسور لأنهم يسطرون البطولات الاستثنائية هذه الأيام، إنهم باتوا رجال الملاحم.
وفي هذه الأيام التي تشن فيها قوى الاستعمار الغربي والعملاء عدواناً شرساً على سورية بسبب مواقفها من قضايا الأمة واحتضانها المقاومة، يقوم جيشنا العربي السوري البطل بالتصدي للمؤامرة من خلال عمليات ناجحة ضدّ المجموعات الإرهابية المسلحة في عدد من المدن والمناطق السورية أنهت وبشكل كامل أوهام تحقيق أي اختراق في سورية، وألحقت الهزيمة بالمخططات الاستعمارية.
إن الجيش العربي السوري ونسوره البواسل يتقدمون كل يوم في ساحات القتال كافة مؤكدين انتماءهم لوطن وشعب لا يعرف التخاذل ولا يعرف التنازل عن الحقوق الوطنية أو القومية، ولا يعرف التراجع يقاتل خلف قيادة حكيمة صامدة تستمد قوتها من إيمانها بالشعب وعلاقتها بالأهل والأصدقاء الأوفياء، ويعمل على هدي المقولة الخالدة للقائد الخالد حافظ الأسد: لا حركة في مواجهة العدو إلا إلى الأمام .