الموسم الكروي القادم.. مصاعب ومتاعب وتوقف مستمر ومتكرر وانتقاء عشوائي وأزمات مالية وأخلاقية
“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار
أيام معدودة وينطلق الدوري الكروي الممتاز الذي سيحمل الرقم 51، وسيكون هذا الدوري محملاً بالصعوبات والمتاعب والهموم كما نرى بأم أعيننا، وكما هو واضح في الصورة العامة للفرق أو أغلبها، والتي تعاني مشاكل متنوعة إدارية أو فنية أو مالية.
وباستثناء فرق لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، فإن البقية تعيش حالة من الاضطراب دلّ عليه سوء التحضير أو تأخره، وبعض الفرق لم تستكمل صفوفها حتى الساعة، وبعضها الآخر لم يمض على تعيين مدرب لفريقها إلا أسبوعين فقط.
أزمات متنوعة
وتعيش أغلب الأندية أزمات إدارية أو مالية باستثناء أندية تشرين والجيش والشرطة والكرامة والوثبة والفتوة الذي يعيش استقراراً جيداً، لكن ذلك مرهون بالنتائج المحققة، والبناء الذي أرسى قواعده فريق الفتوة مبني على الثمار التي زرعت، فكلما جاءت النتائج جيدة كلما ازداد الفريق توهجاً وعطاء والعكس صحيح.
الأزمات المالية نجدها في بقية الأندية واضحة وضوح الشمس كحطين وجبلة اللذين لم يستطيعا تأمين رعاة لفريقيهما واستثمارات الناديين لا تغطي عُشر ما تكلفه كرة القدم وحدها.
فريق حرجلة يعيش أزمة مالية خانقة، لذلك غادره أغلب لاعبيه الذين تعاقد معهم الموسم الماضي، وهو يسير على ضوء ما تيسر له من إمكانيات وسيخوض الدوري بمن حضر وبقي من لاعبيه مع تعاقدات بسيطة لا تغني ولا تسمن من جوع.
فريق الطليعة ليس في بحبوحة مالية، وتبين هذا الأمر من خلال تعاقداته البسيطة وكانت خسارته للاعبين أكثر مما كسب، وهذا لا يوحي بموسم متفائل لإعصار العاصي.
فريق الاتحاد مضطرب بعض الشيء، وهو يسير قدماً نحو الأمام، إنما يجري كل ذلك بلا قواعد وأسس متينة، وحتى الآن ميزانية الفريق غامضة بينما عقوده كبيرة وقد لا يستطيع الإيفاء بها، كما حدث معه الموسم الماضي – والذي قبله – عندما طالبه اتحاد الكرة بمبالغ كبيرة لإيفاء عقود اللاعبين وديونهم.
الوضع الإداري في فريق الوحدة متشعب وعلى كف عفريت، وهناك ستة أعضاء من الإدارة قدموا استقالاتهم الخطية فعلياً إلى فرع دمشق للاتحاد الرياضي، بانتظار القرار الرسمي من القيادة الرياضية، والأمر لا يوحي بخير والنادي على فوهة بركان.
الوافدان الجديدان للدوري أمورهما متناقضة، فعفرين على ما يبدو أموره جيدة حتى الآن، أما النواعير فيمكن تشبيهه بجاره الطليعة في كل شيء، وأموره ما زالت غامضة.
بكل الأحوال، ومع مرور الوقت، ومضي أسبوعين مقررين قبل توقف الدوري الأول، سنأخذ صورة أكثر وضوحاً عن الأندية.
فوضى التعاقدات
كما هو الحال في كل موسم، فإن التعاقدات شابتها الفوضى باستثناء بعض الأندية، وأفضل الفرق في تعاقداتها كان تشرين الذي حافظ على لاعبيه الذين فاز بهم ببطولتي الدوري دون أن يفرط بأحد باستثناء المحترفين بالخارج وقد عوضهم بلاعبين إن لم يكونوا بالوزن نفسه فهم بمستوى جيد.
والجيش عقوده جيدة وفريقه من المتوقع أن يكون أفضل من فريق الموسم الماضي، وكذلك الكرامة، أما الوثبة فإنه من خلال عقوده الجديدة يتبين لنا أنه قادم إلى الصفوف الأولى لا محالة.
بقية الفرق تعاقداتها حسب ما تيسر لها من لاعبين، وربما كان الأسوأ فرق حطين وحرجلة وجبلة، وتعاقدات بقية الفرق أقل من عادية من مغادر وآتٍ.
أما الغريب الذي لاحظه المراقبون فكان تعاقدات فريق الوحدة الذي خسر أكثر من 13 لاعباً مهماً ومؤثراً دون أن يعوضهم، لكن المفارقة أن تعاقداته القليلة التي بلغت سبعة لاعبين تبين أن نصفهم مصابون، وغلب الجدد ممن تجاوزوا الثلاثين من العمر، لذلك رسمت هذه التعاقدات أكثر من إشارة استفهام.
ومثله حال فريق الاتحاد الذي تعاقد مع أكثر من عشرين لاعباً جديداً، أكثرهم من كبار السن، وفرّط بالمميزين من أبناء النادي في تصرف آثار استغراب الكثير من المتابعين والمراقبين، وخصوصاً أن إدارة النادي رفعت شعار أبناء النادي أولاً، لكنها لم تستطع تطبيقه لأسباب غير مفهومة.
على الغالب، كان الانتقاء في أغلب الأندية غير مدروس، خصوصاً أن هذه التعاقدات رهن الميزانية المفترضة، فالاختيار تم في الكثير من الأندية حسب السعر وليس حسب الرغبة والمستوى وحاجة الفريق.
وحتى الآن رصدت “البعث الأسبوعية” الكثير من حالات الخلل في التعاقدات التي تنم عن تصرف غير أخلاقي ما ساهم بسحب اللاعبين من بعض الأندية عبر سماسرة لمصلحة أندية أخرى، كما أخلفت بعض الأندية وعودها تجاه بعض لاعبيها ما اضطرهم إلى التوقف في منتصف مشوار التحضير والبحث عن أندية أخرى.
التشخيص الطبي
الإجراء الأهم الذي لا تتبعه الأندية يكمن بالتعاقد مع اللاعبين دون أي إجراء فحص طبي يثبت سلامة اللاعبين من الأمراض والإصابات، فهناك بعض الأمراض التي لا تخول اللاعب الانخراط في الفرق وتقديم الجهد مثل أمراض القلب والضغط وغيرها، وقد يكون اللاعب نفسه غير عالم بمرضه أو غير مدرك لخطورة بعض الأعراض المرضية عندما تصاحب بالجهد العالي، وكم من لاعب فقدته كرة القدم في بلادنا وفي العالم نتيجة عدم الانتباه لهذه النواحي الطبية المهمة.. وأيضاً، الكشف عن الإصابات الرياضية أمر مهم، فكيف لناد أن يوقع مع لاعب عقداً لديه إصابة مزمنة، أو أجرى عملية جراحية في الركبة؟ هذا اللاعب قد لا يستطيع أداء مباراة كاملة، أو لا يستطيع لعب موسم كامل، أو إنه عرضة لتكرار الإصابة في أي احتكاك أو جهد، وهنا سيتعرض النادي للغبن بتعاقده مع اللاعب المصاب ولن يستفيد منه شيئاً وخصوصاً إن كان عقد اللاعب كبيراً.
وسمعنا أن راموس مدافع ريـال مدريد قبل أن يُقبل مع باري سان جيرمان خضع لفحص طبي مكثف استغرق أكثر من خمس ساعات، ولما حاز على القبول صحياً تم توقيع العقد معه.
في هذا الإطار استمعت “البعث الأسبوعية” لرأي المعالج الفيزيائي رفيق المصري، الذي أشرف على المنتخبات الوطنية في فترات سابقة وعلى أندية مهمة مثل الجيش والشرطة والوحدة وتشرين، حيث قال إن التشخيص الطبي للاعبين من الأمور المؤثرة على المنتخب وعلى الأندية على حد سواء، ولا بد من تشخيص الإصابات الرياضية، وإجراء الفحوص الطبية قبل توقيع عقود اللاعبين مع الأندية. ولكن المشكلة أن الأندية، وربما المنتخبات الوطنية، لا تقوم بإجراء الفحوص الطبية للاعبين لاكتشاف الإصابات القديمة ومدى تأثيرها أو الإصابات الحديثة، ونحن لا نريد المقارنة بيننا وبين الدول المتقدمة كروياً، وكيفية فحوصها، إنما يجب القيام بالتشخيص الطبي حسب المتوفر، ولو بأدنى الحدود. ولا بد من إجراء عملية اختبار على أرض الواقع أولاً، وبعض الفحوصات الطبية الضرورية المهمة لمعرفة سلامة اللاعب من الأمراض والإصابات، والمفترض أن يكون لكل لاعب سجل طبي خاص مدون عليه كل شيء، سواء إصابات رياضية أو أمراض أو أي عارض طبي.
ويضيف: كانت لي تجربة مع المنتخب الوطني في التصفيات الآسيوية الماضية.. وضعنا لكل لاعب سجل طبي تم تدوين عليه الوزن والطول والحالة العامة، والحساسية للأدوية، وهو موضوع ضروري، والتطورات الصحية الطارئة والإصابات الرياضية السابقة والإصابات الحديثة أثناء التمرين أو في المباريات.
بين نارين
الموسم الكروي الجديد واقع بين نارين: نار المنتخبات الوطنية ونار المسابقات المحلية الرسمية، والضغط الكبير في الروزنامة الخارجية ولّد أزمة كروية كبيرة داخلية ستدفع الأندية في الدرجة الممتازة ثمنها، عاجلاً أم آجلاً، لتضيف إلى أزماتها أزمة جديدة.
لكن الجديد أن الدوري الكروي الممتاز سيقام هذا الموسم متقطعاً ومشرذماً، وسيتوقف في خمس مناسبات لفترات طويلة، أقلها 17 يوماً وأكثرها شهر، وسيقام ذهاب الدوري على أقساط.
ومن البديهي أن مصلحة المنتخب الوطني لها الأولوية، وخصوصاً أنه ينتظر استحقاقاً مهماً قد يوصله إلى المونديال العالمي للمرة الأولى بتاريخه، وكان لا بد من التضحية بالدوري والأندية كرمى عيون المنتخب الوطني.
وهذا سيخلف آثاراً سلبية وأضراراً متفاوتة على الأندية كل حسب استعداده وتحضيره، واستناداً إلى عدد اللاعبين الذين سيغيبون عنه في المنتخبات الوطنية.
بعض المدربين قال: حتى الآن لم أتعرف على بعض لاعبي فريقي الملتزمين مع المنتخب الأول والمنتخب الأولمبي، فكيف لي أن أخوض الدوري دون أبرز اللاعبين؟
وحدد الفنيون أضرار التوقفات الخمسة على فرق الدوري بعدة أمور سلبية، أهمها: فقدان الفرق التي لها لاعبون مع المنتخبات للانسجام والتناغم مع الفريق ومع المدرب، وتعرض الفرق للملل والضجر اللذين تسببهما هذه التوقفات، لذلك فإن الفرق ستكون بحاجة إلى برامج إعداد خاصة مع كل توقف.
من الممكن أن تصاب بعض الفرق بالإحباط عندما تكون في قمة النشاط وذروة العمل، ليأتي التوقف ويحد من هذا النشاط وتتحول الحالة المعنوية المترافقة مع النتائج الجيدة إلى حالة سلبية.
بيد أن بعض الخبراء أشار إلى وجود بعض الفوائد في هذه الانقطاعات تتمثل في معالجة اللاعبين المصابين واستشفاء اللاعبين ومعالجة أخطاء الفريق وعيوبه. ومن الممكن ترميم النقص في عدد اللاعبين إن أبقى اتحاد الكرة عملية الانتقال مفتوحة، استثناءً لظروف هذا الموسم.
ما يزيد المشكلة تعقيداً أن قرار هبوط أربعة فرق بنهاية هذا الموسم إلى الدرجة الأولى سيضع اللاعبين والفرق تحت الضغط في معركة لن تتوقف طوال مراحل الدوري.