مجلة البعث الأسبوعية

أبو سومر.. تحت ظلال شجرة الزيتون

“البعث الأسبوعية” – الأخيرة – تمام بركات:

الناظر إليه من بعيد يظن أنه يرقب السماء الصافية، ويدعو ربه، أما الشق الثاني، فصحيح، فـ “أبو سومر” (67 عاما) دائم اللهج بذكر الله، لكن نظره اليوم ليس على السماء، بل على الأغصان المتشابكة، لأشجار الزيتون، سواء تلك التي غرسها بيديه عندما كان فتياً، أو التي غرسها أبناؤه.. ينظر إليها بود وشكر، ونظراته عادت راضية، قانعة، شاكرة، فهذا العام الأشجار تحمل ثمراً مباركاً وفيراً، كما هو الحال لبقية الزيتون في البلاد هذا الموسم.

“عدا عن كونها شجرة مباركة، ذُكرت في كل الكتب المقدسة، ما يجمعنا – كسوريين تحديداً – مع شجرة الزيتون، تاريخ طويل، يمتد لأكثر من 7000عام، فالزيتون خصه الله ببلاد الشام أولاً، وبساحلها بالتحديد، ومنه خرجت هذه الشجرة الطيبة، إلى العالم”، قال السيد علي، وتابع حديثه عن علاقته كفلاح بشجرة الزيتون: “العلاقة التي تجمعنا بهذه الشجرة أكثر بكثير من علاقة فلاح بمنتجه، بل هي علاقة عائلية نوعاً ما.. بعض هذه الأشجار رافقتُ والدي أثناء غرسها، وغرست بإشرافه أول شجرة زرعتها، وبعضها رافق هو أباه في غرسها، وهكذا.. كنت اسمع لوالدتي وهي تكلمها برفق وحنو، كما لو أنها تكلم امرأة أخرى، هي إذا إرث عائلي مادي ووجداني”.

خلال الحديث كانت يد أبو سومر لا تبرح جذع زيتونة فتية كان قد زرعها وحفيده العام الماضي، يربت عليها برفق أبوي بالغ.

موسم الزيتون هو من أهم المناسبات التي يتفرغ لها السيد علي جميل سنوياً. ورغم سني عمره، التي قاربت الـ 70 عاماً، إلا أنه من أصحاب الهمة العالية في “نبر” الزيتون، وفي قطافه باليد أيضاً، فهذا التعب جميل حقاً كما يصفه.. يقول: “ليس هينا بالتأكيد جني ثمار الزيتون، فالثمار صغيرة، والأغصان متشابكة، وفي الأشجار المعمرة يكون الوصول إلى الثمار في الأعلى صعبا، لكن عناء العمل كله يصبح ذكرى طيبة، حالما ترى خير الله بين يديك”. وعن طبيعة العمل في قطاف الزيتون، يقول: “النهوض للقطاف يكون باكراً، قبل حتى أن تشرق الشمس، تكون الأشجار لا زالت نديه، نفرش تحت الشجرة غطاء من النايلون، ثم نبدأ بالقطاف ونبر الاغصان العالية.. بعدها نقوم بفرز الثمار حسب الحجم واللون، فالثمار التي ستذهب للمونة، يكون قطافها سابقا على تلك التي ستذهب للعصر، وهذا العمل يستمر أحيانا لأكثر من أسبوعين”.

القطاف ليس شأناً زراعياً واقتصادياً بحتاً، رغم أهميته الكبرى في حياة المزارع السوري، بل هو أيضاً فرصة لمناسبة غالية على قلب الجد والأب والعم أبو سومر، يقول: “في كل موسم، تجتمع العائلة كما ترى، وقد يحدث أن نبقى عاماً كاملاً دون أن نلتقي، لكن موسم الزيتون يجمع العائلة مرة أخرى، وقد أصبحت عائلة أكبر، وتكبر كل يوم، البارحة كنت مع أهلي وأخوتي، اليوم أنا وأبنائي وأحفادي، وغداً أيضاً ستبقى شجرة الزيتون، تجمع وتلم العائلة، هذا ما اتمناه وأوصي به الأبناء”.

تقع قرية السيد علي – حبيت – في جبال اللاذقية، وعلى بعد نصف ساعة بالسيارة، موقعها خلاب وطبيعتها ساحرة، وكل أهلها أيضاً يحتفون بموسم القطاف. وعلى مد النظر، تنتصب بتناغم خلاب أشجار الزيتون، وبين كل عدة شجرات زيتون، ثمة شجرة تين تشتبك أغصانها مع جارتها الزيتونة، وعن هذا يقول السيد علي: “في كتابه الكريم، يقسم الله، في سورة التين، بالتين والزيتون، وفي هذا القسم درس أيضاً عن كون زراعة التين قرب الزيتون، فيها خير، لو جلت في كل أنحاء القرية، وما حولها، وفي عموم الساحل السوري أيضاً، فسترى التين والزيتون بقرب بعضها البعض”.

غياب الكهرباء الطويل، والشح في المحروقات، يركب أعباء إضافية على المزارعين، خصوصاً عند استخراج الزيت من الثمار في المعاصر التي ارتفعت أجورها ونسبتها بشكل كبير، وعن هذا يقول أبو سومر: “موسم الزيتون من المواسم الأساسية التي ينتظرها الناس هنا، فكل المشاريع مؤجلة لموسم الزيتون، الزواج، شراء مونة العام، متطلبات المدارس والجامعات، وغيرها، لذا فالاعتماد كبير على نتاج الموسم، لكن ارتفاع أجور النقل والعصر، وأجور اليد العاملة التي نضطر لها بسبب عامل الوقت، يؤجل بعض هذه المشاريع، للموسم القادم، وهكذا”

يمضي أبو سومر وأسرته أوقاتهم هذه الأيام، بين الزيتون، وسيكون رائعاً بعد تعب الصباح، وعناء القطاف، تناولهم طعام الإفطار “تحت ظلال شجرة الزيتون”، يليه كأس شاي بالقرفة، وحديث ألفة من القلب، عن ذكريات مضت، ومستقبل أجمل للبلاد وأهلها، كما يتمنى السيد علي.