صباغ: تسييس عمل “حظر الأسلحة الكيميائية” أفقدها مصداقيتها
أكد مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة بسام صباغ وجوب تصحيح مسار منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والعودة إلى دورها الطبيعي باعتبارها ركيزة أساسية ومحايدة في نظام عدم الانتشار، مشيراً إلى أن تسييس عملها أبعدها كثيراً عن الطابع الفني وأفقدها جزءاً كبيراً من مصداقيتها لتتحوّل إلى أداة بيد بعض الدول بدلاً من أن تكون حارساً أميناً على تنفيذ اتفاقية الحظر.
وأعرب صباغ خلال جلسة لمجلس الأمن اليوم عن أسف سورية لأن تصبح مناقشات المجلس منصة لبعض الدول الغربية الأعضاء لتوجيه اتهامات مضللة ضدها متجاهلة حقيقة انضمام سورية طوعاً لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية عام 2013 وعملها بكل جد ومصداقية وشفافية لتنفيذ الالتزامات المترتبة عليها بموجب هذا الانضمام وتدمير كامل مخزونها من الأسلحة الكيميائية ومرافق إنتاجها.
وبين صباغ أن هذه الدول تستمر بتجاهل التعاون القائم خلال السنوات الماضية بين سورية ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والمشاورات الوثيقة مع الأمانة الفنية والتي حققت تقدما مهما يدل بوضوح على وفاء سورية بالتزاماتها بموجب الاتفاقية، لافتاً إلى أنه رغم عدم تبقي إلا القليل من الجوانب الفنية في هذه العملية إلا أننا ما زلنا نشهد وبشكل متكرر محاولات من تلك الدول لتوظيف هذه الجوانب الفنية خدمة لأغراضها السياسية، وأوضح أن سورية أكدت في تقريرها الشهري الـ 92 أنها كانت حريصة منذ انضمامها للمنظمة على التعاون مع الأمانة الفنية لكن المؤسف أنه رغم هذا التعاون طيلة السنوات الثماني الماضية إلا أن الأمانة قابلته بإنكار مستمر، مشيراً بهذا الصدد إلى ترحيب وزير الخارجية والمغتربين بالدعوة الموجهة إليه بتاريخ الـ 24 من حزيران الماضي من مدير عام المنظمة فرناندو ارياس لإجراء تواصل على مستوى عال واستعداده للاجتماع معه في دمشق بهدف تبادل الآراء ومناقشة التطورات التي حصلت خلال الفترة الماضية فيما يخص آليات وطرائق العمل والاتفاق على الخطوات الواجب اتخاذها مستقبلاً في إطار تنفيذ سورية التزاماتها بموجب الاتفاقية.
وشدد صباغ على رفض سورية المطلق لكل حملات التشكيك التي تطلقها بعض الدول المعروفة حيال تعاونها مع المنظمة وتوجيهها اتهامات باطلة تتصل بـ “إعلانها الأولي” وتستهجن قفزها إلى استنتاجات غير صحيحة، وخاصة أن بعض المسائل الفنية التي تتم مناقشتها ترتبط بتفسيرات علمية مختلفة لا يمكن حسمها بشكل سريع أو انتقائي.
واستنكر مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة الادعاءات التي وردت في بيانات بعض الدول حول رفض سورية منح فريق تقييم الإعلان تأشيرات دخول إليها، علماً أن الفريق أجرى حتى الآن 24 جولة من المشاورات في سورية ولم تثر خلالها أي مشكلة بشأن حصوله على تأشيرات الدخول اللازمة، مبيناً أنه لم يجر حتى الآن الاتفاق بين الجانبين على موعد زيارة فريق تقييم الإعلان، ومن المؤسف أن يقوم المدير العام في حزيران الماضي بتأجيل إرسال الفريق إلى سورية بذريعة ارتفاع درجات الحرارة فيها في فصل الصيف.
وأكد صباغ أن هناك تحدياً حقيقياً يتمثل في مواجهة الإرهاب الكيميائي لكن ما يثير الريبة أن هذا التحدي لا يحظى بأي اهتمام من قبل بعض الدول الغربية ولا يثير أي قلق لديها رغم التنامي الملحوظ لمحاولات المجموعات الإرهابية مثل “داعش” و”النصرة” وغيرهما من التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة مثل “الخوذ البيضاء” لاستخدام أسلحة ومواد كيميائية سامة في سورية وورود معلومات متواترة عن تحضير تلك المجموعات لفبركة مسرحيات باستخدام أسلحة كيميائية لاتهام الجيش العربي السوري، وبين أن المجموعات الإرهابية تواصل اعتداءاتها على المدنيين الآمنين وقوات الجيش العربي السوري في أرياف حمص وحماة واللاذقية وإدلب بين الحين والآخر وبمختلف الوسائل من قذائف صاروخية ومدفعية وطائرات مسيرة ما يجعل الأوضاع الأمنية في هذه المناطق غير مستقرة نسبياً.
ولفت صباغ إلى أن الحقائق لا تزال تتكشف يوماً بعد يوم بشأن ما ورد في تقرير منظمة الحظر حول حادثة دوما المزعومة والتي تدل بوضوح على ما قام به كبار المسؤولين في المنظمة من تشويه وتحريف للحقائق بما يتماشى مع رواية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا لإيجاد ذريعة للعدوان الثلاثي الذي ارتكبته تلك الدول على الأراضي السورية، وأوضح أن محاولة مدير عام المنظمة خلال إحاطته أمام مجلس الأمن في حزيران الماضي نزع المصداقية عن العمل الذي تم إنجازه في التقرير الأصلي للتحقيق في حادثة دوما والذي يؤكد عدم العثور على دليل على وقوع هجوم كيميائي فيها لن تفلح في استعادة مصداقية تقارير بعثة تقصي الحقائق وأن أسلوب المراوغة وتجاهل المعلومات والوقائع الذي اتبعه لن يلغي حقيقة وجود أسئلة ووجوب الإجابة عنها وضرورة إصلاح جوانب الخلل في طرائق عمل بعثة تقصي الحقائق، مؤكداً أن إصراره على تجاهل الحقائق الكثيرة والملاحظات العلمية الجوهرية التي أثارتها شخصيات مرموقة ليس السبيل الصحيح لتأكيد مهنية عمل فرق المنظمة.
وبخصوص ما أثير حول الاسطوانتين الخاصتين بـ “حادثة دوما” المزعومة التي ورد ذكرها في تقرير المدير العام الأخير، قال مندوب سورية الدائم لدى الأمم المتحدة: إنه بتاريخ الثامن من حزيران الماضي تعرض أحد المواقع المعلن عنها للمنظمة لعدوان إسرائيلي غاشم خلف أضراراً في الموقع وأدى إلى تدمير كامل للعديد من الغرف ومعدات الإطفاء والآليات واسطوانتي الكلور الخاصتين بـ “حادثة دوما” المزعومة في عام 2018، ومن المؤسف أن تقرير المدير العام وبيانات بعض الدول تجاهلت العدوان وإدانته وتم التركيز فقط على جوانب فنية. وأضاف : في شهر تشرين الثاني 2020 طلب فريق التفتيش التابع للمنظمة نقل الاسطوانتين إلى مقر المنظمة وقد بينت اللجنة الوطنية السورية في حينه أن “هاتين الاسطوانتين لا يمكن شحنهما خارج سورية لكونهما موضع تحقيقات قضائية.. والاسطوانتان تشكلان أدلة مادية قانونية حول الحادثة المزعومة التي استخدم فيها الإرهابيون سلاحاً كيميائياً تسبب بقتل المدنيين الأبرياء”، وبين أن الأمانة الفنية للمنظمة كانت أخطرت سورية بمذكرتها المؤرخة في الـ 18 من أيار 2018 بالمحافظة على الاسطوانتين لحين إجراء تقييم علمي وفني لهما، وفي شهر تشرين الثاني 2020 قام فريق خبراء من الأمانة الفنية بإجراء التقييم المطلوب من حيث الأبعاد والمحتوى وكميته والسماكة المعدنية ومنظومة الاستقرار والتصوير الشعاعي والفوتوغرافي، وبذلك تكون سورية التزمت التزاماً مطلقاً بتنفيذ مضمون مذكرة الأمانة الفنية ولم تطلب الأمانة الفنية للمنظمة أي إجراء بعد هذا التاريخ.
وأكد صباغ أن التسييس الذي باتت تعاني منه منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أبعدها كثيرا عن الطابع الفني لعملها وأفقدها جزءاً كبيراً من مصداقيتها فبدلا من أن تكون حارسا أمينا على تنفيذ اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية تحولت إلى أداة بيد بعض الدول لاستهداف دولة طرف في الاتفاقية ما يتطلب تصحيح مسارها والعودة إلى دورها الطبيعي باعتبارها ركيزة أساسية ومحايدة في نظام عدم انتشار الأسلحة الكيميائية.