التضليل في الخليج غايته “التدويل”
أثارت الهجمة الإعلامية الغربية الأخيرة على جمهورية إيران الإسلامية العديد من التساؤلات حول الغاية المبتغاة من التضخيم الإعلامي لحادثة الناقلة اليابانية “ميرسر ستريت” التي تديرها “إسرائيل”، والتي زُعم استهدافها قبالة سواحل عُمان مؤخراً، وخاصة أنه إلى الآن لم يرشح شيء عن هوية القتيلين واكتُفي بالقول إنهما من الجنسية البريطانية والرومانية على التوالي.
وقد نفت إيران نفياً قطعياً ضلوعها في الحادث على لسان أكثر من مسؤول، بينما أصرّت كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” وبريطانيا ومعها رومانيا على اتهام طهران بالوقوف وراء الحادثة، التي لا يُعلم من تفاصيلها إلا أنها تمّت باستخدام طائرة مسيّرة، في مكان لا يخضع أصلاً لسيطرة إيران.
وفي الوقت الذي لا تملك فيه هذه الجهات دليلاً قاطعاً على ضلوع إيران بهذا الهجوم المفترض، أصرّت جميعاً على اتهامها بالهجوم، وعزّزت هذه الفرضية الضعيفة، التي لم تجد لها صدى عالمياً، بافتعال حادثة أخرى مزعومة لأربع ناقلات في المكان ذاته في وقت لاحق، ثم اختصرت هذا العدد الأولي باختطاف ناقلة واحدة هي “أسفالت برينسيس”، التي تحمل علم بنما وسحبها إلى الشواطئ الإيرانية، الأمر الذي نفته إيران مرة أخرى مؤكدة على لسان قائد القوة البحرية للحرس الثوري الإيراني، الأدميرال علي رضا تنكسيري، أن “مسؤولية ضمان أمن الخليج تقع على عاتق الدول الإسلامية المحيطة به، وأن الخليج ليس مكاناً للقوات الخارجية”.
والغريب في هذه الحادثة بالفعل هو حشر اسم رومانيا في الموضوع بطريقة مثيرة، والكيفية التي تمّت إدارة الرواية بها، حيث صرّح وزيرا الدفاع والخارجية “الإسرائيليان” بأن الصراع ليس صراعاً محلياً أو ثنائياً، بل إنه هجوم على العالم، والعالم بحاجة إلى الرد، بينما أعلن وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب أن المملكة المتحدة طالبت مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات بحق إيران، وادّعى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بدوره أنه واثق من أن إيران هي التي نفّذت الهجوم قبالة سواحل عُمان.
ولتعزيز هذه الرواية لا بد من جلب تقرير أعدّته مجلة “لويدز ليست” البريطانية الخاصة ببيانات الملاحة البحرية بأن سفينة “أسفالت برينسيس” الأخرى تم اختطافها في خليج عُمان وتتجه إلى سواحل إيران تحت مراقبة مسلحين، ولابد أيضاً من الإشارة إلى أن مركز الأمن البحري في سلطنة عُمان أرسل عدة سفن إلى بحر عمان للمساعدة في تأمين المياه الدولية هناك على خلفية حادث ناقلة “أسفالت برينسيس”، كما أعلنت وكالة الأمن البحري البريطانية أن “الحادث على متن سفينة قبالة شواطئ الإمارات العربية المتحدة، الذي اعتبر عملية خطف محتملة، انتهى دون أضرار”، وذلك في محاولة لإضفاء نوع من المهنية على التقرير، وأن هذه المهنية دفعت وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إلى مطالبة مجلس الأمن الدولي باتخاذ إجراءات بحق إيران.
ونفت السفارة الإيرانية لدى بريطانيا وجود أي معلومات مؤكدة حول تعرّض سفن تجارية لحوادث جديدة في المياه القريبة من حدودها، معتبرة ترويج التقارير عن ذلك “تضليلاً” يصبّ في مصلحة واشنطن، وواصفة هذا التضليل بأنه “لعبة غير عادلة”.
وواضح جيداً من طبيعة هذه السيناريوهات أنها تخدم كلاً من الولايات المتحدة و”إسرائيل” وبريطانيا، حيث أن واشنطن تستطيع استخدام مجلس الأمن في الضغط على إيران لتقديم تنازلات فيما يخص الملف النووي، وسائر القضايا الأخرى العالقة بين الطرفين، بينما يمثل هذا الاتهام بالنسبة إلى بريطانيا محاولة لردّ الصفعة التي تلقّتها من إيران العام الماضي في حادثة احتجاز ناقلة النفط البريطانية ردّاً على احتجاز السلطات البريطانية ناقلة نفط إيرانية، والمستفيد الأكبر من هذا السيناريو هو “إسرائيل” التي ربما ستجد موطئ قدم لها في منطقة الخليج بشكل رسمي إذا ما تمّ تدويل هذا الملف بالفعل، أما رومانيا فهي مجرّد أداة تم دسّها في هذا السيناريو لإعطاء نوع من الصدقية لاتهام إيران بهذه الحادثة، وربما لا يكون هناك ضحايا مطلقاً لهذه الحادثة المفتعلة.
وبالمحصلة هناك سعيٌ حثيثٌ لتدويل الملاحة في منطقة الخليج، بينما تصرّ إيران على أن الخليج لا يخضع مطلقاً لقانون الممرات الدولية وأن مسؤولية حمايته تقع على عاتق الدول المطلّة عليه.
طلال ياسر الزعبي