اقتصادصحيفة البعث

غلبة الطابع التوجيهي على الجانب الميداني عدم توفر الموارد المادية لمقاومة التدهور البيئي أبرز تحديات القطاع

بات شحّ المياه وتدهور الأراضي الصالحة للزراعة وتلوث الهواء والمياه وعدم كفاية مرافق الصرف الصحي، يهدد قدرات مواصلة النمو الاقتصادي وامتصاص التزايد السكاني، وفرض هذا الأمر بالتالي تكاليف اقتصادية وبشرية باهظة، ويأتي ذلك في ظل غلبة الطابع الإعلامي والدعائي والتوجيهي على العمل البيئي، على حساب الجانب الميداني الملموس، ويبين تقرير السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار أن نموذج التنمية المستند إلى السعي للاكتفاء الذاتي من الأغذية والتصنيع السريع، فرض ضغطاً متزايداً على الموارد الطبيعية، ولم تراعِ هذه الاستراتيجية التنموية متطلبات المحافظة على الموارد الطبيعية واستثمارها بكفاءة، فأساليب الزراعة غير الملائمة، واستقرار السكان في مناطق محددة، والإدارة غير السليمة للمياه، أججت عمليات هدر موارد المياه والإفراط في استغلال المراعي الهشة، بينما جرى تحويل المراعي المنتجة إلى زراعة المحاصيل غير القابلة للاستمرار، كما تسبب الإفراط في استعمال المخصبات الكيميائية في تلوث مياه الجريان السطحي، وتعرضت المناطق الساحلية إلى ضغوط متزايدة أثرت تأثيراً سلبياً في نوعية المياه والهواء والتربة، ولم تقم الصناعات بإجراءات تذكر لتبنّي تقنيات الإنتاج الأنظف، كما أدى التراخي في تطبيق التشريعات البيئية إلى زيادة التدهور البيئي.

تحليل

ويشير التقرير في معرض تحليله للواقع العام لقطاع البيئة إلى مخاطر عدة تحيط بقطاع البيئة، يتصدرها عدم القدرة على تأمين الموارد المادية الكافية لمقاومة التدهور البيئي، وعدم اقتناع أصحاب القرار بأولوية هذا القطاع، إلى جانب تأثر البيئة في سورية بأنشطة وبيئات دول أخرى وخاصة المجاورة منها، والتزايد الكبير للسكان وللتجمعات السكنية العشوائية، إضافة إلى عدم القدرة على تطبيق القوانين البيئية، واستنزاف الموارد الطبيعية وتلوثها، وشح المياه وطبيعة المناخ شبه الجاف، وتدني درجة الأولوية للبحث العلمي البيئي عند أصحاب القرار، بالتوازي مع النظرة السلبية للبحث العلمي البيئي لدى القطاع الخاص، واعتباره إنفاقاً دون مردود، وابتعاد الباحثين عن العمل البيئي بسبب طول المدة التي يحتاجها حتى تظهر نتائجه.

افتقار

وتترافق هذه المخاطر مع نقاط ضعف يعاني منها قطاع البيئة، أبرزها بطء التطور في عدد ونوعية الباحثين في المجال البيئي، وعدم استثمار المخابر البيئية بالشكل الأمثل، إضافة إلى ضعف التنسيق في البحوث البيئية بين الجهات المعنية وعدم وجود جهة مرجعية معتمدة، مع عدم وجود مركز بحث بيئي مستقل، والافتقار إلى أرشفة البحوث البيئية أو تجميع نتائجها في قواعد بيانات.

فرص

ولم يغفل التقرير ما يتمتع به هذا القطاع من توفر باحثين وكوادر فنية ذوي كفاءة في المجال البيئي، ووجود بنية تحتية جيدة من مخابر وتجهيزات في مختلف المحافظات السورية، وافتتاح تخصصات بيئية في المرحلة الجامعية والدراسات العليا في بعض الكليات، كما أن ثمة فرصاً يمكن استثمارها للحفاظ على البيئة، منها الاستفادة من المواد التي تنص على التعاون في مجال البحث العلمي في الاتفاقيات الدولية التي تعنى بشؤون البيئة والتي سورية طرف فيها، والتطور المتسارع في البحوث البيئية العالمية، والسهولة النسبية في الحصول على تمويل خارجي لإجراء البحوث البيئية.

تجنباً للتكرار

وحتى يكون العمل فعالاً، ولتجنب ضياع الجهود السابقة المبذولة في البحوث البيئية، جرى اقتراح أن يتم حصر البحوث والدراسات البيئية السابقة، من أجل الانطلاق منها والبناء عليها وعدم تكرار بحوث منجزة سابقاً في الجهات العلمية البحثية والمتعلقة بكل محور من المحاور البحثية المقترحة، ومنها على صعيد حماية التنوع الحيوي إجراء دراسات اقتصادية اجتماعية عن المجتمعات المحلية التي تعيش بالقرب أو داخل المناطق الحساسة بيئياً، وإجراء بحوث حول الأمراض البيئية وتأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية، وتوثيق حديث للأنواع النباتية والحيوانية مع مسح تصنيفي للكائنات الحية الدقيقة في التربة السورية، إضافة إلى إجراء بحوث خاصة بالقيمة الاقتصادية والاجتماعية لمكونات التنوع الحيوي في سورية، وأخرى متعلقة بالأنواع الغازية وتأثيراتها على النظم البيئية الوطنية، ورصد الأحياء البحرية في السلسلة الغذائية البحرية.

أما على صعيد إدارة النفايات الصلبة والسائلة فيتوجب إجراء بحوث حول الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة يتضمن التقليص والتدوير وإعادة الاستخدام، تطوير آليات الطمر الصحي، التخلص الآمن من النفايات الخطرة…إلخ. وكذلك بحوث حول إدارة النفايات السائلة بهدف إعادة استخدامها بعد التخلص من الملوثات أو تقليصها، وبحوث حول معالجة الترب الملوثة بالنفط وتطوير طرائق معالجة السلادج، إلى جانب البحث في استخدام تقنية الغاز الحيوي في معالجة مخلفات الصرف الصحي. وفيما يخص سلامة الأراضي لابد من إجراء بحوث حول أسباب تملح وتصحر الأراضي في سورية، وتحديد الأراضي المعرضة لأخطار التلوث وأسبابه ومعالجته، ودراسة سبل تشجيع الممارسات المتميزة في الزراعة، وإجراء دراسات حول الاستعمالات البيئية المثلى للأراضي في سورية، واعتماد التخطيط البيئي المتكامل لوضع خارطة بيئية توضح الأماكن المفضلة لمختلف الأنشطة.

مقترحات

وخلص التقرير إلى جملة من المقترحات العامة لتطوير قطاع البيئة تتمثل بإنشاء حاضنة لتوطين تقانات بيئية وبحثية لإدارة المخلفات الصلبة والسائلة بهدف بناء وتعزيز القدرات البشرية، وتكريس التربية البيئية من أجل تحقيق التنمية المستدامة وحماية البيئة وفق السياسات الوطنية البيئية، وإعداد برامج علمية خاصة بالتوعية البيئية تتعلق بكل الأمور البيئية التي يمكن للمواطن العادي المساهمة الإيجابية فيها، حيث تكون موجهة لكافة شرائح المواطنين، وإنشاء البنوك الوراثية للحيوانات الاقتصادية الحية في مناطق انتشارها، وإنشاء البنوك الاصطناعية لحفظ المادة الوراثية الحيوانية والنباتية، وتحديد البصمة الوراثية للأنواع والعروق والسلالات المحلية وتسجيلها عالمياً كملكية وطنية، واستخدام التقانات الجيو معلوماتية في مجال البيئة، وإقامة بنك معلومات بيئي يوفر كافة البيانات اللازمة للدراسات البيئية، ودراسة واقع الموارد الطبيعية والتعرف على الممارسات الخاطئة التي تؤدي إلى استنزافها والأخطار الناجمة عن ذلك، وتحديد الإجراءات الواجب اتباعها للمعالجة.

حسن النابلسي