مجلة البعث الأسبوعية

الجيوبوليتيك والأرباح والخشخاش: كيف حولت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أفغانستان إلى دولة مخدرات فاشلة؟!!

البعث الأسبوعية ــ تقارير

كانت جائحة كوفيد -19 بمثابة إنذار بموت العديد من الصناعات في أفغانستان. وحذرت وكالات الإغاثة من أن الاضطراب الاقتصادي قد يؤدي إلى مجاعة واسعة النطاق. لكن قطاعاً واحداً لا يزال مزدهراً: تجارة الأفيون غير المشروعة. وقد شهد العام الماضي نمو زراعة خشخاش الأفيون الأفغاني بأكثر من الثلث، بينما تراجعت عمليات مكافحة المخدرات على نحومتسارع. ويقال إن أفغانستان هي مصدر أكثر من 90٪ من جميع الأفيون غير المشروع في العالم، وأن هناك أراض مزروعة بالأفيون أكثر من تلك المستخدمة في إنتاج الكوكا في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية، وأن إنتاجه يشغل بشكل مباشر حوالي نصف مليون شخص.

كل ذلك بعيد كل البعد عن السبعينيات، عندما كان إنتاج الخشخاش في حده الأدنى، وكان إلى حد كبير للاستهلاك المحلي. لكن الأمور تغيرت، في عام 1979، عندما أطلقت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية عملية “الإعصار”، أي التمويل الواسع لميليشيات “المجاهدين” الأفغان في محاولة لاستنزاف القوات السوفيتية هناك. وعلى امتداد العقد التالي، عملت وكالة الاستخبارات المركزية لتحويل ما قيمته 2 مليار دولار من الأسلحة والمساعدة إلى هذه الجماعات، بما في ذلك الآن أسامة بن لادن، وأمراء الحرب الآخرين المعروفين بمثل بفظائع مثل إلقاء الحمض في وجوه غير المحجبات.

مع بدء الحرب السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، ارتفع إنتاج الأفيون على طول الحدود الأفغانية الباكستانية، وسرعان ما طغت المصافي على المشهد. وسوف تسافر الشاحنات المحملة بأسلحة ممولة من دافعي الضرائب الأمريكيين من باكستان إلى جارتها في الغرب، وتعود مليئة بالأفيون إلى المصافي الجديدة، وينتهي المنتج المميت في كل شوارع العالم. ومع تدفق الأفيون الأفغاني في الثمانينيات، تضاعف الإدمان على الهيروين في الولايات المتحدة. ومن أجل تمويل “المقاومة” لفترة طويلة، كان على “المجاهدين” إيجاد مصدر يتجاوز الأسلحة التي كانت وكالة الاستخبارات المركزية توفرها، فالأسلحة التي تم إصدارها لا يمكنها إطعام عائلات المقاتلين، ولا التعويض عن العمل المفقود.. ما فعلوه هو أنهم تحولوا إلى الأفيون!!

بحلول عام 1989 – 1990، في نهاية عملية وكالة الاستخبارات المركزية التي استمرت 10 سنوات، تحولت كمية الأفيون المنتجة من 100 طن، إلى 2000 طن سنوياً، وشكلت بالفعل حوالي 75٪ من تجارة الأفيون غير المشروعة في االعالم.

حققت وكالة الاستخبارات المركزية هدفها بمنح الاتحاد السوفياتي فيتنامه. وانسحب السوفييت أخيراً، في عام 1989. لكن الأموال والأسلحة الأمريكية حولت أفغانستان إلى بلد غارق بالفصائل المتحاربة التي استخدمت الأفيون لتمويل معاركها من أجل الهيمنة الداخلية. وبحلول عام 1999، ارتفع الإنتاج السنوي إلى 4600 طن، وظهرت طالبان في النهاية كقوة مهيمنة حاولت اكتساب الشرعية الدولية من خلال القضاء على التجارة، وكانت ناجحة بذلك بشكل ملحوظ، فقد أدى الحظر الذي فرضته على زراعة الأفيون، عام 2000، إلى تقليص “الموسم” إلى ما يقرب من 185 طناً فقط، تم حصادها في العام التالي. كانت طالبان تأمل في أن يحظى برنامج القضاء على “الوباء” بتأييد واشنطن، وأن يغريها بتقديم مساعدات إنسانية. لكن التاريخ كان له رأي آخر، ففي 11 أيلول 2001، شن بن لادن هجماته على نيويورك وواشنطن، وتجاهلت الولايات المتحدة عرض طالبان تسليمه لطرف ثالث، واختارت بدلاً من ذلك غزو البلاد. بعد أقل من شهر من انهيار مركز التجارة العالمي، كانت القوات الأمريكية تقوم بدوريات في حقول أفغانستان.

 

أول دولة مخدرات حقيقية في العالم

كان تأثير الاحتلال هو التوسع بإنتاج المخدرات إلى أبعاد جديدة غير مسبوقة، وأصبحت أفغانستان أول دولة مخدرات حقيقية في العالم. وبحلول عام 2008، كان الأفيون يوفر أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وبالمقارنة، كان الكوكايين يمثل 3٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي لكولومبيا، حتى في أحلك أيامها. واليوم، تقدر الأمم المتحدة أن حوالي 6300 طن من الأفيون (آخذة في الارتفاع) يتم إنتاجها سنوياً، بمساحة 224 ألف هكتار.

ولكن حتى أثناء قيامها بتمويل حملة رش جوي واسعة النطاق ومميتة في كولومبيا، رفضت الولايات المتحدة الموافقة على السياسة نفسها في أفغانستان. وقال المتحدث باسم الناتو، جيمس أباثوراي: “لا يمكننا أن نكون في وضع نتخلص فيه من مصدر الدخل الوحيد للأشخاص الذين يعيشون في ثاني أفقر دولة في العالم دون أن نتمكن من تزويدهم ببديل”.

ومع ذلك، لم يكن “الدفاع” عن نوعية حياة أفقر الناس السبب الحقيقي لرفض السياسة. فمسؤولو الحكومة الأفغانية كانوا متورطين بشدة في تجارة المخدرات، ويمتلكون حقول الخشخاش ومصانع الإنتاج بأنفسهم، وكانت قوات الناتو تحرس بشكل أو بآخر حقول الخشخاش وإنتاجه، تحت ستار مكافحة التمرد.. في الحقيقة، ما كانت تفعله في تلك المرحلة هو حماية ثروة “أصدقائها في السلطة الأفغانية”.

كل من في السلطة تورط عملياً في تجارة الهيروين، بما في ذلك شقيق الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، أحمد والي، أحد أكبر وأشهر تجار المخدرات في جنوب البلاد، وهو رجل معروف على نطاق واسع أنه من عملاء وكالة الاستخبارات المركزية.

أما المحاولات الهشة لإحباط تجارة الأفيون، مثل سياسة “الدفع” للميليشيات المحلية لتدمير حقول الخشخاش، فغالباً ما جاءت بنتائج عكسية. فقد ابتكر السكان المحليون طرقاً للربح، مثل الامتناع عن الزراعة في منطقة واحدة، وجمع مبالغ كبيرة من المال من قوات الاحتلال، واستخدام هذه الأموال في الزراعة في مكان آخر. الأسوأ من ذلك، كان أمراء الحرب المحليون وزعماء عصابات المخدرات يدمرون محاصيل منافسيهم ويجمعون الأموال من الولايات المتحدة للقيام بذلك، تاركين أنفسهم أثرياء، وفي وضع أقوى من ذي قبل، بعد أن اكتسبوا دعم قوات الاحتلال.

أدى ازدهار إنتاج الأفيون إلى توفير الجزء الأكبر من التمويل لطالبان، التي استحوذت على حصة كبيرة، ولكن غير معروفة، من الأرباح المحلية من تجارة المخدرات، والتي استخدمتها في تمويل عمليات حرب العصابات على مدار العشرين عاماً الماضية. لتصبح عاملاً حاسماً في هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان.

 

“الإبرة والأضرار التي لحقت”

ليس من الصعب زراعة الأفيون. يزدهر خشخاش الأفيون في ظروف دافئة وجافة، بعيداً عن الرطوبة والرياح. وبالتالي، فقد وجدا موطناً خصباً في معظم أنحاء وسط وغرب آسيا. ازدهرت صناعته في أفغانستان، لا سيما في المقاطعات الجنوبية مثل هلمند، حيث تلتقي أفغانستان بباكستان وإيران. تم تأمين الكثير من نظام الري في هلمند من قبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وهي منظمة تعمل كواجهة عامة لوكالة الاستخبارات المركزية. في كامل ازدهارها، تبدو حقول الخشخاش مذهلة، بأزهار جميلة من اللون الوردي النابض بالحياة، أو الأحمر، أو الأبيض. تحت الزهور، يمكن للمرء أن يجد بذرة كبيرة. يقوم المزارعون بحصادها، وتجفيفها من النسغ الذي يجف في الراتنج. غالباً ما يتم نقل كل ذلك إلى خارج البلاد، عبر ما يسمى بـ “الطريق الجنوبي”، عبر باكستان أو إيران. ولكن، كما هو حال أي “خط أنابيب”، يتسرب الكثير من المنتج على طول الطريق، ما يتسبب بانتشار الإدمان في جميع أنحاء المنطقة.

تأثيره على السكان الأفغان لم يكن أقل من كارثة. فبين عامي 2005 و2015، قفز عدد متعاطي المخدرات البالغين من 900 ألف إلى 2.4 مليون، وفقاً للأمم المتحدة، التي قدرت أن أسرة واحدة تقريباً من كل ثلاث أسر تتأثر بشكل مباشر بالإدمان. وبينما تنتج أفغانستان أيضاً كميات وفيرة من الماريغوانا والميثامفيتامين، فإن المواد الأفيونية هي المخدّر المفضل، حيث يدمن عليها حوالي 9٪ من السكان البالغين (وعدد متزايد من الأطفال). يضاف إلى ذلك ارتفاع حاد في حالات الإصابة بفيروس نقص المناعة، حيث يتشارك المستخدمون الإبر، كما قال البروفيسور جوليان ميرسيل، مؤلف كتاب “الحصاد القاسي: تدخل الولايات المتحدة في تجارة المخدرات الأفغانية”.

ساهمت الحرب والاحتلال الأمريكي طوال 20 عاماً في المزيد من اليأس. ارتفع عدد الأفغان الذين يعيشون في فقر من 9.1 مليون في العام 2007، إلى 19.3 مليون في العام 2016. ووجد استطلاع حديث أن الأفغان هم أكثر الناس حزناً على وجه الأرض. وعندما طُلب من الأفغان تقييم حياتهم من درجة عشرة، أعطى الأفغان إجابة بمتوسط ​​2,7، وهو مستوى قياسي منخفض. والأسوأ من ذلك، عندما طُلب منهم التنبؤ بنوعية حياتهم في غضون خمس سنوات، كان متوسط ​​الإجابة أقل: 2,3.

كما أثارت عملية وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان أزمة إنسانية في باكستان المجاورة. ففي أواخر السبعينييات، لم يكن لدى باكستان أي مدمن على الهيروين، ولكن بحلول العام 1985، أفادت الإحصائيات الحكومية عن أكثر من 1.2 مليون، ما حول البلدين، بين عشية وضحاها تقريباً، إلى “مركز عالمي لتجارة المخدرات”.

المشكلة فقط بدأت منذ ذلك الحين، فقد قدر تقرير للأمم المتحدة، عام 2013، أن ما يقرب من 7 ملايين باكستاني يتعاطون المخدرات، وأن 4,25 مليون يحتاجون إلى علاج عاجل لقضايا الإدمان. ويموت حوالي 700 شخص كل يوم من جرعات زائدة. وما لا يثير الدهشة أن أعلى معدل للإدمان هو في المقاطعات الواقعة على الحدود مع أفغانستان حيث يتم تصنيع الهيروين.

هناك أيضاً أزمة من نوع مختلف، حيث تعج المستشفيات العامة بالأمراض المرتبطة بالأدوية. لقد تمزقت العائلات بالوصمة الاجتماعية لعار الإدمان، وحول المال والسلطة اللذان جلبتهما المخدرات العديد من المدن إلى بؤر ساخنة للعنف.

وفي إيران، يقدر عدد متعاطي المواد الأفيونية، عموماً، بما يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين. وفي البلدات القريبة من الحدود الأفغانية / الباكستانية، يمكن شراء غرام الأفيون بالعملة المحلية.. وهكذا، وعلى الرغم من العقوبات القاسية لحيازة المخدرات، إلا أن البلاد تسجل أحد أعلى معدلات الإدمان في العالم.

مع ذلك، فإن طفرة الأفيون وضعت الشرق الأوسط تحت ضغط كبير، وكانت إحدى نتائج السياسة الأمريكية في المنطقة إطلاق العنان لإدمان الأفيون في جميع أنحاء العالم، بما دمر حياة عشرات الملايين، وجعل قلة من الناس أثرياء بشكل خيالي.

أدى ازدهار الإنتاج أيضاً إلى كارثة عالمية. ففي العقد الماضي، زادت الوفيات المرتبطة بالمواد الأفيونية بنسبة 71٪ على مستوى العالم، وفقاً للأمم المتحدة. وينتهي المطاف بالكثير من المنتجات التي يزرعها أمراء الحرب الأفغان في شوارع الغرب. وليس من قبيل المصادفة أن يكون هناك نمو هائل في إنتاج الخشخاش في أفغانستان، وأن يتنامى تعاطي الأفيون في جميع أنحاء العالم، إلى درجة أنه يمكن أن يُنظر إلى البرازيل مثلاً على أنها إحدى ضحايا الحرب في أفغانستان؛ والأرقام مذهلة، فقد توفي ما يقرب من 841 ألف أمريكي بسبب جرعة زائدة من المخدرات منذ بدء الحرب في أفغانستان، بما في ذلك أكثر من 70 ألفاً في عام 2019 وحده.

 

تاريخ قذر

للإدارات الأمريكية تاريخ طويل في الانخراط مباشرة بتجارة المخدرات. ففي كولومبيا، عملت مع الرئيس ألفارو أوريبي في حرب مخدرات على مستوى البلاد، حتى عندما حددت الوثائق الداخلية الأمريكية أوريبي كواحد من أهم مهربي المخدرات في البلاد، وموظفاً في كارتل ميدلين، و”صديقاً شخصياً” لملك المخدرات بابلو اسكوبار. وصبت الأرباح المتأتية من تجارة المخدرات في الحملات الانتخابية لأوريبي في عامي 2002 و 2006.

كان الجنرال مانويل نورييغا أيضاً حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة لسنوات عديدة، وكان مدرجاً على قائمة رواتب الـ “سي آي إي”، على الرغم من أن واشنطن تعلم أنه متورط في تهريب المخدرات منذ عام 1972 على الأقل. وعندما أصبح بحكم الواقع ديكتاتور بنما، في عام 1984، لم يتغير الكثير. لكن مدير وكالة مكافحة المخدرات أشاد به في البداية لـ “سياسته القوية لمكافحة الاتجار بالمخدرات”. في النهاية، قررت الولايات المتحدة غزو البلاد والقبض على نورييغا، وحكمت عليه بالسجن مدة 40 عاماً بتهمة ارتكاب جرائم مخدرات بينما كان لا يزال يتقاضى أجراً من وكالة الاستخبارات المركزية.

وفيما كان يحدث ذلك كله، كشف الصحفي الاستقصائي غاري ويب كيف استعانت وكالة الاستخبارات المركزية على تمويل حربها القذرة ضد حكومة نيكاراغوا اليسارية من خلال بيع الكوكايين إلى أحياء السود في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وربط الجيوش شبه العسكرية اليمينية المتطرفة مع زعماء المخدرات الأمريكيين. وحتى يومنا هذا، لا تزال الحكومة الأمريكية تدعم رجل هندوراس القوي، خوان أورلاندو هيرنانديز، على الرغم من علاقاته الراسخة بتجارة الكوكايين. وفي وقت سابق من هذا العام، حكمت محكمة أمريكية على شقيق هيرنانديز بالسجن مدى الحياة بتهمة تهريب المخدرات دولياً، بينما كان خوان نفسه متورطاً غير مدان في القضية. ومع ذلك، فقد أثبت الرئيس هيرنانديز فعاليته في قمع اليسار المناهض للإمبريالية داخل بلاده، وتدعيم الانقلاب العسكري الذي تدعمه الولايات المتحدة عام 2009.

كان استخدام تجارة المخدرات غير المشروعة، والأرباح المتأتية منها، لأغراض التمويل، من ثوابت التاريخ الإمبراطوري. وعلى سبيل المثال، في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، استخدمت الإمبراطورية الفرنسية محاصيل الأفيون في ما يسمى منطقة “المثلث الذهبي” في الهند الصينية من أجل المساعدة في صد حركة الاستقلال الفيتنامية المتنامية. وبالعودة إلى الوراء، استخدم البريطانيون آلة الأفيون الخاصة بهم لإخضاع معظم الصين وقهرها اقتصادياً. بدأ عطش بريطانيا النهم للشاي الصيني في إفلاس البلاد، حيث كان الصينيون يقبلون الذهب أو الفضة فقط كدفعة؛ لذلك استخدمت قوة أسطولها البحري لإجبار الصين على التنازل عن هونغ كونغ، التي بدأت منها بريطانيا في إغراق الصين بالأفيون الذي نما في ممتلكاتها في جنوب آسيا.

وكان التأثير الإنساني لحرب الأفيون مذهلاً. ومع حلول عام 1880، كان البريطانيون يغمرون الصين بأكثر من 6500 طن من الأفيون كل عام، أي ما يعادل عدة مليارات من الجرعات، ما تسبب في اضطراب اجتماعي واقتصادي هائل، حيث كافحت الصين للتعامل مع إدمان شامل. واليوم، لا يزال العديد من الصينيين يشيرون إلى تلك الفترة على أنها “قرن الإذلال”. وفي الهند وباكستان أيضاً، لم يكن التأثير أقل دراماتيكية، حيث أجبر المستعمرون المزارعين على زراعة حقول الخشخاش (ثم الشاي لاحقاً) بدلاً من محاصيل الكفاف، ما تسبب في موجات من مجاعات ضخمة لم يسبق لها مثيل من قبل.

 

ملايين الخاسرين

يقول البروفيسور ميرسيل: “يتحمل الجيش الأمريكي ووكالة الاستخبارات المركزية مسؤولية كبيرة عن طفرة إنتاج الأفيون في أفغانستان”، موضحاً أنه “بعد 11 أيلول، تحالفوا بشكل أساسي مع الكثير من الأفغان الأقوياء وأمراء الحرب الذين تصادف أنهم متورطون بطريقة ما في إنتاج المخدرات والاتجار بها. كان هؤلاء يعملون كحلفاء محليين للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وبالتالي كانوا محميين إلى حد كبير من الانتقام، أو الاعتقال بتهمة الاتجار بالمخدرات”.

على الأرض، بدت الحرب في أفغانستان أشبه ما تكون بالحرب على المخدرات في أمريكا اللاتينية، والحملات الاستعمارية السابقة في آسيا، مع عسكرة سريعة للمنطقة، وتمكين نخب محلية مطيعة بدأت على الفور باختلاس الأرباح الهائلة التي تختفي بهدوء في الثقوب السوداء. طوال الوقت، يدفع ملايين الأشخاص الثمن، ويعانون داخل منطقة موت عسكرية، ويتحولون إلى المخدرات كآلية للتكيف. في قصة طفرة الأفيون، هناك عدد قليل من الرابحين، لكن هناك ملايين الخاسرين.