بحر الصين الجنوبي رئة بكين وهدف واشنطن
محمد نادر العمري
منذ إدارة الرئيس باراك أوباما والتي انتهت عام 2016 وخاصة في منتصف ولايته الأولى، ازداد الاهتمام بالوجود الأمريكي في بحر الصين الجنوبي والذي يعدّ وفق باحثين جيبولتيكيين وجغرافيين أنه من أكثف عقد المواصلات على مستوى النظام الدولي رغم ابتعاده عن قلب العالم وتطرف موقعه الجغرافي باتجاه الشرق من الكرة الأرضية.
تكمن كثافته في مؤشرين: الأول، هو الطريق الحيوي لمعظم مصادر الطاقة التي تغذي النمو الصناعي المتسارع للصين والذي يزيد عن 13 مليون برميل يومياً، بينما يرتبط المؤشر الثاني بسابقه حيث إن أهمية الطريق تشكل معظم صادرات الصين والتي غزت أرجاء المعمورة خلال العقود الثلاثة السابقة والتي تجاوزت 3.5 تريليون دولار سنوياً.
ومن هنا يمكن فهم عقلية السياسي الأمريكي وصانع القرار أو متخذه في الإدارة الحالية أو سابقاتها عن سبب تفكيره بالوجود العسكري في هذا الموقع الحيوي للصين والذي يشكل الرئة من جانب ومن جانب آخر المسلك الرئيسي لطريق نموها وصدارتها الاقتصادية، فإن نجحت واشنطن بترسيخ وجودها في هذا الطريق أو ضمن الدول المطلة عليه فإنها تهدّد استقرار الصين وتضيّق الخناق عليها، إلى جانب استثمار ملفات ضغط أخرى تتمثل بالانفصال الداخلي وماسُمّي بحقوق الإنسان، وبذلك تكون واشنطن حلقة الخناق على بكين التي سارعت خلال أقل من عقد لتطوير أسطولها البحري بنسبة 350% وفق أحدث الدراسات وفقاً لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية المتخصّصة في الشؤون العسكرية، والتي حذّرت في الدراسة نفسها من مخاطرة مواجهة الصين في تلك المنطقة، لأن القوة الأمريكية ستكون مضطرة لاستخدام القوة النووية على غرار هيروشيما ونكازاكي ولكن بكميات أكبر نتيجة اتساع الصين، ونتيجة لما تخبئه الصين من مقدرات عسكرية من جانب وما يمكن أن يفعله شعب الصين المتمسك بالانتماء الوطني تجاه القوات الأمريكية الغازية.
وربما هذا هو السبب الذي دفع رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية الجنرال “مارك ميلي” أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ في أيار الماضي، للدعوة إلى عدم التسرّع والتهور في مجابهة الصين عسكرياً، رغم تأكيده أمام اللجنة نفسها أن الأخيرة تنمي قدراتها البحرية “بمعدل خطير للغاية ومستمر”، حسب وصفه.
وفي الإطار ذاته حذّرت “فورين بوليسي” أنه إضافة لما قد تتفاجأ به واشنطن من مقدرات عسكرية وبشرية، من احتمالية مساهمة الجمهورية الإيرانية وروسيا الاتحادية بالدفاع عن الصين لأسباب عديدة وبأشكال مختلفة، نتيجة المصالح المشتركة والموقف المناوئ للأمريكي، تدرك كلّ من موسكو وطهران أن زيادة قوة الصين اقتصادياً تساهم في قوتهما بنسب متفاوتة، وأن سقوط الصين سيؤدي إلى تعميق وضعهما الاقتصادي وسيزيد من تضييق خيارات التنمية أمامهما، وخاصة بعدما توصلت موسكو وطهران لاتفاقات إستراتيجية مع الصين حول الطاقة والاستثمارات والتعاون بالعملات الوطنية.
من جانبها تدرك بكين خطورة المسعى الأمريكي في حال حصوله ومراميه التي تتضمن أبعد من مجرد وجود عسكري في محيط من المياه، بل هدفه خنق الصين، وهو السبب الذي دفع الرئيس الصيني للخروج من الإطار الدبلوماسي في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي الصيني مهدداً أميركا بالردّ اللازم مؤكداً جاهزية الجيش الصيني للردّ.
لذلك فإن السيناريو الأكثر احتمالاً بالنسبة لواشنطن يكمن في تعزيز وجودها العسكري في الدول المحيطة بالصين وإقامة قواعد جديدة أو توسيع قواعدها، وخاصة فيتنام والفلبين وماليزيا وتايوان وإندونيسيا وتايلاند وسنغافورة وسلطنة بروناي وكمبوديا، ومن ثم السعي لإثارة الخلافات بين الصين من جهة والدول المطلة على سواحل بحر الصين الجنوبي، وهي صاحبة السيادة في الممرات المائية والجزر لتضيق الممر على الصين، ولهذا شهدت الدبلوماسية الأمريكية حراكاً في الآونة الماضية وستشهد مزيداً من الزيارات المكثفة في القريب المنظور لهذا الغرض.