سميح القاسم..!
حسن حميد
أبداً، لم يكن سميح القاسم مجرد شاعر يجيد كتابة القصيدة ويعرف أسرارها، وما الذي تسعى إليه لتصير بستاناً من الجمال، أو لتصير نقشاً يروم الخلود!.
سميح القاسم كان أكثر من شاعر، وأكثر من فنان، وأكثر من روح مقاومة عرفت معاني الظلموت وآثاره الواقعة على الأرض الفلسطينية مكاناً، وبشراً، وأحلاماً، كان ابن العشرينيات فقط، حين أصدر أربعة أو خمسة دواوين شعرية، كلّ واحد منها أشبه بالثورة المرتقبة التي تفجّرها ذات الشاعر بين أبناء قرى الجليل الفلسطيني الذي أُريد لهم مجتمعين أن يعرفوا قسراً اللغة العبرية وأعلام الكيان الصهيوني وما تقوله تواريخهم، وأن يسلّموا بالادّعاءات الكذوب التي روّجها الإعلام الإسرائيلي والأفكار التي زلّها منطق الأشياء وحيّدها لكثرة ما فيها من صفاقة وبهتان وخيال مريض.
قصائد سميح القاسم أعادت تعمير نفوس هؤلاء الشبان الفلسطينيين من خلال تغنيها بالتاريخ العربي والوطنية الفلسطينية اللذين قاوما المستعمرين كافة من فرنجة، ومغول، وتتار، فكانت أرض فلسطين هي المكان الذي اندحر فيه هؤلاء جميعاً، لا بل إن نابليون بونابرت المتأخر في إطلاق أنفاسه الاستعمارية دُحر فوق التراب الفلسطيني، ولذلك دفن حلمه بإنشاء إمبراطورية فرنسية مترامية الأطراف، وقصائد سميح القاسم هي التي شدّت نفوس الأجيال الفلسطينية إلى المعنى العروبي حين أكدت معانيه ومغانيه وجمالياته، ليس من الناحية التاريخية فحسب، وإنما لأن المعنى العروبي هو الخلاص الحقيقي للأمة العربية من كل ما أحيطت به من أسيجة شوكية غريبة، فلا مجد لهذه الأمة إلا بوحدتها، ووعي مرتكزاتها التي تجمعها.
وحين وعى سميح القاسم دوره الوطني، راح يكتب في مجالات أخرى، غير القصيدة من أجل المزيد من الوعي والانتماء مواجهة لحالات الشذوذ التي اقترفها الإسرائيليون من سرقة الأرض، ونهب الخيرات، والتضييق على الحرية، ونسف التاريخ، وقطع أواصر التلاقي مع أبناء الأمة العربية، إلى أن صارت السجون الإسرائيلية أكثر عدداً من المدارس والمشافي.
تأثير سميح القاسم كان جلياً، حين راح الشبان الفلسطينيون في أراضي الجليل يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي، والقبول بكل أشكال الحرمان والمضايقات التي ستواجههم في المستقبل، وقد رضي هؤلاء الشبان بالممارسات الإسرائيلية الموجّهة ضدهم مقابل ألا يخدموا في الجيش الإسرائيلي الغارق بالدم، فحُرم خريجو الجامعات من العمل، مثلما حُرموا من السفر، وطالت الرقابة التعسفية الصحف والمجلات العربية التي أرادوا العمل فيها، مثلما طالت هذه الرقابة الكتب التي ألفوها، وحيل بينها وبين أن تظهر للوجود، رضي هؤلاء الشبان بالممارسات الإسرائيلية الظالمة لأنهم مشوا في درب سميح القاسم الذي سجن، واعتقل، وأوذي في عمله، وحُرم من التنقل، ومن المشاركات في المناسبات الوطنية، وتعلموا من مقاومته وصبره مواجهة الحاكم العسكري وقراراته الظالمة.
في الذكرى السابعة لرحيل الشاعر سميح القاسم، الذي ترك وراءه أكثر من أربعين كتاباً ثقيلاً بالمعنى الوطني، مثلما ترك وراءه سيرة وطنية باذخة في معانيها القومية والإنسانية.. نؤكد الشبه الكبير بينه وبين شاعر روسيا بوشكين، وشاعر تشيلي بابلو نيرودا، وشاعر داغستان رسول حمزاتوف.. لأن ذكر اسم سميح القاسم يعني ذكر جمال صنيعه لبلاده العزيزة التي اغتنت بجميل المعاني فلسطين، مثلما كان ذكر أسماء هؤلاء الشعراء طوافاً جميلاً في المعاني الجميلة لبلادهم.
Hasanhamid55@yahoo.com