اليوم العالمي للقضاء على تجارة الرقيق
د. معن منيف سليمان
تحيي منظمة الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو في 23 آب من كل عام ذكرى القضاء على تجارة الرقيق، حتى يعلم العالم بمأساة أولئك الرجال والنساء الذين ثاروا على ظلم نظام الرق والعبودية في سانتو دومينغو في عام 1791، ومهّدوا بثورتهم الطريق لكسر نير الرق وإنهاء العبودية واستئصال الممارسات القائمة على نزع الصفة الإنسانية عن بعض البشر.
كانت تجارة الرق متأصلة في الشعوب القديمة، فالعبيد قامت على أكتافهم أوابد وصروح الحضارات الكبرى في العصور القديمة، وفي القرن الخامس عشر مارس الأوربيون تجارة العبيد الأفارقة، وكانوا يرسلونهم قسراً إلى أمريكا العالم الجديد وقتذاك للعمل في الزراعة، كما أوكلت إليهم الخدمة الشاقة بالمستعمرات البريطانية، ومع التوسّع الزراعي في الجنوب الأمريكي في القرن السابع عشر زادت أعدادهم بكثرة هناك.
كانت رحلة العبيد الأولى من أفريقيا إلى الأمريكيتين، وأبحرت عام 1526، وفيها تمّ جلب الأفارقة كعبيد مباشرة من أوروبا، واستعبد المستوطنون الأوروبيون سكان أمريكا الأصليين.
جلبت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي العديد من العبيد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وازدهرت حتى بعد أن أصدر الكونغرس قانون حظر استيراد العبيد الذي تم تطبيقه في 1808، ونمت تجارة الرقيق الأمريكية بجانب تضاعف تجارة الرقيق الأفريقية إلى ثلاثة أضعاف حتى في مرحلة الحرب الأهلية، وشرّدت هذه التجارة نحو 1.2 مليون رجل وامرأة وطفل أمريكي.
وعلى الرغم من أن عدد العبيد الذين جلبوا من أفريقيا لأوروبا غير معروف، لكن يقدّر بعض المؤرخين أن ما بين 9- 11 مليون شخص قد أخذوا بواسطة تجار العبيد الأوروبيين، وتمّ تسليمهم أحياء إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، وتوفي منهم عدد غير معروف، وهو يقاوم القبض أو في خنادق العبيد في أثناء انتظار نقلهم من مكان إلى آخر، ومنهم من توفي في رحلة السفر عبر المحيط، ويقدّر أن أقل عدد للوفيات من العبيد وقتها يقدّر بنحو 20 مليون نسمة.
شهدت ليلة 23 آب من العام 1791، وتحديداً في سانتو دومينغو (التي تُدعى اليوم هاييتي والجمهورية الدومينيكية) اندلاع الانتفاضة التي شغلت دوراً حاسماً في إلغاء الاتجار بالرقيق الأسود عبر المحيط الأطلسي. ومن هنا جاءت فكرة الاحتفال باليوم الدولي لإحياء ذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه في 23 آب من كل عام لتكريم ثورة العبيد التي بدأت في جزيرة سانتو دومينغو الفرنسية.
وعلى الرغم من أن النضال استغرق أكثر من عقد من الزمن فإن الشعب هو الذي فاز بالاستقلال عن فرنسا، وأصبحت بذلك أول بلد يتمّ تأسيسه بواسطة العبيد السابقين، كما شجعت الثورة على مناهضة الرق في أوروبا، وأدّت إلى القضاء على تجارة الرقيق في المحيط الأطلسي.
ويتمثل الهدف من إحياء هذا اليوم الدولي في توثيق مأساة الاتجار بالرقيق في ذاكرة الشعوب كافة. ووفقاً للأهداف المرجوّة من مشروع “طريق الرقيق” المشترك بين الثقافات، فمن المفترض أن يوفر هذا اليوم الفرصة للنظر معاً في الأسباب التاريخية لهذه المأساة وأساليبها وعواقبها، وكذلك تحليل التفاعلات التي أثارتها بين أفريقيا وأوروبا والأمريكيتين ومنطقة البحر الكاريبي.
ولقد جرى الاحتفال باليوم الدولي لإحياء ذكرى الاتجار بالرقيق الأسود وإلغائه لأول مرّة في مجموعة من البلدان، في مقدمتها هاييتي 23 آب 1998، وفي جزيرة غوريه في السنغال 23 آب 1999، ناهيك عن تنظيم جملة من الفعاليات والمناقشات الثقافية في هذا السياق.
ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام من أواخر عام 2014، كان تنظيم “داعش” الإرهابي يبيع النساء الأيزيديات والمسيحيات كإماء. وفي منتصف شهر تشرين الأول 2014 قدّرت الأمم المتحدة أن ما بين 5000- 7000 من النساء والأطفال الأيزيديين قد تمّ اختطافهم من قبل “داعش” وتمّ بيعهم.
وفي عام 2015، أعلن تنظيم “داعش” الإرهابي إحياء العبودية كمؤسّسة، وكانت أسعار الرقيق الرسمية التي حدّدها التنظيم الإرهابي هي الآتي:
- يباع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين عام واحد إلى 9 سنوات مقابل 200 ألف دينار (169 دولاراً).
- النساء والأطفال من 10- 20 سنة مقابل 150,000 دينار (127 دولاراً).
- النساء من 20- 30 سنة مقابل 100,000 دينار (85 دولاراً).
- النساء من 30- 40 سنة مقابل 75 ألف دينار (63 دولاراً).
- النساء من 40- 50 سنة مقابل 50,000 دينار (42 دولاراً).
ومع ذلك تمّ بيع بعض العبيد مقابل القليل من علب السجائر. كما تمّ بيع عدد منهم كعبيد إلى السعودية ودول الخليج العربي الأخرى وتركيا.
إن منظمة اليونسكو تدعو وزراء الثقافة في جميع الدول الأعضاء إلى تنظيم فعاليات سنوية في هذا التاريخ، بمشاركة جميع سكان بلادهم ولاسيما الشباب والمربين والفنانين والمثقفين وإحياء هذه الذكرى سنوياً لاستخلاص العبر من تاريخ الرق والعبودية، والكشف عن جميع أبعاد هذا النظام العنصري وفضح كل الممارسات المرتبطة به، ودحض كل الحجج البلاغية أو العلمية المزعومة التي استُخدمت لتسويغ هذا النظام، ورفض أية تسويات أو تنازلات أو خطابات تقوم على التماس الأعذار، إذ تخالف هذه الأمور في حدّ ذاتها القيم والضمير الإنساني، ويُعدّ إدراك هذه المسألة أول شرط من شروط التمكن من مكافحة أشكال الرق والعبودية المعاصرة التي ما زال يرزح تحت وطأتها الملايين من الأشخاص، ولاسيما من النساء والأطفال!.