العالم ليس بحاجة لحرب باردة جديدة
ترجمة: هناء شروف
قال الرئيس الأمريكي جو بايدن متحدثاً في قمة مجموعة السبع في حزيران الماضي: “إن نظاماً عالمياً جديداً يقوم على تحالف القيم يجب أن يُبنى مع الدول الحليفة، ولبناء مثل هذا النظام العالمي ستضطر الدول الأوروبية واليابان للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة ضد الصين”.
ونظراً لأهمية الصين في الاقتصاد العالمي اليوم، من غير المرجح أن تنجح الإدارة الأمريكية في استراتيجيتها، إذ لا غنى عن التعاون مع الصين بالنسبة للاتحاد الأوروبي واليابان، لأنه دون هذا التعاون لن تتم المكافحة للتعافي من آثار التباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن جائحة فيروس كورونا.
لقد أدى اتساع الفوارق الاقتصادية العالمية، وانهيار الطبقة الوسطى، وتراجع النمو الاقتصادي، إلى ظهور الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى هذا النحو لن تنجح الولايات المتحدة في محاولاتها لمواجهة الصين، لذلك ما الذي يجب أن تفعله الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان؟.. يجب عليها بدلاً من محاولة كبح جماح صعود الصين السعي لتحقيق الازدهار المشترك من خلال التعاون معها ومع دول آسيوية أخرى، حيث إن اقتصادات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان متشابكة مع الاقتصاد الصيني، وعليه لا يمكن للاقتصادات المتقدمة التغلب على كوفيد-19 والأزمات الاقتصادية إلا من خلال التعاون مع الصين والاقتصادات الآسيوية الناشئة الأخرى.
في العقد الثاني من هذا القرن كان معدل النمو الاقتصادي للبلدان المتقدمة في حدود 1 في المئة بعد انهيار بنك “ليمان براذرز” الأمريكي، وأزمة اليورو، في المقابل كان الاقتصادان الصيني والهندي ينموان بمعدل سنوي يزيد عن 6 في المئة، لقد تفوقت الصين على اليابان في عام 2010 لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لذلك يتوقع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن الصين ستتفوق على الولايات المتحدة حتى من حيث الناتج المحلي الإجمالي (الاسمي) بحلول عام 2030، وتقول منظمة التعاون الاقتصادي إن الصين والهند ستكونان أكبر اقتصادين بحلول عام 2060.
يعتقد الكثيرون أن انتخاب بايدن رئيساً للولايات المتحدة سيعيد أمريكا إلى موقع الريادة العالمية، ويعيد العلاقات الدولية إلى حالتها السليمة، ومع ذلك، لم تغيّر الولايات المتحدة نهجها الحذر تجاه الصين وسياستها الاستراتيجية العدوانية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن الأمثلة النموذجية على هذه السياسة ما يسمى بـ QUAD، وهو التحالف غير الرسمي للولايات المتحدة واليابان والهند واستراليا القائم على قيم “الديمقراطية” و”الحرية”، ويهدف إلى وقف صعود الصين، حيث تفكر الولايات المتحدة الآن في توسيع التجمع من خلال تضمين كوريا الجنوبية وفيتنام وفرنسا.
إن الولايات المتحدة حذرة من الصين لأنها تخشى أن تتوقف عن كونها القوة العظمى في العالم عاجلاً أم آجلاً، ولهذا السبب تحاول الولايات المتحدة قمع الصين قبل أن تتفوق عليها في القوة العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة، ولكن على الرغم من أن اليابان وأوروبا حليفان سياسيان للولايات المتحدة، إلا أنهما يدركان أنه من الضروري الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع الصين لتسهيل تعافيهما الاقتصادي من الوباء.
ربما تحاول الولايات المتحدة إشعال حرب بين الدول الآسيوية لتجنب المواجهة المباشرة مع الصين، لذلك لا ينبغي للدول الآسيوية أن تقع في هذا الفخ لأن ذلك سيعوق نمو آسيا ويسمح للولايات المتحدة وأوروبا بالسيطرة مرة أخرى على العالم وآسيا على المدى الطويل.
وهي- أي الولايات المتحدة- تحاول عزل الصين بمساعدة حليفتيها اليابان وكوريا وبعض الدول الأعضاء في الآسيان، وذلك لضمان بقائها زعيمة للاقتصاد العالمي، ولكن تحتاج اليابان إلى دعم التنمية الاقتصادية في آسيا، وتقوية العلاقات الاقتصادية مع الدول المجاورة ودول الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الحفاظ على تعاونها السياسي مع الولايات المتحدة، لهذا لا شيء سيكون أكثر خطورة وعديم الجدوى إذا حاربت اليابان من أجل الولايات المتحدة ضد الصين، لذلك يجب تجنب مثل هذا السيناريو بأي ثمن.
في الواقع يجب على اليابان ودول الاتحاد الأوروبي المساعدة في تعزيز الاقتصاد العالمي من خلال تنسيق سياساتهما، والتعاون مع الصين والهند ودول الآسيان، كما يتعين على اليابان باعتبارها قوة اقتصادية وتكنولوجية أن تعمل مع الصين لتحقيق الاستقرار والازدهار العالميين.