تقنيات التحول الرقمي في عصر كورونا
تنبثق أهمية التحول الرقمي اليوم من إستراتيجيات التعامل مع أزمة فيروس كورونا نفسها، إذ أن طرح إستراتيجية التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل والانعزال عن طريق استخدام أماكن سكننا كملاجئ مؤقتة، جميعها فرضت حلول التحول إلى العالم الرقمي وخدماته الإلكترونية.
ويعرف التحول الرقمي على أنه عملية انتقال تستخدم فيها التقنيات الرقمية في بناء العمليات التجارية الجديدة أو التعديل على نموذج الأعمال الموجود مسبقاً، لتبسيط الإجراءات وتوفير سهولة الوصول تلبية للمتطلبات المتغيرة وتماشياً مع التكنولوجيا الحديثة والزبائن الرقميين. ويفرض التكيف المستمر مع متطلبات العملاء وتغيرات السوق على المؤسسات، إدخال التقنيات الرقمية على نموذج أعمالها الحالي، تبعاً لتخصّصها ونوع عملها، بدءاً من الحضور على مواقع التواصل الاجتماعي واستخدام تطبيقات الجوال والحوسبة، وصولاً إلى أمن المعلومات وتحليل البيانات والخوارزميات المتقدمة والواقع المعزّز والذكاء الصناعي والطباعة الثلاثية الأبعاد ومنصات إنترنت الأشياء وغيرها.
وكانت فكرة التوجّه العالمي إلى الخدمات الإلكترونية فيما يخصّ عمليات البيع والشراء والوصول إلى الخدمات الأساسية منها أو التعليمية والترفيهية، تثير لدى البعض نوعاً من الاستخفاف، وخاصة في العالم العربي، حيث قلة من الشركات نجحت في استقراء المستقبل، وحتى تلك التي فهمت التوجّه المقبل تكاسلت في البدء بوضع خطة مستقبلية أو حتى خطط بديلة في مواجهة الأزمات الطارئة، ودراسة التغيرات الحالية في السوق ورصد سلوكيات المستهلك، لوضع سيناريوهات محتملة تحت ما يُسمّى إدارة المخاطر.
إن الانخراط بالعالم الرقمي والتفاعل معه لم يعد خياراً اليوم، بل أصبح من الضروري إعادة النظر في خطط التحول ورفع مستوى البنية التحتية الرقمية، وتوظيف المهارات الجديدة من أجل الحصول على فرصة أفضل للتنافس في ظل الوضع الجديد. كما أصبح من العاجل تطوير الأفكار التقليدية وتحويل الخطط الإعلانية والتسويقية الكلاسيكية إلى خطط أكثر مرونة واستجابة مع الأحداث الطارئة بدلاً من السير على خطة واحدة ثابتة.
وجاء الفيروس حاملاً معه تغييراً جذرياً في عادات السوق والإنتاج ومجمل التفاصيل المتعلقة به، فلا أسواق على الأرض ولا زبائن فعليين، كما أن الاحتياجات المستجدة والاهتمامات المتغيرة والسلوكيات الجديدة كشفت قدرة الشركات على التعامل مع الطلب الإضافي على الخدمات الرقمية ودرجة مرونتها في اتخاذ قرارات التحول الرقمي أو القيام ببعض التحسينات التكنولوجية بحسب قدرتها الفردية. أما بالنسبة إلى العاملين في التسويق الرقمي، فلم يأتِ في بال أحدهم حتى في أجمل أحلامه أن تأتيه فرصة كهذه. الناس في بيوتهم وأدواتهم شاشاتهم الصغيرة، حيث يتنقلون على مواقع التواصل الاجتماعي، فماذا يلزم بعد؟ فرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى بهذه المعطيات نفسها.
أما الشركات التي وضعت جُلّ اهتمامها وطاقتها في السنوات الماضية في محاولة تغيير سلوك المستهلك وشدّ انتباهه إلى ميزات العالم الرقمي، فما عادت بحاجة لبذل كل هذا الجهد اليوم، ولاسيما ما يخصّ عمليات الشراء والطلب والتفاعل الإلكتروني، فالفيروس تولى المهمة فور وصوله محولاً أنظار المستهلكين إلى الخدمات الإلكترونية ومجبراً الناس على التوجّه إلى البحث والاستثمار فيها، حيث حدث تحول كبير في سلوكيات البحث انطلاقاً من ارتفاع المخاوف بشأن الفيروس وزيادة فترة الجلوس أمام الشاشات الصغيرة، فتصدّرت مواضيع الصحة والتعقيم قائمة البحث، وتوزع الاهتمام على خمس فئات رئيسية هي التسوق والتنظيف والصحة والترفيه والتعليم.
(وكالات)