ثقافةصحيفة البعث

عبد الله جدعان: الإبداع قمة السعادة.. وإن غابت الثقافة والفنون عاد الجهل

تتيه المشاعر وأنت تحاور الفنان عبد الله جدعان المتميّز بتنوعه الثقافي وسلوكه، عدة مشارب متنوعة للتعبير عن مكنونات صدره والتفسير الخاص وترجمة مواهبه، فمرة تجده على خشبة المسرح يئنّ ببوح وجداني عالٍ مع أنين خشبة المسرح نفسها وهموم أهل الاختصاص فيه، ومرة تجده يطارد فراشات الخيال في الكتابة للأطفال الصغار قصصاً من وحي الأساطير الحياتية، وهناك زاوية للقلم الناقد تجده يكتب نقداً ما هنا أو تحليلاً لعمل أدبي هناك، ونحن نلملم معه ذكريات رحلته الإبداعية تلك كان لـ”البعث” هذه الوقفة معه

البذرة الأولى

عبد الله جدعان المثابر الدؤوب على التنوع الثقافي تحدث عن البدايات وشغف الفن والتعلق بالمسرح قائلاً: بدأت في سبعينيات القرن المنصرم من خلال تقديم بعض العروض المسرحية القصيرة من تأليفي وإخراجي وتمثيلي، وبعد أن حظيت بتشجيع المدرّسين والزملاء في المدرسة أصبحت مشاركاتي في كل مناسبة تقام داخل المدرسة، من هنا كانت البذرة الأولى لولوج عالم المسرح.

وعن أهم المحطات التي أثرت ودعمت تجربته الفنية، أضاف: بعد أن أكملت الدراسة المتوسطة عام 1976 انتسبت لفرقة المسرح الريفي التابعة لوزارة الزراعة، وقدّمت عدداً من المسرحيات التي كانت تعرض في القرى والأرياف النائية لطرح سلبيات وإيجابيات الفلاح في الزراعة والجني، وبعد إكمال الدراسة عُيّنت كمشرف فني في دائرة النشاط المدرسي التابعة لوزارة التربية، هذه الدائرة فتحت آفاقاً كبيرةً لي من خلال المشاركة في مهرجانات مسرحية لثلاث فئات: الأطفال، الفتيان، الكبار، وشاركت كمؤلف ومخرج للعديد من المسرحيات ونلت العديد من الجوائز، ومن أبرزها ثلاثة أوبريتات غنائية بالمرتبة الأولى، وقبل أن أحال على التقاعد عام 2019 قدمت أعمالاً مسرحية عديدة للصغار من تأليفي وإخراجي، وللكبار من إخراجي مسرحيتان “حلم المطر، دائرة القتل والسبايا”، كما كانت لي تجارب في التلفزيون ما بين تمثيلية وسهرة، وفي السينما فيلم من تأليفي وإخراجي نال المرتبة الأولى بعنوان “صرخات” عن الأطفال ورفضهم لأفعال داعش الإجرامية في مدينة الموصل.

اكتشاف المواهب

تولّى جدعان العديد من الأعمال الإدارية ومنها تطوير المسرح المدرسي، وعن علاقته بالمواهب الصاعدة أجاب: شغلت منصب مدير قسم الفنون المسرحية في النشاط المدرسي، وعملت مع فريق فني وإداري بعد أن تعلمت من أساتذتي الذين سبقوني في هذا العمل، فقدمت الكثير من الأعمال المسرحية والسينمائية والأوبريت الغنائي والمشاركة في مهرجانات فنية تقام على مستوى المحافظة والعراق، ومن خلال تلك الأعمال اكتشفت مع بقية الزملاء المخرجين (أي المشرفين) الكثير من المواهب لدى التلاميذ والطلاب، وحالياً أصبح منهم من هو مدرّس في كلية  أو معهد الفنون، ومنهم من هاجر إلى خارج الوطن وأصبح له شأن في مجال الفن.

المسرح الغائب

بالتأكيد هناك هموم وإرهاصات وتعب في الطريق المحبّب والمضني معاً، وعن كيفية تذليل الفنان جدعان لتلك المعوقات قال: مؤكد حينما نتعامل مع أطفال أو فتية يتطلّب ذلك الكثير من الجهد في إيصال المضمون من خلال الممثل إلى المتلقي في المهرجانات والمسابقات، ناهيك عن العوائق الإدارية والروتين الذي يقف عائقاً أمام توفير مستلزمات العرض المسرحي، وكثيراً ما نقوم بشراء تلك المستلزمات من جيوبنا الخاصة، والمحزن في هذا الجانب حينما احتل داعش مدينة الموصل دمّر كل قاعات العرض المسرحي، والظروف الاقتصادية التي يمر بها العراق جعلت المسرح غائباً تماماً، لذا اقتصر على عروض نخبوية للطلبة الخريجين من كلية ومعهد الفنون.

أمنيات

وعن المرجو والمأمول لتحقيق حلمه المسرحي أجاب عبد الله جدعان: أنا فنان وكاتب بحوزتي الكثير من النصوص والأفكار، لكن اليد الواحدة لا تصفق أبداً، هناك مهرجانات مسرحية تقام في بلدان الوطن العربي، لكن من يقوم بتمويل مستلزمات العرض؟ كما لا يوجد مكان للتدريب؟ لذا انزويت لكتابة القصص للأطفال والروايات للفتيان والمسرحيات، وصدرت لي مجموعات قصصية وروايات للفتيان من دور نشر عربية وكتابين يضمان نصوصاً مسرحية، وهناك كتب أخرى في مرحلة الطبع.

في الختام

وفي ختام حديثه قال عبد الله جدعان: الإبداع قمة السعادة، وحينما تكون ممثلاً ومخرجاً وكاتباً ولا تجد من يمدّ لك يد العون، ستصاب بالإحباط شيئاً فشيئاً، لأن الثقافة والفنون غابت وعاد الجهل، ولأن المسرح هو مرآة عاكسة للحياة ودروس في الجمال والثقافة، اختم بقول لحكيم “قد تتحمل الألم ساعات، لكن لا ترضى باليأس لحظة”.

الجدير بالذكر أن عبد الله جدعان، كاتب وفنان موهوب في مجال التمثيل والتأليف والإخراج المسرحي، له سيرة عطاء تمتد ما يقارب الأربعين عاماً، كما كتب العديد من النصوص المسرحية للصغار وللكبار وكذلك السيناريو، شغل مناصب فنية وإدارية كثيرة منها: عضو اتحاد الأدباء والكتّاب في العراق، عضو نقابة الفنانين العراقيين، عضو اتحاد الأدباء الدولي/ كندا، رئيس تحرير موقع ملتقى الحضارات للكتاب والمفكرين العرب/ ألمانيا، مدير فرع دار ثقافة الأطفال بالموصل، مدير قسم الفنون المسرحية في النشاط المدرسي، ويعيش في مدينة الموصل، مدينة الحضارة والفنون والجمال، مدينة أحيقار الحكيم.

جمان بركات