دراساتصحيفة البعث

فشل “ديمقراطية” أمريكا المزعومة

هناء شروف

على الرغم من تدريبات “بناء الدولة” الأمريكية التي استمرت 20 عاماً تقريباً هناك، إلا أن السرعة الخاطفة التي استولت بها طالبان على السلطة في أفغانستان جعلت الرئيس الأمريكي جو بايدن موضع انتقادات كثيرة، من أهمها أن عودة طالبان إلى السلطة شوّهت صورة الولايات المتحدة، وخاصةً في قراءة الموقف من قبل بايدن الذي ينظر إليه على أنه خبير بارز في السياسة الخارجية.

كان قرار سحب القوات من أفغانستان قراراً محفوفاً بالمخاطر السياسية، فقد تفاوض الرئيس السابق دونالد ترامب على صفقة مع طالبان في عام 2020 وكان الهدف من الاتفاق تعزيز إستراتيجية واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ، لكن ترامب نقل مسؤولية الانسحاب الفعلي إلى بايدن الذي مدّد الموعد النهائي للانسحاب إلى 31 آب الحالي.

وبسبب مخاوفه الإستراتيجية، وخاصةً فيما يتعلق بالأمن القومي، كان على بايدن وإدارته تصحيح “الأخطاء” التي ارتكبتها الإدارة السابقة، وكان سحب القوات من أفغانستان بالنسبة له سيصبح أحد تلك الأخطاء.

إلى جانب ذلك، فإن بايدن يائس من حشد المزيد من الدعم من أجل الفوز في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل من خلال الإظهار للناخبين أنه يستطيع اتخاذ قرارات “صعبة” لمصلحة الولايات المتحدة. لذلك اضطر إلى تمرير مشروع قانون البنية التحتية وسحب القوات الأمريكية هذا العام لتخفيف حدّة بعض التفوق الذي يتمتع به الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي. وهذا أمر مهمّ، لأن خسارة المقاعد في الانتخابات النصفية قد تعني خسارة الديمقراطيين للأغلبية في كل من مجلسي الشيوخ والنواب، الأمر الذي سيوجّه ضربة كبيرة لسياسات بايدن الداخلية والخارجية.

كما يُنظر إلى عدم استعداد القوات الحكومية الأفغانية لمحاربة قوات طالبان، مع تخلي العديد منها عن مواقعه، على أنه فشل ذريع للاستخبارات الأمريكية في دراسة الوضع على الأرض أو فهم نفسية الشعب الأفغاني. ولهذا قال الكثيرون إن الانسحاب من أفغانستان هو “سايغون بايدن” لأن صور طائرة الهليكوبتر التي كانت تحلق فوق السفارة الأمريكية في كابول في 15 آب لإجلاء موظفي السفارة تقارن بصور مماثلة لسقوط سايغون في عام 1975 والتي أنهت حرب فيتنام.

ومع ذلك، فإن الانسحاب لا يعني أن الولايات المتحدة لن يكون لها أي علاقة بأفغانستان بعد الآن، فمن المرجّح أن تستخدم السياسات والحيل لمعارضة طالبان والاحتفاظ بنفوذها الجيوسياسي في آسيا الوسطى، لكن بغض النظر عما يريد بايدن أن يفعله في المستقبل، فإن الوضع الحالي في أفغانستان قد وجّه ضربة كبيرة للإستراتيجية الدبلوماسية للولايات المتحدة، حتى أن الانسحاب المتسرّع من أفغانستان يشير إلى حدود الهيمنة الأمريكية ويظهر أنه على الرغم من كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم، إلا أنها لا تستطيع تحقيق جميع أهدافها الإستراتيجية سواء في أفغانستان أو في أماكن أخرى. ترسم الصور ومقاطع الفيديو من كابول صورة مؤسفة لهيمنة الولايات المتحدة المتلاشية في عالم سريع التغيّر ينتقل من أحادية القطبية إلى التعدّدية.