ألعاب طوكيو الأولمبية تقهر فيروس كورونا بأرقامها القياسية
“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر
تعتبر المشاركة في الألعاب الأولمبية حلم كل رياضي مهما كان اختصاصه، والتتويج بإحدى ميدالياتها الملونة هو الغاية التي يجهد في تحقيقها طوال مسيرته. وفي الدورة الثانية والثلاثين من الألعاب الأولمبية الصيفية التي استضافتها مدينة طوكيو اليابانبة على مدى ستة عشر يوماً، شهدنا العديد من اللحظات المؤثرة في تاريخ الرياضة، وخاصة لجهة الأرقام التي حققتها الدورة ككل، رغم كل الشكوك والمشكلات والظروف الخاصة التي أحاطت بها، من تأجيلها عاماً بسبب انتشار جائحة كورونا مروراً بتراجع أداء كثيرٍ من الرياضيين خلال المنافسات التأهيلية الأخيرة نتيجة قلة المشاركات وبسبب توقف أغلب الأنشطة. لكن المفاجئ أن الأولمبياد جاء مخالفاً لكل التوقعات من حيث لغة الأرقام، فشارك في الدورة نحو 11 ألف رياضي شغلوا 42 موقعاً في جميع أنحاء اليابان، وتنافس الرياضيون المنتمون إلى 205 لجنة أولمبية وطنية على 339 ميدالية، ونصف المشاركين تقريباً – بحسب اللجنة الأولمبية الدولية – كان من العنصر النسائي.
لكن أهم هذه الأرقام جاء، بطبيعة الحال، من الألعاب نفسها التي عرفت تحطيم 17 رقماً قياسياً عالمياً مختلفاً، والعديد من الأرقام الأولمبية، أي أن الرياضيين استطاعوا التغلب على التأثير السلبي للجائحة في تدريباتهم، فشهدت منافسات التجديف، التي تختلف في احتساب أرقامها عن بقية الرياضات طبقاً لأحوال أماكن المنافسة، 5 أرقام جديدة، وفي ألعاب القوى تحطمت 4 أرقام قياسية عن طريق النرويجي كارستن فارهولم في سباق 400 متر حواجز، والأمريكية سيدني ماكلوفلين في سباق السيدات، والفنزويلية يوليمار روخاس في الوثب الثلاثي للسيدات، وكذلك العداءة الجامايكية إيلين تومسون التي حطمت الرقم الأولمبي لسباق 100 م سيدات، وتحطمت 3 أرقام قياسية في سباقات الدراجات، في حين ظهرت 6 أرقام قياسية جديدة في السباحة، كما شملت الأرقام الجديدة الرماية كتحطيم الكورية الجنوبية صن آن للرقم الأولمبي بحصدها 680 نقطة، إلى جانب التسلق الرياضي في ظهورها الأولمبي الأول، وحطم الفريق الأسترالي لسباحة السيدات الرقم القياسي العالمي لسباق التتابع 400 م، وفي نفس السباق ولكن للرجال استطاع الفريق الأمريكي كسر الرقم القياسي العالمي.
كما حطم الرباع الجورجي لاشا تالاخادزه 3 أرقام قياسية عالمية في مسابقة واحدة في رفعة النتر لوزن فوق 109 كغ للرجال، إلى جانب رفعة الخطف والمجموع، عربياً سجل الرباع القطري فارس حسونة رقماً قياسياً أولمبياً جديداً عن فئة 96 كغ.
ونلاحظ في الدورات الأخيرة هوس كثيرٍ من الرياضيين بالأرقام القياسية وتحطيمها، وهنا تنقسم الآراء بين مؤيدٍ يشجع على ذلك بوصفه أحد أوجه تطور الرياضة ويبحث عن الأساليب الدافعة لتحقيق هذه الغاية، وبين معارضٍ بحجة أن الهدف الأساسي من الرياضة بشكل عام، والألعاب الأولمبية بشكل خاص، ليس تحطيم الأرقام ولكن المشاركة فيها، ويحتجّ بنظرية واقعية هي أن تحطيم الأرقام القياسية لا يضمن بالضرورة حصد ميدالية، وسنقوم بتفسير وجهتي النظر هاتين نظراً لما تشغلانه من اهتمام قبل وبعد كل دورة ألعاب أولمبية أو حدث رياضي كبير، والبداية من النظرية الثانية، فهناك عبارة قديمة في رياضة السباحة تقول إن “الأرقام القياسية خلقت لتحطم بينما تعيش الميداليات إلى الأبد”.
لم ينجح أكثر من نصف السباحين في الدورات الأولمبية السابقة والذين حققوا أرقاماً عالميةً جديدةً في الأشهر التي تسبق الأولمبياد في الفوز بسباقاتهم، حيث حقق ستة سباحين مختلفين أرقاماً قياسية قبل دورة سيؤول الأولمبية عام 1988 لكن سبَّاحة واحدة هي الأمريكية جانيت إيفانز نجحت في الفوز بميدالية ذهبية في سباق 800 م حرة، وكسر البولندي آرتور فويدات الرقم العالمي في سباق 400 متر حرة لكنه لم ينجح سوى في نيل المركز الثالث في السباق النهائي في الأولمبياد بينما جاءت الصينية يانغ ونغي حاملة الرقم العالمي في سباق 50 م حرة في المركز الثاني، ومن بين ستة سباحين حققوا أرقاماً قياسية في الفترة التي سبقت دورة سيدني لم ينجح سوى ثلاثة فقط في الفوز بذهبيات في السباقات النهائية؛ وتكرر الأمر في دورة أثينا 2004 عندما فشل ثلاثة سباحين من ستة حققوا أرقاماً عالمية قبل الأولمبياد في الفوز بميداليات ذهبية في السباقات النهائية.
أما فيما يخصّ النظرية الأولى، فيدافع عنها معتقدوها بأن الحافز الذي يدفع الرياضي للفوز هو نفسه الذي يدفعه لتحطيم الأرقام القياسية أي التدريب والإرادة ومواكبة التطور الدائم، لكنهم يقفون عند سؤال مهم! ما هي حدود الرياضي وهل من سبيل لضمان استمراريته في الارتقاء بمستواه؟ واجابة هذا السؤال تأخذ منحىً علمياً بحتاً، حيث يعتبر بعض العلماء أنه سيصبح من شبه المستحيل كسر الأرقام القياسية الرياضية مستقبلاً دون اللجوء إلى المنشطات أو التعديل الجيني أو التكنولوجيا المستقبلية مهما كانت، ويدعمون اعتقادهم بركود كثير من الأرقام القياسية، كالرقم القياسي العالمي للقفز الطويل لدى الرجال الذي يعود لعام 1991، والرقم القياسي للقفز بالزانة لدى الرجال لم يكسر منذ عام 1994، والإنجازات في السباحة للمسافات القصيرة تراجعت منذ حظر البدلات التي تحد من قوة الجر في 2010.
فرغم أن الأرقام القياسية ما زالت تكسر في الكثير من الرياضات، لكن الهوامش تزداد ضيقاً، وبحسب آخر الدراسات الرياضية البريطانية-الفرنسية المشتركة وبعد دراسة الأرقام القياسية الأولمبية منذ انطلاقها بشكلها المعروف حالياً عام 1896، فإن الرياضيين وصلوا إلى 99 % من الممكن ضمن حدود الفيزيولوجيا البشرية الطبيعية، وبحدود 2027 سيكون نصف الأحداث الرياضية التي أجريت عليها الدراسة، قد وصل إلى حدوده القصوى، ولن تتحسن أرقامه بأكثر من 0.05 % بعد ذلك.
وعند أخذ سباق 100 متر جري للرجال، الذي يعتبر مقياس التسارع البشري والسرعة، تتوقع الدراية أن ينجز في 9.4 ثوان كحد أقصى، وطبعاً لا يأخذ هذا التوقع في الاعتبار ظهور عدائين استثنائيين مثل الجامايكي أوساين بولت، الذي يحمل حالياً الرقم القياسي العالمي للسباق مع 9.58 ثوان.
ودائماً مع الأرقام القياسية، فبعد إسدال الستار على دورة طوكيو، جرى البحث عن أسباب نجاح الكثير من الرياضيين في تحطيم الأرقام القياسية العالمية أو الأولمبية، ويمكن أن نلخص تلك الأسباب بالمضمار (الملعب) فمضمار الملعب الأولمبي في طوكيو، الذي افتتح عام 2019 وبالكاد تم استخدامه بسبب فيروس كورونا، كان له تأثير إيجابي كبير على أداء المتسابقين، ويقول مصمم الملعب أنه تم استخدام أحدث التقنيات وأجود المواد في إنشاء المضمار، كما لعبت الحرارة دوراً غريباً، فبرغم ان الناس يعانون من أشعة الشمس عند ممارسة الرياضة في الصيف، ولكن بالنسبة للرياضيين ارتبطت درجات الحرارة المرتفعة دائماً بالأداء الأفضل.
وهناك عامل التطور التدريجي في الأوقات المحققة، والذي يندرج ضمنه التطور التكنولوجي في أساليب التدريب ونوعيتها، ومن الأساب التي يتم تداولها أن غياب الحشود في مدرجات الملاعب في طوكيو أراح الرياضيين من الضغوط النفسية الهائلة، إذ إن الملعب الأولمبي في طوكيو يسمح بحضور 68 ألف متفرج، وفي غياب هؤلاء بسبب التخوف من فيروس كورونا، واجه الرياضيون توتراً أقل، وأخيراً المعدات الرياضية كالحذاء الرياضي، فبعد فوزه في سباق 400 م حواجز للرجال، لم يشعر العداء النرويجي كارستن فارهولم بالكثير من السعادة، باعتبار أنه لم يكن الوحيد الذي كسر رقمه الشخصي، بل نجح في ذلك أيضاً الأمريكي راي بنجامين الذي فاز بميدالية فضية، وتذرع فارهولم بأن الحذاء الذي يستخدمه بعض منافسيه في المسابقات، يحتوي على بعض المواد التي تساعد على الوثب وتسريع الخطى، وهي في الأساس صفائح ألياف الكربون والرغوة داخل كعب حذاء السباق.