مجلة البعث الأسبوعية

العامل فداء شيلي غامر بروحه لإغلاق صنبور الفيول وتغيير مساره!! محطة بانياس الحرارية.. قصة 15 ساعةً من الصبر والمجازفة!!

“البعث الأسبوعية” ــ وائل علي

لم تكن الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الإثنين، قبل الفائت بتوقيت محطة توليد بانياس الحرارية، كباقي ساعات المحطة الاعتيادية، فقد تحول كل شيء في لحظة إلى نكبة حقيقية لمحطة التوليد، وللبيئة الساحلية على حد سواء، وفقاً لوصف فراس علي أحد العاملين في المحطة وعضو قيادة الشعبة العمالية، وذلك نتيجة تسرب مفاجىء وغير محسوب لمادة الفيول من أحد الخزانات الخمسة التي تغذي اثنتين من عنفات توليد الكهرباء المزودة للشبكة العامة بـ ١٧٥ ميغا واط كهرباء تقريباً، يضاف لها مئة ميغا واط تنتجها العنفة الغازية.

 

الاغتسال بالسواد

لقد ألبس تسرب الفيول شوارع المحطة باللباس الأسود المضمخ بروائح النفط والفيول الذي غطت آثاره كامل شوارع المحطة وساحاتها ما اضطر إدارتها إلى رش طبقة من التراب الأبيض لتفادي الانزلاق وتسهيل حركة الآليات والعاملين.

عيسى صواف مدير عام محطة توليد بانياس لم يصدق ما رآه عندما شاهد، في الأسفل، نافورة تندفع مسافة أربعة أمتار على الأقل بفعل ضغط الخزان الذي يتسع لستة عشر ألف طن من الفيول، وبحرارة تصل لحدود الثمانين درجة مئوية، وقد امتلأت مسافة ومساحة الأمان، المحيطة بالخزان، بالفيول الذي وصل ارتفاع منسوبه في محيط الخزان إلى حدود المترين، ليبدأ فيضانه باتجاه الأراضي المحيطة وصولاً للبحر!

في تلك الأثناء، كان عمال ومهندسو وإدارة المحطة يهرعون لتغيير مسارات الفيول المتسرب في ظروف عمل عالية الخطورة لإغلاق وفتح الصنابير لتوجيهها باتجاه الخزانات المجاورة، وإغلاق مسار أقنية المصارف المطرية لمنع تسرب المزيد من الفيول باتجاه البحر، وتجميع ما يمكن تجميعه ليعاد ضخه باتجاه الخزانات. وقد أظهر الجميع استبسالاً، يصعب وصفه بالكلمات، في طريقة وسرعة التعاطي مع الحالة الطارئة، وصلت حد المغامرة بالروح كما فعل العامل فداء شيلي أثناء محاولته الناجحة للوصول إلى نقطة إغلاق الصنبور للتخفيف من تدفق الفيول وتغيير مساره.

استعادة 85%

تمخض عن الجهود المبذولة لمواجهة هذه الكارثة استعادة حوالى ١٣٠٠٠ طن من الفيول المتجمع في الأحواض والسواتر الترابية إلى الخزانات أي بما يعادل 85% من الكمية المتسربة والمطوقة حول الخزانات، وذلك فق تأكيدات الصواف الذي أشار إلى أن إجمالي سعة الخزان المضروب تصل حدود ١٦٠٠٠ طن.

وقدر الصواف حجم الفيول الواصل إلى البحر وخسرته المحطة بحدود أربعة أطنان وما بين عشرة إلى خمسة عشر طناً داخل المحطة..!

وعن إمكانية إعادة الاستفادة من الفيول المتسرب بحراً أو براً، أوضح صواف أنه لا بد من الانتظار حتى يقذفه البحر إلى الشاطىء، ليتمكن عمال المحطة من معالجته بالطرق الفنية المعتادة؛ أما الكميات التي جمعت في الأحواض فسيتم إعادة ضخها إلى الخزانات والباقي للمصفاة لتخليصه من الشوائب العالقة.

لجنة

وفي الوقت الذي لم يؤكد فيه الصواف حتى اللحظة الأسباب التي أدت للتسرب بسبب عدم القدرة على الوصول إلى المكان الذي بدأ منه التسرب، بين أن وزارة النفط شكلت بتاريخ ٨/٢٨ لجنة للكشف على كافة منشآت التخزين النفطية بالمنطقة الساحلية، مهمتها تقييم الوضع البيئي والفني للخزانات، واقتراح الحلول لتلافي الأخطار والأعطال الفنية، التي قد تنشأ وتلافي أثرها على السكان والبيئة والتحقق من تفعيل عمليات التفتيش الفني ودوائر الأمن والسلامة، وضمت اللجنة معاون وزير النفط لشؤون النفط والغاز رئيساً، وعضوية مديرا الترحيل والدراسات بمصفاة بانياس، ومديرا العمليات والهندسة بالسورية لنقل النفط، وممثلاً عن وزارة الكهرباء ومحافظة طرطوس، مضيفاً أن العمل لا يزال جارياً لاسترجاع حوالى ثلاثة آلف طن فيول.

تحت السيطرة

ويقول الصواف: كنا نعمل رغم الظروف البالغة الخطورة والصعوبة حرصاً على ألا تتوقف عنفات التوليد، وتمكنا بجهود وخبرة واندفاع عمالنا ومهندسينا الجبارة، بمؤازرة من الشركة السورية للنفط وشركة مصفاة بانياس، من السيطرة على التسرب ووقفه بحدود الساعة الثالثة من فجر اليوم التالي – الثلاثاء – أي بعد خمسة عشر ساعةً من التحدي والصبر والمجازفة التي كانت تلاحق عمالنا، وبحدود الساعة الخامسة صباحاً أعدنا ضخ الفيول إلى الخزانات التي تشغل عنفات التوليد قبل أن ينفذ الفيول تفادياً لتوقفها.

ممتازة

ووصف الصواف الحالة البيئية اليوم على الشاطىء بالممتازة ويتم متابعة التخلص من آثار التلوث بالفيول داخل المحطة بشكل يومي وعلى مدار الساعة، نافياً بوجود لجنة للتحقيق بالأسباب التي أدت لحادثة التسريب التي قيل أنها ستقدم تقريرها خلال شهر

أول حالة

أمين الشعبة العمالية، الرفيق سمير إسماعيل، قال: هذه أول حالة تمر بها المحطة منذ تأسيسها، وقد أدى تضافر الجهود إلى السيطرة على التسرب بأقل مدة زمنية وبأقل الخسائر.

مدير البيئة، الدكتور علي داوود، بين أنه تم وقف التسرب للبحر منذ الساعات الأولى، وأن 90% من المشكلة تم معالجته.

بعد شهرين

محمود رمضان مدير عام مؤسسة توليد الكهرباء أكد أنه لم يتم رصد أي بقعة نفطية في البحر، والخلل الذي حصل لا يتجاور النصف ساعة، مشيراً إلى عدم إمكانية تحديد أسباب ما جرى، ولماذا جرى، إلا بعد شهرين وتفريغ الخزانات، أما تقييم الحالة الفنية للخزانات المتبقية وإمكانية تعرضها لظروف العمل والطقس نفسها، فيحتاج لأربعة أشهر.

اجتهاد

محافظ طرطوس صفوان أبو سعدى بين أن طول التلوث بلغ ثلاثة كيلومترات، وأن المحافظة تجتهد باتجاه إبعاد التلوث عن البحر والتقليل من حجم الكارثة، مبيناً أن الكميات – على ما يبدو – أكبر بكثير من توقعات المحطة بسبب وصول التلوث لشواطىء جبلة واللاذقية وفق تأكيدات مديرة البيئة في محافظة اللاذقية، وبالتالي يجب توصيف وتحديد الواقع بشكل دقيق، وزج كل الإمكانيات لمعالجة انتشار الفيول.

وأضاف أبو سعدى أنه تم تشكيل لجنة برئاسة نائب المحافظ بسام حمود وعضوية عضو المكتب التنفيذي المختص، ومدراء محطة توليد بانياس، والموارد المائية والصرف الصحي، ومحروقات، والبيئة، ورئيس مجلس مدينة بانياس، ورئيس قسم الجاهزية في المحافظة، مهمتها معالجة مادة الفيول المنتشرة قي المحطة ومعالجة تلوث البحر وكافة الآثار الناجمة، على أن تضع كافة الدوائر والمؤسسات والشركات آلياتها بتصرف اللجنة، مشيراً إلى وضع مبلغ عشرة ملايين ليرة تحت تصرف اللجنة لتأمين كافة الاحتياجات من معاول وشراء القصب والخيش وغيرها.

وأكد المحافظ أنه تم تحديد مهلة ثلاثة أيام تنتهي الأحد (قبل ثلاثة أيام – المحرر) لمعالجة آثار الفيول داخل المحطة، وخمسة عشر يوماً لمعالجة آثار التسرب في مياه البحر وعلى الشواطىء.

 

إذا..

لقد تمكنت محطة التوليد بجهود إدارتها وعرق عمالها ومهندسيها ومؤازرة شركتي السورية للنفط ومصفاة بانياس من النجاة من كارثة تشغيلية وبيئية محققة بأقل الخسائر والأضرار الممكنة، والتي يبدو أنها تحتاج لوقت ليس بقصير لمعرفة أسبابها، والمسؤولين عنها؛ ولا بد من تحديد حجم الخسائر المادية والبيئية والمعنوية التي أصابت المحطة والبيئة البرية والبحرية التي وصلت آثارها لشواطىء اللاذقية بفعل التيارات البحرية ووجهة الريح..!

 

ولكن..

قبل سنوات الحرب، وخلال العقد الذي سبقتها، دعانا مدير بيئة طرطوس – حينها – حسن مرجان مع عدد من الإعلاميين لحضور تنفيذ بيان عملي لإزالة بقعة نفطية حقيقية من مياه البحر على شاطىء مصب النفط باستخدام الطرق الحديثة المتبعة دولياً في معالجة مثل هذه الحالات، والتي تتمحور بإحاطة البقعة النفطية بطوق من شباك وسلاسل خاصة يعمل على التحكم بها قارب مطاطي لسهولة حركته مع استخدام المذيبات والمجمعات الكيميائية الخاصة والمضخات القادرة على جمع كل البقع بيسر وسهولة؛ وقد نجح البيان العملي نجاحاً باهراً.

لكننا حين حاجتنا لهذه التجهيزات فعلياً تبخرت، ولم نجد لها أثراً مع الأسف، ولا نعرف أين ذهبت، ولا فيما إذا كانت لا زالت موجودة أم لا، وعند أي جهة، ولماذا لم يتم الاستعانة بها…!؟

 

 

تم وقف التسرب للبحر منذ الساعات الأولى.. و90% من المشكلة تم معالجته.

 

تمت استعادة حوالى ١٣٠٠٠ طن من الفيول المتجمع في الأحواض والسواتر الترابية إلى الخزانات أي بما يعادل 85% من الكمية المتسربة والمطوقة حول الخزانات.

الحالة البيئية اليوم على الشاطىء بالممتازة ويتم متابعة التخلص من آثار التلوث بالفيول داخل المحطة بشكل يومي وعلى مدار الساعة.

 

طول التلوث بلغ ثلاثة كيلومترات.. والمحافظة تجتهد باتجاه إبعاد التلوث عن البحر والتقليل من حجم الكارثة.