منتخبنا الوطني لكرة القدم بين التفاؤل والتشاؤم.. معاناة ومشقة وأمل كبير بتجاوز كل المنغصات!!
“البعث الأسبوعية” ــ ناصر النجار
أيام قليلة ويخوض منتخبنا معترك التصفيات الآسيوية الأخيرة المؤهلة إلى مونديال قطر، والتصفيات مهمة وحاسمة وقوية، وسيواجه منتخبنا فيها منتخبات عملاقة لها طموح كبير، وجميع المنتخبات التي سنواجهها (إيران وكوريا الجنوبية والإمارات) سبق أن وصلت إلى كأس العالم في مونديالات سابقة، وهي بالوقت ذاته تسبقنا على سلم التصنيف العالمي.. منتخب لبنان وحده من نمتاز عليه بكل شيء والفوز عليه بالمباراتين ضروري ليكون هذا الانتصار ركيزة لمنتخبنا علّ وعسى تكون له الحظوة في التأهل.
البداية ستكون مع المنتخب الإيراني بأرضه – وهي بداية قوية جداً – ثم نستقبل المنتخب الإماراتي في أرضنا المفترضة بعمان الأردنية، وهاتان الجولتان ستحددان الكثير من مصير المنتخب وسترسمان معالم طريقه فضلاً عن أنهما ستعطياننا صورة واضحة عن الأداء والهوية.
رحلة المنتخب إلى هذه التصفيات كانت متعثرة، فتوقفت بسبب كورونا، وزاد من وهن المنتخب وجود المدرب المعلول الذي تعامل مع المنتخب دون الاهتمام المطلوب، وترك خلفه الكثير من الجروح والأسى.
عام من الضياع
علينا أن نعترف أن عاماً (أو أكثر) أمضاه منتخبنا الوطني مع نبيل معلول كان عام الضياع، ويتحمل هذا الضياع اتحاد كرة القدم بالدرجة الأولى. فالمعلول “ضحك على الذقون”، وهو محترف فعلاً بعقده وشروطه والمال الذي قبضه، والذي سيقبضه، والرفاهية التي حصل عليها.
وبالمقابل تعامل مع منتخبنا باللامبالاة والعنجهية، وشق الصفوف لأنه يدرك تماماً أن منتخبنا متأهل مسبقاً إلى هذه المرحلة المهمة من التصفيات.
ولم يتعامل اتحاد الكرة مع المعلول بالاحترافية ذاتها، سواء بالعقد الموقع الذي كانت شروطه كلها في مصلحة المعلول، أم بطريقة إعداده للمنتخب وتعامله معه، ولم يحاسبه على غيابه المستمر عنه. ولعل ما حدث سببه أن اتحاد كرة القدم مقصر مع المدرب من الناحية المالية، فلم يكن يتجرأ على فرض ما يريده عليه، وهذا أدى إلى تسيب وإهمال كبيرين دفع منتخبنا الوطني ضريبته باهظة الثمن. وحصيلة ذلك أننا لم نجد أي لمسة جديدة لهذا المدرب المحترف على المنتخب، بل إن دفاعنا بقي يعاني من الخلل والتفكك والضعف دون أي مبادرة لإصلاحه.
وحول شقّ الصفوف فإن الكثير من الفنيين والإداريين غادروا المنتخب دون إبداء الأسباب، وتم إبعاد العديد من اللاعبين المهمين بشكل مباشر، كعمر خريبين، أو غير مباشر، كعمر السومة الذي فضل الاعتذار على مواجهة عنجهية المدرب. وهذا كله ولّد خللاً في المنتخب وضعفاً في الإعداد والجاهزية ودفعنا ثمنه في أصعب الظروف وأضيق الأوقات.
استراتيجية غائبة
اتحاد كرة القدم يتحمل كامل المسؤولية، سواء في عهد المعلول، أو في العهد الحالي؛ وكما لاحظنا، فإن الاتحاد بأغلب أعضائه أكثر من السفر مع كل مباراة ودية أو رسمية للمنتخب، وكنا نسمع عن اجتماعات واتفاقيات وما شابه ذلك، لكن للأسف كل ذلك كان في الهواء.
ونحن نسلط الضوء في ذلك على غياب المباريات الودية التي تسبق المباريات الرسمية المهمة، وحاول اتحاد الكرة في هذه الفترة تأمين مباراة أو اثنتين لكنه وجد كل الأماكن مشغولة، ولا شاغر واحدا في ملاعب العالم، والسبب أن كل الاتحادات الوطنية تعرف ما عليها وتقرأ جيداً روزنامة النشاط وتتفق مسبقاً على المباريات، إلا نحن فإننا لا نفكر في هذا الأمر بشكل جيد ومدروس، وننتظر من يطلب منا مباراة أو من “يعزمنا!!” على معسكر، وضمن هذا المفهوم استطعنا في الأيام الأخيرة تأمين معسكر في قطر، ولعبنا مباراة واحدة مع منتخب الجزائر بلاعبيه المحليين، وخسرنا اللقاء 1/2.
والاستراتيجية الغائبة تمثلت أيضاً في اللاعبين المحترفين الذين يمكن استدعاؤهم للمنتخب، وقد طال انتظار هؤلاء؛ فمنذ أكثر من عام نبحث عن اللاعبين وهم موجودون، ولكن قد لا يكون للمعلول مصلحة بذلك، أو للبعض أيضاً المتنفذ في أمر المنتخب، فهناك أمور خفية لا داعي لذكرها.
القرار الصحيح
القرار الصحيح الذي اتخذه اتحاد كرة القدم هو اختيار المدرب نزار محروس لتدريب المنتخب الوطني بعد نهاية عهد المعلول بالفشل الذريع. ونحن نشبّه قبول المحروس بالمهمة بنوع من المغامرة أو المقامرة، نظراً لضيق الوقت، ولاستلامه منتخباً مترهلاً مشوه المعالم، مهملاً ويعاني من مشاكل عدة.
لم تكن طلبات المحروس مستحيلة أو تأتي ضمن مفهوم الإعجاز والتعجيز، فقد أراد صناعة منتخب محترف ضمن الظروف والإمكانيات، والأهم اختيار الفريق الذي سيساعده في المهمة من الفنيين، وعدم التدخل في الأمور الفنية واختيار اللاعبين وما شابه ذلك.
ومن المعروف أن استدعاء المحترفين إلى أي معسكر كان ضرب من المستحيل، فقوانين الفيفا لا تجبر اللاعبين على ترك أنديتهم، والأندية تتمسك بلاعبيها في إطار استعدادها للموسم الجديد الذي انطلق في شهر آب في أغلب الدوريات العربية والعالمية.
ما افتقدناه سابقاً وجدناه في المدرب الجديد الذي التزم الحضور والدوام وأقام عدة معسكرات محلية اختبر فيها أكثر من ستين لاعباً محلياً وفق برنامج إعداد يحاكي المراكز وأهميتها، ورأينا أن الاهتمام بالمعسكرات تركز على الجانب البدني، وعلى الخطوط الخلفية، وخصوصاً أن اللاعب المحلي فقير بدنياً، وأن المنتخب يعاني من ضعف واضح في المناطق الدفاعية، وهذه المعسكرات لها فوائد عديدة آنية ومستقبلية.
محترفون جاهزون
الاعتماد على المحترفين هو الأساس لنجاح المنتخب الوطني في مشواره بالتصفيات الآسيوية النهائية المؤهلة لكأس العالم، وذلك لعدم وجود بيئة كروية محلية حاضنة لكرة القدم المنافسة الباحثة عن التطور والتطوير. فالملاعب الصالحة للتدريب غير متوفرة، والعقلية الاحترافية غائبة، والفكر الثقافي في الأندية بعيد كل البعد عن صناعة لاعب محترف؛ لذلك فالاتجاه نحو اللاعب المحترف هو الخيار السليم لأنه عاش وتربى في بيئة احترافية صحيحة بإشراف مدربين اختصاصيين، والأهم من كل ذلك أنه مشبع باللياقة البدنية العالية، وهذه وحدها تختصر على مدرب المنتخب الوقت في إعداد اللاعب بدنياً.
اختيار الملعب
من القرارات الصحيحة التي اتخذها المحروس اختيار الملعب البديل لمباريات المنتخب، وهو ملعب القويسمة في عمان (الأردن)، وسبب الاختيار عوامل عدة، أهمها المناخ الملائم للاعبينا ومنتخبنا، ووجود جالية سورية كبيرة قادرة على المؤازرة، وهو بخلاف ملاعب الخليج ذات الحرارة والرطوبة العاليتين بأجوائها المناخية الصعبة، فضلاً عن موضوع قرب المكان ما يخفف الكثير من أعباء السفر ومشقته.
في السابق، كان اختيار ملاعب الخليج مبنيا على أسس السياحة والتسوق، إضافة لوجود مآرب أخرى، دون النظر إلى المصلحة العامة للمنتخب، واليوم يجب أن يتغير هذا المفهوم، وأن يتم النظر بمصلحة المنتخب من كل الاتجاهات والزوايا.
أمل وطموح
آمالنا في التصفيات صعبة للغاية، وطموحنا مشروع كغيرنا من المنتخبات المشاركة. ولا أجد أن المنطق في قولنا “إن مجموعتنا متوازنة” – كما سوّق البعض – باعتبار وجود ثلاث منتخبات عربية هي الإمارات والعراق ولبنان. وإذا سلمنا أن إيران وكوريا الجنوبية تسبقنا في عالم كرة القدم بمراحل كثيرة، فعلينا أن نعترف أن الإمارات والعراق أفضل منا.. حتى لبنان، الذي نتفوق عليه بكل شيء، إلا أن مدربه قال: علينا اصطياد أضعف الفرق، مشيراً بذلك إلى منتخبنا، حسب وجهة نظره.
الطموح يبدأ من التعامل مع كل المباريات بمنطق وواقعية، فلا إفراط ولا تفريط، وعلينا أن نحترم الخصم تماماً، بدءاً من المنتخب اللبناني، وزادنا في ذلك خبرة مدربنا وعزيمة لاعبينا وحماسهم. وإذا كانت التصفيات الماضية أفضت إلى دخولنا الملحق الآسيوي فإن التصفيات الحالية يجب أن تضيف جمالاً أكثر من حيث الأداء والمستوى، وأن تصنع شخصية مهمة للمنتخب تأخذ موقعها الصحيح بين كبار القارة الآسيوية..
طموحنا مشروع ورجالنا على قدر أهل العزم، وسنكون خلف المنتخب مؤازرين داعمين.