لعبة تدمير الأمم
هيفاء علي
في عام 1978 أطاحت حركة تحرير بقيادة حزب الشعب الديمقراطي لأفغانستان بديكتاتورية محمد داود، ابن عم الملك ظاهر شاه، وفاجأت هذه الثورة الشعبية الهائلة البريطانيين والأمريكيين. وسرعان ما أعلنت الحكومة العلمانية الحديثة عن برنامج للإصلاحات ذات الرؤية التي تضمّنت حقوقاً متساوية للنساء والأقليات، وتمّ إطلاق سراح السجناء السياسيين وإحراق سجلات الشرطة علناً.
في ظلّ النظام الملكي، كان متوسط العمر المتوقع 35 عاماً، واحد من كل ثلاثة أطفال يموت في سن الطفولة، وكان 90% من السكان أميين. جاءت الحكومة الجديدة لتقدم رعاية طبية مجانية وتطلق حملة لمحو الأمية، وفي نهاية الثمانينيات كان نصف طلاب الجامعات من النساء، وشكّلت النساء 40٪ من الأطباء الأفغان، و70٪ من المعلمين و30٪ من موظفي الخدمة المدنية. كانت التغييرات جذرية لدرجة أنها ظلت حيّة في ذاكرة أولئك الذين استفادوا منها.
ولكن بالنسبة للولايات المتحدة، كانت مشكلة حكومة “حركة تحرير الشعب الديمقراطية” هي أنها كانت مدعومة من الاتحاد السوفييتي السابق.
وفي إدارة جيمي كارتر كان زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي لكارتر، وهو مهاجر بولندي ومناهض للشيوعية، ولم ينته تأثيره الدائم على رؤساء الولايات المتحدة حتى وفاته في عام 2017.
في 3 تموز 1979، ودون علم الشعب الأمريكي والكونغرس، أذن كارتر ببرنامج “عمل سري” بقيمة 500 مليون دولار للإطاحة بأول حكومة علمانية وتقدمية في أفغانستان، وأطلقت وكالة المخابرات المركزية على هذا البرنامج اسم “عملية الإعصار”. ساعد مبلغ الـ500 مليون دولار في شراء ورشوة وتسليح مجموعة من المتعصبين القبليين والدينيين المعروفين باسم “المجاهدين”، حيث أنفقت وكالة المخابرات المركزية 70 مليون دولار على الرشاوى وحدها.
تمّ تجنيد الجيش السري الأمريكي من المتعصبين الدينيين من جميع أنحاء العالم، وتشكيله في معسكرات في باكستان تديرها المخابرات الباكستانية، ووكالة المخابرات المركزية، والمخابرات البريطانية. تمّ تجنيد آخرين من كلية إسلامية في بروكلين في نيويورك -على مرمى حجر من البرجين التوءمين- وكان أحد المجندين مهندساً سعودياً يُدعى أسامة بن لادن. وكان الهدف هو نشر التطرف في آسيا الوسطى وزعزعة استقرار الاتحاد السوفييتي ثم تدميره.
وفي آب 1979، أعلنت سفارة الولايات المتحدة في كابول أن “المصالح الأوسع للولايات المتحدة لن تتحقّق إلا بإزاحة الحكومة الديمقراطية من الحكم على الرغم من الانتكاسات التي قد يسبّبها ذلك في إصلاحات اجتماعية واقتصادية مستقبلية في أفغانستان”. وبعد ستة أشهر، دخل السوفييت أفغانستان رداً على التهديد الإرهابي الذي خلقه الأمريكيون على أعتاب منازلهم. تسلّح الإرهابيون بصواريخ ستينغر زوّدتهم بها وكالة المخابرات المركزية، واحتُفل بهم “كمقاتلين من أجل الحرية” من قبل مارغريت تاتشر، وفي النهاية انسحب الجيش الأحمر من أفغانستان.
أطلق الإرهابيون على أنفسهم اسم “التحالف الشمالي”، وكانوا تحت سيطرة أمراء الحرب الذين سيطروا على تجارة الهيروين وأرهبوا النساء الريفيات. كانت حركة “طالبان” فصيلاً متطرفاً، ملاليهم يرتدون ملابس سوداء ويعاقبون اللصوصية والاغتصاب والقتل، لكنهم أبعدوا النساء عن الحياة العامة.
وفي عام 1996، أطيح بالحكومة المستنيرة، وكان رئيس الوزراء محمد نجيب الله قد ذهب إلى الأمم المتحدة لطلب المساعدة، ولدى عودته تمّ شنقه على عمود إنارة.
وفي عام 2001، دمّرت أفغانستان واعتمدت على قوافل الإغاثة في حالات الطوارئ من باكستان. وتسبّب الغزو بشكل غير مباشر بمقتل نحو 20 ألف شخص، حيث توقفت الإمدادات لضحايا الجفاف وفرّ الناس من منازلهم. وبعد ثمانية عشر شهراً، وجدت قنابل عنقودية أمريكية غير منفجرة في أنقاض كابول، وغالباً ما يتمّ الخلط بينها وبين حزم الإغاثة الصفراء التي تمّ إسقاطها من الجو. لقد مزقوا أطراف الأطفال الجائعين بحثاً عن الطعام.
كان غزو أفغانستان مجرد خدعة، ففي أعقاب 11 أيلول، سعت “طالبان” إلى النأي بنفسها عن أسامة بن لادن. لقد كانت، من نواح كثيرة، شريكاً أمريكياً حقيقياً أبرمت معه إدارة بيل كلينتون سلسلة من الصفقات السرية للسماح ببناء خط أنابيب غاز بقيمة 3 مليارات دولار من قبل “كونسورتيوم” من شركات النفط الأمريكية. وفي أقصى درجات السرية، تمّت دعوة قادة “طالبان” إلى الولايات المتحدة واستقبلهم الرئيس التنفيذي لشركة Unocal في قصره في تكساس ومن قبل وكالة المخابرات المركزية في مقرها في فرجينيا. كان أحد المفاوضين ديك تشيني، الذي أصبح فيما بعد نائباً للرئيس جورج دبليو بوش!.