ملتقيات تشكيلية.. ولكن؟
أُقيم هذا الصيف عددٌ من الملتقيات الفنية التشكيلية بدعوة من جهات متعدّدة، منها خاص وأهلي، ومنها جاء ضمن خطة مديريات الثقافة في المحافظات، وبالمقارنة بين الملتقيات الخاصة والعامة نجد الفارق الكبير بمستوى الإعداد والتحضير وبالتالي مستوى النتائج والتأثير، فمن جانب النحت الذي يحتاج إلى مستلزمات كبيرة من خامات كالحجر أو الخشب أو بقية المواد التي ستنفذ عليها المنحوتة، وصولاً إلى تأمين بعض المعدات التي يحتاجها النحات أثناء العمل في ظروف صعبة تحت الشمس أو في غياب التيار الكهربائي وتأمين البديل من خلال المولدات.. كلّ هذا يحتاج إلى تكاليف مالية قد تعجز بعض الجهات عن تأمينها إن لم يكن هناك تعاون بين أكثر من جهة داعمة ومموّلة، وقد نجحت بعض الملتقيات بفضل هذا التعاون وتوفر الرغبة الحقيقية والإيمان بدور الفن في تطوير حياة هذا المكان، وتعزيز فرص الفرح والخير والترويج للنشاط الاجتماعي الإنساني والسياحي الترفيهي من جهة ثانية في هذه المحافظة أو تلك.
وتعتبرُ محافظة طرطوس نموذجاً يُحتذى به في هذا الجانب، ربما لتوفر الإرادة الحقيقية عند القائمين والمسؤولين هناك، ومعرفتهم بأهمية مثل هذه الأنشطة واستعدادهم لتكاليفها، ففي ملتقى النحت الدائم الذي يُقام في بلدة النقيب نجد أعمالاً حجرية ورخامية غاية في الروعة والقيمة المعنوية والمادية، هذه المنحوتات التي نفّذها فنانون سوريون قدموا من مختلف المحافظات السورية ويأملون توسيع رقعة المشاركة لتشمل محافظات وأماكن أخرى في القطر.
من جهة ملتقيات التصوير الزيتي ربما تكون التكاليف أقل من النحت، فقد نجحت بعض الجهات الخاصة بدعوة مجموعة من الفنانين لإقامة أكثر من ملتقى، وكانت النتائج موفقة جداً، حيث حصل راعي الملتقيات على مجموعة من الأعمال القيّمة، وكانت فرصة للفنانين للقاء والتشارك مع زملائهم ليرسموا خارج مراسمهم ومع الناس الذين شاركوهم أيامهم المبدعة بفرح، حيث تحوّلت بعض الملتقيات إلى ما يشبه المهرجان الاجتماعي والفني.
في هذا المقام لا بدّ من الإشادة بجهود مديريات الثقافة والقائمين على المراكز الثقافية في المحافظات، لمواظبتهم على إقامة الأنشطة التشكيلية رغم قلّة الإمكانيات المالية المرصودة والتي بالكاد تفي بتكاليف الحدّ الأدنى، فقد عمدت إلى حصر مشاركة الفنانين ضمن المحافظة كي لا يتحملوا عبء إقامة القادمين من أماكن بعيدة، كما اقتصر تنفيذ الأعمال النحتية على الخامات الأقل كلفة والتي لا تحتاج ورشات التنفيذ فيها إلى معدات وتكاليف كبيرة، واستبدلت الرخام والحجر بالخشب وجذوع الأشجار التي قدّمت بعضها مديريات الزراعة، مما أدى إلى تواضع في النتائج قياساً إلى الطموح والكفاءة التي يمتلكها الفنان!. والمرجو في هذا الموقف تعاون أكثر من جهة ومؤسّسة في تقديم الرعاية لهذه الملتقيات، فلو قدّمت مديريات السياحة بعضاً من المساهمة لتمكّنت إدارة الملتقى من استضافة فنانين من محافظات أخرى، أو لو قدّمت بعض الجهات الهندسية شيئاً من خدمة آلياتها لساهمت في حل ّمشكلة النقل وغيرها، كما لو ساهمت مديريات التربية أو منظمة الطلائع بدعوة التلاميذ لحضور بعض جوانب الملتقى دفعاً لاستكشاف المواهب الصغيرة وتشجيعها لكانت النتائج أفضل وأوسع تأثيراً، المرجو تعاون الجميع في توسيع دائرة تأثير الفن في المجتمع ورفع سوية إنساننا الحضارية.
أكسم طلاع