اقتصادصحيفة البعث

تحقيق الذات يتصدر الدوافع الحقيقية للعمل

يتساءل البعض عن دوافع العمل بالنسبة للإنسان ويأتي الرد سريعاً بأن الدوافع مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوجود الإنسان والمحافظة على حياته وتأمينها ضد كل الأخطار، بالإضافة إلى أن هناك عدد كبير من الدوافع النفسية التي تُشبع عن طريق العمل، وتشير بعض الأبحاث إلى ثمة عناوين تعد من أبرز الدوافع الأساسية المتعلقة بشكل العمل وطبيعة محتواه ونمط تفصيلاته، يتصدرها  تحقيق الذات، والذي يُعتبر من الحاجات الأساسية التي يسعى إلى إشباعها عنوان العمل كونه يُشعر المرء بقيمته وقدراته، وعن طريقه يلعب المرء الأدوار الاجتماعية الرئيسية في مشواره على مسرح الحياة، ولكي يتمكن الأفراد من تحقيق ذاتهم فيجب أن تُوجه بوصلتهم لأعمال تتفق وميولهم وإمكانياتهم حتى يحققوا النجاح والتميز، وإلا فقد العمل قيمته وبريقه بالنسبة لهم .

العنوان الآخر هو الانتماء.. ويُعد من الحاجات النفسية الاجتماعية لكل إنسان حيث يشعر كل فرد بأن له مكانة فاعلة في المجتمع الذي يعيش فيه، لذا يتوجب عليه بصدق دعم الروابط التي تشده لمحيطه، وعن طريق العمل يمكن إشباع هذه الحاجة تماماً بغية دمج الجهود بين الجميع لتحقيق المصلحة العامة وتقوية صلة الرابط بين الفرد ومجتمعه وكسر مشاعر العزلة والوحدة والقوقعة .

ومن هذه العناوين أيضاً “الأمن” إذ من الضروري أن يشعر المرء بالأمن عن طريق العمل كون أن حياته المستقرة ودخله المنتظم يمكن ضمانهما عند ذلك وبهذا يقي نفسه من الفقر والعوز في حاضره الحالي ومستقبله القريب .

كما أن النجاح من دوافع العمل أيضاً لجهة تحقيق هدف الإنسان والتقدم بالعمل، وهنا يشعر المرء بمتعة تدرجه وتقدمه في سلم المراتب ومستويات الوظائف، فالعمل مليء بصور المواقف المختلفة والتي يختبر فيها الفرد قدراته وإمكانياته ويُدعم إحساسه بالتقدم و ثقته بذاته .

في هذا السياق لا بد من الإشارة إلى حيثية “الارتفاع بمستوى الدوافع” والتي تتحقق عن طريق الحاجات الفيزيولوجية المُتمثلة في ضرورة تزويد الجسم بمطالبه الأساسية واحتياجاته الضرورية مما يحفظ للفرد وجوده وحياته واتزانه الداخلي، إضافة إلى الحاجة المُلحة للتقدير والاحترام، والمُتمثلة في محاولة سلوك الفرد سلوكاً مُعيناً يحظى عن طريقه ومن خلاله على احترام الآخرين وتقدير الوسط المحيط به، وكذلك الحاجة إلى الانتماء كي يكون الفرد عضواً فعالاً في بيئته المهنية وتنظيمه النقابي وأوساط أقرانه و أصدقائه .

أثبتت مُجمل الدراسات المُتخصصة بأن الحوافز المادية التي لها طابع الاستمرار قد تفقد قيمتها وأثرها إذا استمر حصول العاملين عليها لفترة طويلة بحيث تُصبح ثابتة فينظر إليها العاملون على أنها حق مُكتسب كالراتب العادي سواء بسواء، كما تجدر الإشارة إلى ضرورة الاهتمام بشتى النواحي الاجتماعية والصحية والعائلية والشخصية لكل عامل والتي قد تُؤثر تأثيراً سيئاً وسلبياً على طبيعة العمل وتُؤدي إلى تخفيض الدافع إلى الإتقان والإجادة وبذل الجهد لأن الإنسان العامل بطبيعته لا يستطيع الفصل بين حياته الخاصة وبين مسيرة عمله فيكون حُضوره في العمل حاملاً اضطرارياً لمشكلاته الأُسرية والاجتماعية والاقتصادية، ومن الضروري إشعار العاملين بنتيجة عملهم لأن ذلك يدفعهم إلى التفاني في العمل وبذل المزيد من الجهد لتحقيق الأهداف ورسم الإنجازات الكبيرة في مختلف المجالات وشتى الصعد.

 

د. بشار عيسى