اقتصادصحيفة البعث

تفاهموا قبل أن “تتعهدوا”..!

قسيم دحدل

منذ خمسة أشهر وبضعة أيام كانت طلبت الأمانة العامة في مجلس الوزراء من اتحادي غرف الصناعة والتجارة في سورية تقديم مقترحاتهما فيما يتعلق بعودة العمل بـ”تعهد إعادة قطع التصدير” بشكل جزئي أو كليّ، لإعداد مشروع القرار اللازم في هذا الجانب.

يومها، وتقويماً لإعادة العمل بالتعهد، رأى خبراء مصرفيون أن إعادة إحياء ذلك يمكن أن يسهم في تحسّن أسعار الصرف، وخاصة إن تمّ اعتماد بعض الخطوات المتعلقة بهذا الأمر، واستندوا في هذا الرأي إلى أن إلغاء تعهد إعادة القطع لم يؤدِ إلى أي دوران يذكر للعملية الإنتاجية، حيث إن التصدير لم يحقّق أي زيادة في نسبة الناتج المحلي الإجمالي.

واستندوا أيضاً إلى أن الإلغاء لم يساعد في تثبيت أسعار الصرف، بل كان من نتائج إلغائه ضعف موارد القطع بالنسبة للمركزي، وإضعاف قوته في التحكّم بالسوق، وإضعاف القوة الشرائية لليرة السورية، وإضعاف قدرة الدخل على الاستهلاك بسبب ارتفاع الأسعار، وهو ما ساعد بالتالي في زيادة التضخم.

اليوم، ومع بدء تطبيق “إعادة القطع..”، وعلى خلاف ما كنّا نتوقع من أن يكون هناك قرار مُتفاهم ومُتفق عليه من كل الأطراف، نفاجأ بوجود تضارب واختلاف، ولو أنه حذر، ما بين المركزي وبين المعنيين بإعادة القطع، وقد تبدى هذا في الردود والأفعال المُتحفظة للمصدّرين من تجار وصناعيين، التي تمثلت باعتراضاتهم على طريقة إخراج القرار، وليعقبوه بنوع من “الإضراب” إن جاز التعبير، حيث أُعلن عن إيقاف أعمال، على الأقل، ريثما تتضح مفاعيل القرار على الواقع!.

والسؤال الذي يلحُّ هنا هو: ألم يكن من الأفضل والأجدى نقدياً واقتصادياً لجميع الأطراف أن يتوصَّلوا لشبه إجماع على قرار بهذا الحجم والغاية، وقبل هذا وذاك أن تكون الشفافية عنوانه لناحية آلياته التنفيذية، التي من المقرّر والمفترض أن المركزي أبلغها للمصارف أمس، وبحضور لجنة التصدير في اتحاد غرف التجارة السورية، التي قال ممثلوها: إن المصارف لا تعرف الآلية، وليس لديها إمكانية حالياً لتنظيم تعهد إعادة قطع التصدير؟!.

كم من قرار شبيه (جرى ما جرى فيه، وكان له من الآثار على عكس ما تمّ وضعه وتحديده)، كان سيكون محطّ رضا الكل، لو أنه دُرس وعُدَّ بمعية الجميع، لكن يبدو أن هناك قطبة مخفية في كل قرار، وكل أملنا ألاَّ ندفع ويدفع نقدنا واقتصادنا ثمنها. وتجربة الحكومة ممثلة بالمصرف المركزي مع القطاع الخاص، أكبر دليل على أن كلّ ما وافق وسيوافق عليه الفاعلون في هذا القطاع، تمّ ويتمّ على مضض، حتى وإن كانت تصريحات البعض من ممثليه فيها من الموافقة والرضا، إلاَّ أنهما موافقة ورضا لا يعكسان صفاء النيات وبالتالي الالتزام الكلي بالقرارات الحكومية.

وباعتقادنا أن الموافقة على إعادة العمل بتعهد القطع بنسبة 50%، لن يثني من لديه قناعات تاريخية نقدية واقتصادية من التّجار والصناعيين، عن تحويل أموالهم من العملة الوطنية مساء كل يوم إلى قطع صعب، أو حتى اللجوء إلى المضاربة بمختلف الطرق.