دور الكاتب المجتمعي
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
كثيراً ما يلح السؤال: هل الكتابة تعبير عن الذات في إطار الفضاء الأوسع؟ أم أنها تجميل لواقع قبيح؟ حيث المثقف يعيش غربة دائمة مع المجتمع، رغم أنه يمثل جزءاً منه، يصبح له عالمه الخاص به يرى الأمور بطريقة مختلفة عن الآخرين، أم أن الكتابة حالة خلاص من واقع ما؟ وهنا يتبعها حالة من المسؤولية المجتمعية والأخلاقية تجاه الآخر. ومن هذا منطلق، ما الدور المطلوب من الكاتب أن يؤديه في مجتمعه المعاصر ضمن الظروف الراهنة، وبما يتناسب مع التزامه الأخلاقي، ومع نفسه، ومع كتابته، خاصة مع توفر وسائل الاتصال من مدونات وفيسبوك وتويتر وغيرها من وسائل الاتصال وتأثيرها في واقعنا الذي نعيش؟
إن الحديث عن دور الكاتب ليس من القضايا الجديدة في عالم الثقافة، لكن السؤال حول النشاط الفكري، وعمّا يمكن أن يلعبه الكاتب في ظرفنا الراهن، خاصة وأنه منذ القدم كان الشاعر لسان حال قبيلته وشعبه إذ كان الجميع يجدون فيه ذلك الشخص الذي يتحلى بوعي أخلاقي يستطيع من خلاله إدراك احتياجاتهم ومعاناتهم التي هي جزء من احتياجاته ومعاناته.
بالتأكيد، لا يمكن للكاتب إلا أن يقرّ بدور ما له، حتى لو كان هذا الدور جزءاً من عملية الكتابة، وليس من جوهرها، إلا أن الأثر الأقوى والأهم هو الأثر الذي تتركه الموضوعات التي يتناولها الكاتب في أعماله، والتي قد تغير بهم شيء ما تظهر نتائجه تدريجياً، ما يؤكد فاعلية الكتابة وجدوى إدراك الكاتب لمهمته وإيمانه بدوره تجاه مجتمعه.
طبعاً، لا يخفى على أحد الآن أن حياة الكاتب في هذه الأيام لا تختلف عن غيرها، ومن الطبيعي أن تكون أقل إثارة من كتاباته، وإن حاول أن يعطيها أبعاداً إبداعية تدور في جوهرها وخباياها حول تأمين وسائل العيش، مع أن أفكاره تسرح في أرجاء العالم، لكن المأثرة الوحيدة هي عدم لجوئه إلى أساليب لا تليق بالقيم التي يحملها كإنسان وككاتب، فمن قبل كان الكاتب يخوض معاركه في الحياة وعلى الورق معاً، واليوم يعيشها من خلال وسائل الإعلام، وهناك الكثيرون يعيشون الحياة يوماً بيوم، وهي حتى بشكلها البسيط تعرضهم إلى خيارات صعبة.
وإذا كان لا يمكن للكاتب أن يتجاهل ما يجري مهما كان متفائلاً، والواقع ضنين بالإنصاف، فإن الكتابة تبدو تحايلاً على الغبن الحاصل في الحياة ووسيلة لإصلاحه وإعادة الحق إلى أصحابه، بحيث يبدو وكأن ما يفتقده الواقع توفره الرواية مثلاً؛ غير أن ما ينجح على الورق لا يؤدي إلى نتائج ملموسة على الأرض، فالكتابة في أحد جوانبها تعبير عن غبن حاصل، والرواية تكشفه دون أن تعوض عنه، والبشر هم المسؤولون عن تحسين شروط حياتهم، ومهمة الرواية مساعدة المظلومين على فهم واقعهم، ومنحهم رؤية أوسع من خلال حيوات الآخرين، تجعلهم يرون حياتهم من الخارج والداخل، وتقدم لهم مبررات الاحتجاج والفعل، فالأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم، عانى من وطأتها الناس العاديون إذ فقدوا وظائفهم، وباتوا يعيشون على الحد الأدنى، حياتهم تغيرت نحو الأسوأ. أما الذين كانوا سببها، فكسبوا من جرائها المليارات، وبعضهم نجا منها بخسارة بضعة ملايين، ونحن لابد أن نتأثر وبشكل سلبي، وأهم ما يسمح به النظر العميق إلى التاريخ أن الحاضر لن يخدعنا أو يتحكم بنا، لأن التاريخ يطلعنا على الكثير من هذا “الحاضر” الذي مرَّ، وخلَّفه غيره. والأهم أن بوسع البشر ألا يكرروا مآسيهم، أو يخضعوا للحروب والأوبئة والجائحات. والذهاب إلى التاريخ يعني رؤية حركة البشر في الزمن، انطلاقاً من الماضي إلى الحاضر، بمعنى أننا ملزمون بعدم التقاعس والتفكير بالخطوات التالية.
يجب أن نكون جزءاً من العالم، لكن أي عالم، إن لم نسهم فيه، سوف يأخذنا إلى مواقعه ومصالحه. كيف يسمع صوتنا إن لم نرفعه عالياً؟ كيف يحس بنا إذا لم نحس نحن بوجودنا؟ الأمر ليس الاندماج به فقط، بل الـتأثير فيه أيضاً.