مجلة البعث الأسبوعية

زلزال تونس يهز التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.. هل تستنجد “النهضة” بمرتزقة أردوغان؟

“البعث الأسبوعية” ــ علي اليوسف

كان متوقعاً أن يتحرك تنظيم الإخوان المسلمين لنصرة عناصر التنظيم في حركة النهضة التي قصم ظهرها الرئيس التونسي قيس سعيد. هذا التحرك تناوله الشارع التونسي بالحديث عن هجرة إرهابيين إلى تونس في مشهد يعيد للأذهان ما أطلق عليه “الربيع العربي”، والهدف بالدرجة الأولى إرباك الرئيس ودفعه إلى التراجع عما هو ماض فيه “إصلاح المسار”، والاستيلاء على السلطة.

ولا يستبعد من يقف خلف هذا السيناريو أن تحاكي حركة النهضة تجربة حركة طالبان في أفغانستان، وتستولي على السلطة بالقوة، رغم الاختلاف الإيديولوجي والعقائدي بين التنظيمين. وليس من المستبعد أن تشهد تونس خريفاً يعيد خلط الأوراق، ويعيد البلاد إلى المربع الأول من أزمتها المستمرة منذ عشر سنوات، ما دامت هناك أطراف تناور وتحاول أن تشتري بالأموال بعض المرتزقة الذين يأتون من الخارج، ومادام الرئيس التونسي لم يعين حتى الآن رئيساً للوزراء أو حكومة، ولم يعلن ما ينوي فعله رغم مرور أكثر من شهر على إجراءات الطوارئ التي أعلنها، وسط تكهنات واسعة بأنه يعتزم إعادة صياغة دستور 2014.

 

مرتزقة تركيا في حالة استنفار

جدّد اعتراض تركيا على قرارات الرئيس التونسي، ووصف تحركاته بـ “الانقلاب” الذي يتوجب على الشعب التونسي إسقاطه، الانتباه إلى ضرورة إخراج مرتزقة أنقرة من ليبيا المجاورة. وهذا الاعتراض التركي لاشك أنه ينذر بخطوات قد تقدم عليها تركيا على أمل إعادة تنظيم الإخوان إلى الحكم في تونس، على غرار ما فعلت عندما دعمت وشجعت الأعمال الإرهابية والفوضى في سورية ومصر وليبيا وتشاد على أيدي مليشيات إخوانية ومرتزقة مواليين لها.

وبحسب الوثائق، فإن 11609 عناصر من المرتزقة السوريين ما زالوا في ليبيا بدعم من نظام أنقرة. وتشير تقديرات عسكرية ليبية إلى وجود 5 فصائل على الأقل، أيضاً، من المعارضة التشادية تنشط في الجنوب الليبي بالقرب من الحدود مع تشاد، وهي موالية للإخوان وتركيا. ويقدر عدد أفراد الجماعات التشادية هذه بنحو 25 ألف مرتزق، وفقاً لتصريحات رئيس الحكومة الانتقالية في العاصمة التشادية، أنجمينا باهيمي باداكي ألبرت.

ويظهر تعامل تنظيم الإخوان وتركيا السيناريو المتوقع الذي ستتبعه أنقرة والتنظيم في تونس. فهذا التنظيم ثبت أركانه داخل تونس، منذ عام 2011، بشكل أن خروجه لن يكون إلا بالقوة. ويؤكد ماضي تركيا والإخوان في ليبيا أن تونس لن تسلم من آذاهم، خاصةً أن معسكرات المرتزقة السوريين تبعد فقط حوالي 200 كيلو عن تونس، فضلاً عن وجود مئات العناصر التابعين للمليشيات الموالية لأنقرة في ذات المنطقة، وعلى رأسهم خالد المشري، متزعم ما يسمى “المجلس الأعلى للدولة في ليبيا”، والذي أعلن صراحة رفضه لما يحدث، مقحماً ليبيا بهذا الشكل في شأن لا يخصها، مثلما حدث في تشاد عندما تحركت المليشيات التي وطنتها تركيا والإخوان في ليبيا، واقتحمت الحدود، وأثارت الفوضى، وعلى إثر ذلك قُتل الرئيس التشادي إدريس ديبي في نيسان الماضي.

وكما هو معلوم يأتمر المرتزقة التشاديون في ليبيا بأمر تيمان أرتيمي، الإرهابي التشادي المقيم في قطر وتركيا، ويتخذون من جنوب ليبيا قاعدة للتدريب والتمويل والانطلاق إلى عمليات إرهابية. والملفت أن تركيا تتعامل مع ليبيا على أنها قاعدة عسكرية لانطلاق عمليات مرتزقتها نحو الدول التي لا تتناسب سياستها مع سياسة العثمانية الجديدة. لذلك ستلجأ تركيا لعناصرها المسلحة في ليبيا للتأثير على الملف التونسي مثلما فعلت في سورية ومصر وتشاد، لاسيما أن تونس هي آخر معقل سياسي للإخوان في شمال أفريقيا.

 

ارتداد قوي

منذ أن اتخذ الرئيس التونسي إجراءات الطوارئ، بما فيها حل الحكومة والبرلمان، خرجت تصريحات المسؤولين في تونس وليبيا عن نطاق الدبلوماسية، لجهة تبادل الاتهامات المباشرة بتصدير الإرهاب. وفي قلب هذه التصريحات، برز المرتزقة المنتشرون في ليبيا كأحد عناصر الخلاف. وبحسب تقارير إعلامية، هناك نحو 100 من الإرهابيين والمرتزقة في قاعدة “الوطية” الجوية مستعدين للهجوم على الحدود التونسية، لكن الحدود مغلقة بين البلدين لكبح تفشي فيروس كورونا، إلا أن البعض يربط ذلك بالاتهامات المتبادلة بين الطرفين على خلفية الإرهاب.

إن تأثير الضربة التي تلقتها حركة النهضة في تونس على تنظيم الإخوان في ليبيا سيكون كبيراً، خاصةً أن تراجع نفوذ “النهضة” الإخوانية سياسياً وشعبياً في تونس سيقطع خط إمداد نظرائهم في ليبيا، وقد يتسبب أيضاً في زعزعة الوجود التركي في الجارة الشرقية.

ويرى مختار الجدال، المحلل السياسي الليبي، أن ما حدث في تونس “زلزال ضد الإخوان، سيكون له ارتداد قوي على إخوان ليبيا”، ويضيف بأن “دعم الإخوان في تونس يأتي من تركيا وقطر عبر استثماراتهم في تونس نفسها، أما دعم الإخوان في ليبيا فيأتي تحت ستار تحويل أموال الدعم العلاجي لمصحات بعينها، وكذلك عبر استيراد السلع التونسية عن طريق الشركات الإخوانية المستفيدة، لذا لا أعتقد إن دعم الإخوان الليبيين سيتوقف”؛ بمعنى أنه “بعد نجاح الانتفاضة الشعبية ضد الإخوان في تونس وبروز العداء الواسع للنهضة، شعر إخوان ليبيا أن ظهرهم أصبح عارياً على عدة واجهات، خاصةً أن البروباغاندا الإخوانية في ليبيا كانت تعتمد في دعايتها على النموذج النهضوي الذي تقدمه كأحسن دليل على قبول الإخوان لقانون التداول السلمي للسلطة، لكن بعد خروج المواطنين إلى الشوارع وإسقاط المنظومة من خارج المؤسسات، انكشف زيف ادعاء التحول الديمقراطي”.

ولهذا، بات الوجود التركي مهدداً في ليبيا بعد نجاح الشعب التونسي في إسقاط حركة النهضة والإخوان، وسيكون سقوط إخوان ليبيا سهلاً بعد قطع الإمدادات التركية والغربية والأسلحة التي كانت تمر من الجنوب التونسي عبر إخوان النهضة التي أريد منها تفكيك دول الشمال الأفريقي وبعثرة المنطقة بشكل كامل.

لكن على الرغم من كل ذلك، لا زالت تونس تواجه خطراً كبيراً بسبب استمرار عمل فرع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في تونس – الاتحاد الذي أسسه القيادي الإخواني يوسف القرضاوي – حيث لم تتم الاستجابة لمطلب إغلاق مقراته. كما أن الميليشيات المسلحة المنتمية لجماعة الإخوان تشكل خطراً كبيراً على تونس، وتحديداً تلك التابعة منها لرئيس ما يسمى “المجلس الأعلى للدولة”، الإخواني خالد المشري، متزعم أبرز التشكيلات المسلحة الداعمة لحكم حركة النهضة الإخوانية، والأكثر تفاعلاً وتواصلاً مع قياداتها.

 

الجيش التونسي

رصدت دراسة صادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن قرارات سعيّد بتعيين 9 مسؤولين أمنيين كباراً قد يساعده في إحكام سيطرته على الأجهزة الأمنية، ومنع محاولات الأحزاب السياسية اختراق وزارة الداخلية، بما يمكنه من بسط سيطرته على السلطة التنفيذية خلال الفترة المقبلة. ووفق الدراسة، فإن من شأن تمديد القرارات الخاصة بتجميد البرلمان، ورفع الحصانة عن أعضائه كافة، أن يشدد الخناق المفروض على حركة النهضة، الذراع السياسية للإخوان وحلفائهم في الداخل والخارج، خاصة أن كل ما يشغل قيادات الحركة هو العودة للمشهد السياسي مرة أخرى.

ويرى الباحثون أن تطورات الأوضاع السياسية الراهنة في أفغانستان أدت إلى انشغال القوى الإقليمية والدولية عن مستجدات الأزمة السياسية داخل تونس، وبالتالي تخفيف حدة الضغوط الخارجية على الرئيس سعيّد، مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك، خاصة الموقف الأميركي الذي يصر على سرعة إعادة البرلمان للعمل، بزعم الحفاظ على التجربة الديمقراطية في البلاد.

بكل الأحوال، وحتى الآن، فإن القوات التونسية على أتم الاستعداد أمنياً واستخباريا للتصدي لتلك المحاولات التي تستهدف ضرب أمن واستقرار البلاد، فالقوات التونسية تنتشر بشكل كبير في منطقة رأس جدير في بن قردان، القريبة من الحدود الليبية، حيث تشهد مدينة جنزور الليبية تحركات لكتائب “خالد بن الوليد” الداعشية، خاصةَ بعد أن أعطت حركة النهضة إخوان ليبيا الضوء الأخضر للتدخل في الشأن التونسي.

كما أوضحت مصادر عسكرية أن قيس سعيد أعطى تعليماته بضرورة إحكام السيطرة على المنافذ البرية التي تربط تونس بليبيا، وأكدت أنه تم توظيف آلاف الجنود للانتشار في كل المنافذ الحدودية، سواء الغربية التي تربط تونس بالجزائر أم الجنوبية مع ليبيا.

كما كثفت قوات حرس الحدود تواجدها في كافة المناطق الحدودية للبلاد، بالتزامن مع إجهاض عدة محاولات لتسلسل عناصر إرهابية إلى الداخل، ودفع بتعزيزات أمنية على الحدود الشرقية، مع ليبيا، بعد محاولات لتسلل عناصر إرهابية إلى البلاد بمساعدة قيادات من حركة النهضة الإخوانية.

كما تم منع دخول قيادات التنظيم، حيث نقلت صحف تونسية عن مصادر أمنية أن القيادي الإخواني الليبي خالد المشري، رئيس مجلس الدولة الليبي، الذي وصفته بـ “رجل تركيا في ليبيا”، يأتي على رأس قائمة ”الممنوعين” من دخول تونس. ووفق المصادر، شملت القائمة أيضاً، مفتي الإخوان في ليبيا، الصادق الغرياني، بالإضافة إلى قيادات ليبية أخرى محسوبة على الإخوان.

 

الخاتمة

إن عزلة الإخوان في تونس وانكسارهم السياسي يدفعهم – حسب العديد من المتابعين – إلى اللجوء إلى خطة الاستنجاد بميليشيات من خارج البلاد، وأساساً من ليبيا، الحديقة الخلفية للإخوان، حيث يتجمع المرتزقة بانتظار التعليمات للدخول إلى تونس لنصرة التنظيم الإرهابي.

والأمر لم يعد سراً، فقد أفصحت مصادر عسكرية عن وجود محاولات تسلل لجماعات إرهابية عبر الحاجز الحدودي في منطقة “الرطب” القريبة من البوابة الحدودية “الذهبية” (نقطة فصل بين غرب ليبيا وتونس).

كما لم تتوقف الصفحات الإخوانية على شبكات التواصل الاجتماعي عن التحريض ضد الرئيس التونسي قيس سعيد، حتى إن بعض قيادات النهضة بمحافظة المهدية، حرض على قتل الرئيس التونسي، الأمر الذي يفسر حالة الاختناق الشعبية والسياسية والأمنية التي تعيشها النهضة وقياداتها.