مجلة البعث الأسبوعية

“ميركاتو تاريخي” و”صفقات صادمة”.. أبرز عناوين سوق الانتقالات الصيفية!!

“البعث الأسبوعية” ــ سامر الخيّر

بعد أكثر من عام على توقف عالم الساحرة المستديرة لأول مرة منذ الحربين العالميتين بسبب تفشي كورونا، ورغم كل ما عانته أندية كرة القدم وبخاصة الأوروبية المركز الرئيس للعبة في العالم، تغيّرت هيكلية المباريات والمسابقات كإدخال تغييرين إضافيين للاعبين وكذلك تغيير مكان وآلية اللعب في دوري الأبطال والدوري الأوروبي، وامتدت التبعات إلى الميزانيات التي انخفضت بشكل ملحوظ في ظل تراجع عائدات النقل التلفزيوني وانعدام عائدات الحضور الجماهيري من الملاعب، إلّا أن التأثيرات الحقيقية للجائحة لم تظهر بشكل فعلي إلّا هذا الصيف وتحديداً مع سوق الانتقالات، فقد دفع الفيروس بفرق النخبة للتخلي عن نجومها مقابل أسعار أقل من قيمتها الحقيقية وذلك بهدف تدارك العجز وتقليل النفقات، في حين اعتمدت الأندية المتوسطة الميزانيات على نظام التبادل والإعارات، مع إفلاس العديد من الأندية ذات الميزانيات والاستثمارات الضعيفة.

رغم كل هذه الصورة السوداوية، أنقذت الصفقات المجانية سوق الانتقالات، فيما استطاعت الأندية القوية مالياً  إبرام صفقات جيدة، واليوم سنتعرف على تاريخ مصطلح “سوق الانتقالات” الذي اعتبر هذا الصيف الحدث الأبرز في عالم كرة القدم نظراً لكل الجذب الذي حاز عليه، فاعتبره البعض تاريخياً وسماه آخرون بسوق العودة إلى الديار، فيما حذّر كثيرون بأن عالم المستديرة ينحدر أكثر فأكثر نحو مستنقع الأموال نظراً للمبالغ القياسية التي تداولت فيه هذا الصيف.

 

نظرة تاريخية

اتخذ نظام الانتقالات العديد من الأشكال المختلفة على مدى القرن ونصف القرن الماضيين، وتطور مع كل جذب ونبذ بين اللاعبين وأنديتهم حول من لديه القوة التفاوضية حتى وصل إلى صيغته الحالية، ويمكن إرجاع أصول نظام الانتقالات إلى ثمانينات القرن التاسع عشر، قبل أن تصبح كرة القدم “مهنة” قانونية. وعلى الرغم من أن الأندية كانت تدفع أجور للاعبين غير القانونيين، قام مالكو الأندية بالعديد من حالات الدفع غير المشروع لإغراء أفضل اللاعبين، وطبعاً الغرض آنذاك هو النجاح في الملعب وليس كسب الأموال، وهذا أحد أكبر الخلافات مع الشكل الحالي المأخوذ من النموذج الرياضي الأمريكي، فيما اعتمد النظام السابق على النموذج الأوروبي الذي كان يطارد المجد الرياضي، وهذا ما اكسب اللاعبين قبل عام 1885 القدرة على المساومة، إلى قام الاتحاد الإنكليزي لكرة القدم بإضفاء الطابع الاحترافي على كرة القدم في عام 1885، وذلك بطلب تسجيل جميع اللاعبين المحترفين في الاتحاد، ثم طالبت الأندية بتعويض مالي عن رحيل لاعب ما، ما أدى إلى وضع نظام جديد يمكن الأندية من الاحتفاظ بلاعبيها، والفرق الرئيسي بين هذا النظام وسوق الانتقالات اليوم، هو أن اللاعبين آنذاك لم يتمكنوا من الانتقال مجاناً بعد انتهاء مدة عقودهم، ما لم تدفع الأندية الجديدة مقابل الانتقال المطلوب.

وشهد عام 1977 إدخال نظام حرية التعاقد، بعد المطالبات الكثيفة من قبل رابطة اللاعبين المحترفين، بمعنى أن اللاعب أصبح حراً في عقد أفضل صفقة ممكنة بالنسبة له، مع أحقية النادي في الاحتفاظ باللاعب إذا قدم عرضاً جديداً يكون على الأقل مثل العقد الأخير، كما تم إنشاء هيئة لتحديد سعر الانتقال المطلوب إذا لم يتمكن الناديان من الاتفاق على الصفقة، وهنا تعادلت الكفة بين النادي واللاعب.

ليأتي التعديل الأخير حيث لم يكن يحق للاعب الانتقال إلا بعد اتفاق الناديين على قيمة الصفقة حتى بعد انقضاء مدة العقد، والذي جاء بعد إقرار قانون مهم جداً كنا قد تحدثنا عنه مطولاً وهو قانون بوسمان، وللتذكير وقع الاتحاد الأوروبي معاهدة ماستريخت عام 1992 والتي سمحت بحرية الحركة العمالية (ومنهم لاعبي كرة القدم) في جميع أنحاء القارة العجوز، ما مهد الطريق للاعب البلجيكي المغمور والمشهور فيما بعد جان مارك بوسمان لتغيير عالم كرة القدم، بعد قضيته مع ناديه الذي رفض انتقاله لنادٍ جديد يعطيه أجراً أعلى رغم انتهاء عقده وقام بتقديم عرض جديد للاعب يخفض فيه راتبه، فما كان منه إلّا أن لجأ إلى القضاء، وبعد خمس سنوات من المداولات عام 1995 فاز بوسمان وانتصر لجميع لاعبي كرة القدم حول العالم وليس في أوروبا فحسب، فقانون بوسمان أعطى المجال لمغادرة اللاعبين لفرقهم بشكل مجاني بمجرد انتهاء عقودهم أو بالتفاوض مع الأندية الراغبة في التوقيع معه قبل ستة أشهر من انتهاء عقودهم مع أنديتهم.

وهنا بدأت الأندية في تقديم عقود طويلة الأجل على أمل استعادة بعض السيطرة، لكن دون فائدة كبيرة، وخاصةً مع ظهور وكلاء اللاعبين وضرورة أن يقوم كل لاعب وخاصة من يسطع نجمه بتوكيل شخص محنك يضمن حقوقه وفي حالات نادرة تسمح الأندية للاعبين بالرحيل إذا أعربوا عن رغبتهم في ذلك.

 

أرقام قياسية

حقق سوق الانتقالات أرقاماً كبيرة قياساً بالوضع المالي المتردي لأغلب الأندية الأوروبية، سواء لناحية صفقات اللاعبين أو إنفاق الأندية، حيث اعتبر تعاقد مانشستر سيتي مع جناح أستون فيلا جاك غريليش أغلى صفقة في نافذة الانتقالات الماضية والتي قدرت بنحو 117 مليون يورو، يليه عودة روميلو لوكاكو إلى تشيلسي من إنتر مقابل 115 مليون يورو، فيما كانت ثالث أغلى الصفقات هي انضمام الجناح الإنكليزي جادون سانشو إلى مانشستر يونايتد من بوروسيا دورتموند مقابل 85 مليون يورو، أما أكثر الأندية انفاقا ً فكانت الأندية الإنكليزية إذ تواجدت 6 أندية من الدوري الإنكليزي في قائمة أكثر 10 أندية انفاقا ً، منها 4 أندية في المراكز الأربعة الأولى، ورغم نتائجه الكارثية مع دخول الدوري الإنكليزي الممتاز أسبوعه الرابع إلّا أن أرسنال تصدر قائمة الأندية الأعلى إنفاقاً في سوق الانتقالات الصيفية بصرفه 165.60 مليون يورو على جلب 6 لاعبين جدد هم: بن وايت (58.50 مليون يورو)، مارتن أوديغارد (35 مليون يورو)، آرون رامسديل (28 مليون يورو)، تاكيهيرو تومياسو (18.60 مليون يورو)، ألبرت لوكونغا (17.50 مليون يورو)، ونونو تافاريس (8 ملايين يورو)، وحل ثانياً نادي مانشستر يونايتد الذي أنفق 140 مليون يورو، على ضم 3 لاعبين هم: جادون سانشو (85 مليون يورو)، رافائيل فاران (40 مليون يورو)، كريستيانو رونالدو (15 مليون يورو)، واحتل المركز الثالث في القائمة مانشستر سيتي بإنفاقه 127.50 مليون يورو على ضم لاعبين هما: جاك غريليش (117 مليون يورو)، وكايكي (10 ملايين يورو)، وجاء في المركز الرابع تشيلسي بصرفه 120 مليون يورو على ضم روميلو لوكاكو (115 مليون يورو)، وساؤول على سبيل الإعارة (5 ملايين يورو).

 

عودة مظفرة وانتقال حر

وتميز سوق الانتقالات أيضاً بظاهرتين غريبتين لهذا الموسم، الأولى عودة أكثر من نجم إلى فريق سابق له، وأبرزها طبعاً عودة البرتغال رونالدو لنادي الشياطين الحمر، وهناك أيضاً صفقة انتقال النجم الفرنسي أنطوان غريزمان من صفوف برشلونة إلى نادي أتلتيكو مدريد، كما قام تشلسي بإعادة مهاجمه السابق لوكاكو من الإنتر الإيطالي، أما الثانية فهي الصفقات المجانية حيث اعتمدت الأندية الأوروبية على تعزيز صفوفها باللجوء إلى إبرام صفقات مجانية، مع لاعبين انتهت عقودهم مع أنديتهم، كسلاح ضد تراجع المداخيل بسبب تأثير كورونا، وأكثرها صخباً كانت انتقال ليونيل ميسي إلى باريس سان جيرمان بعد فشل برشلونة في تجديد عقده بسبب الأزمة المالية التي يمر منها النادي، وهنالك أيضاً انضمام دافيد ألابا إلى ريال مدريد، بعد 13 عاماً مع بايرن ميونيخ، وانتقال قائد ريال مدريد سيرجيو راموس إلى باريس سان جيرمان، عقب 16 عاماً مع النادي الإسباني، وتوديع سيرجيو أغويرو لمانشستر سيتي، بعد 10 سنوات مع النادي متجهاً نحو برشلونة، الذي أبرم أيضاً صفقة مجانية مهمة بضمه للمهاجم الهولندي المميز ممفيس ديباي من ليون الفرنسي، وانتقال أفضل حارس مرمى في اليورو الأخير الإيطالي جيانلويجي دوناروما من ميلان، لباريس سان جيرمان وجيورجينيو فاينالدوم من ليفربول إلى باريس سان جيرمان أيضاً، وهاكان تشالهان أوغلو من ميلان إلى إنتر، وإريك غارسيا من مانشستر سيتي إلى برشلونة.