الزراعة المنزلية.. تحقيق للاكتفاء الذاتي بكلفة قليلة
دمشق – ميس بركات
مع تزايد ضغوط الظروف المعيشية وتضييق الخناق على المواطن يوماً بعد يوم، كان لزاماً على الكثير من الأسر الفقيرة ومتوسطة الدخل إيجاد مصادر معيشية بديلة، واجترار حلول ذاتية تبتعد كل البُعد عن حقنات التفاؤل التي تبثها الحكومة في نفوس المواطن الذي على ما يبدو بات “لا مبالياً” تجاه تلك الجرعات والتصريحات الخُلبية بتحسين الواقع وتقديم خدمات كثيرة في المستقبل القريب و.. ليكون اللعب خلال الفترة الراهنة على وتر الزراعة المنزلية بعيداً عن خدمات الوزارة وتسهيلاتها التي على ما يبدو لم تفِ بالمطلوب حتى الآن.
اكتفاء ذاتي
وتزايدت أهمية الزراعة المنزلية خلال الأعوام الأخيرة مع سعار الأسعار الذي لحق بالخضار والفواكه المحلية وضاهت في أسعارها الخضار المستوردة، ليكون البدء من المواطن نفسه بأبسط الإمكانيات وإنشاء حدائق منزلية أو زراعة الأسطح والشُرفات، وهذا ما نلحظه في أغلب المدن، إذ طغت زراعة الحشائش “كالبقدونس والنعنع و…” مفترشة الأسطح بشكل مباشر أو ضمن أحواض من الفلين، بهدف الحصول على نباتات نظيفة خالية من مياه الصرف والكيماويات والمبيدات بكلفة أقل بكثير، فضلاً عن الفائدة النفسية للزراعة، في حين لم يكن بمقدور الكثير من الأسر القيام بهذه الخطوة وشراء “الشتل” للبدء بعملية الزراعة المنزلية، الأمر الذي دفع بوزارة الزراعة لإيلاء هذه الزراعة اهتماماً خاصاً كمصدر للاكتفاء الذاتي، حيث أكدت ميسون البقاعي رئيسة دائرة التنمية الريفية الزراعية والأسرية في مديرية زراعة ريف دمشق عدم اعتماد صياغة أو فرق واضح بين الزراعة الأسرية والمنزلية، إذ تعمل الوزارة إلى الآن على ذات المفهوم، مشيرة إلى وصول عدد المنح المقدمة من بداية المشروع الوطني للزراعة المنزلية إلى الآن 8800 منحة، ونفذ المشروع الوطني على أربع مراحل أساسية وربعين نظاميين، بحيث تمّ توزيع 1500 منحة في المرحلة الأولى عام 2018 أما الربع النظامي للمرحلة الأولى فتمّ توزيع 1000 منحة، وفي المرحلة الثانية من عام 2019 تمّ توزيع 1500 منحة، في حين تمّ في الربع النظامي للمرحلة الثانية توزيع 1750 منحة، كما تمّ توزيع 1500 منحة في المرحلة الثالثة العام الماضي، إضافة إلى أنه تمّ الانتهاء من توزيع 1550 منحة في المرحلة الرابعة من المشروع لهذا العام، تضمنت شبكات ري بالتنقيط وسلة بذار خضار صيفية وشتوية، ليكون إجمالي القرى التي وزعت فيها المنح 204 قرى.
وأكدت ميسون أن أثر المشروع برز بشكل واضح في ظل الظروف الحالية والحصار الاقتصادي من خلال تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء للأسرة دون الحاجة للخروج من المنزل، كما ساهمت في تخفيف العبء المادي على الأسرة نتيجة ارتفاع الأسعار بشكل كبير، والحصول على منتج نظيف، وبالتالي تخفيف خطر التعرض للأمراض، إضافة إلى تحقيق دخل إضافي وربح من خلال بيع الفائض من منتجات الحديقة، وتصنيع بعض المنتجات من المواد الأولية المتوفرة لاستخدامها في غير أوقاتها.
تحقيق وفر مادي
في المقابل، أكد الدكتور سائر برهوم كلية الزراعة – جامعة دمشق – تبلور نظريات علمية جديدة في القطاع الزراعي مع تطور الحياة، وظهور أساليب وطرق إنتاجية معاصرة لتسود مفاهيم زراعية غير تقليدية كالزراعة المنزلية والعضوية والمائية، مشيراً إلى أن الزراعة المنزلية هي توليفة من الأنشطة الزراعية، سواء أكانت نباتية أم حيوانية أو كلاهما معاً، تُستخدم فيها الموارد “الطبيعية، البشرية، المادية” بنسب مختلفة لتحقيق غايات متنوعة، ومن الركائز الأساسية للزراعة المنزلية ممارسة نشاط زراعي قد يكون غير متخصّص ضمن الحيز الجغرافي للمنزل، وانحصارها بأفراد الأسرة مع تنوع فوائدها وغاياتها.
وقدّم برهوم المتخصّص بتحليل وتقييم المشاريع جملة من فوائد هذا النوع من الزراعة لأغراض علاجية وزيادة نسبة الرطوبة الجوية وتسهيل عملية التنفس، إضافة لتوفير خضار وفواكه صحية غنية بالعناصر الغذائية، كما تساهم في تحقيق وفر في أموال الأسرة نظراً لتكلفتها المنخفضة مقارنة مع الأسعار السائدة في الأسواق، كما تعود أنواع أخرى من الزراعة المنزلية التي تمارس لتحقيق ربحية تجارية مباشرة كمزارع إنتاج الفطر بدخل إضافي للأسرة، إذ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن معدل الربحية لإنتاج الفطر المحاري تبلغ نحو 62%، إضافة إلى تحسين التواصل الاجتماعي، إذ غالباً ما يقوم ممارسو الزراعة المنزلية بمشاركة منتجاتهم مع الغير والتواصل مع بعضهم بهدف تبادل الخبرات والمعرفة وحلّ مشكلاتهم.