ثقافةصحيفة البعث

الترجمة.. نقل المعارف لتسخيرها في خدمة المجتمع

أمينة عباس

تحت شعار “مع جامعة دمشق نستكمل المسيرة في خدمة المجتمع”، احتفى المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية بمناسبة مرور مئة عام على تأسيس جامعة دمشق من خلال ندوة أقامها مؤخراً في قاعة رضا سعيد.

وبيّنت الدكتورة ميساء السيوفي نائب رئيس الجامعة في كلمتها أن الندوة تأتي ضمن سلسلة من الفعاليات التي تقيمها جامعة دمشق بمناسبة عيدها الـ 100 وهي الصرح الحضاري الذي خرّج أجيالاً وأجيالاً من الشعراء والأدباء والعلماء والمثقفين ورجالات السياسة والفكر، مؤكدة أن الترجمة ماهي إلا أداة من أدوات خدمة المجتمع، فهي تساهم في بناء الدول والحضارات وتسمح بالتعرف على الثقافات المتنوعة وتتيح نقل المعارف لتسخيرها في خدمة المجتمع والارتقاء به، في حين كانت الندوة بالنسبة للدكتور فؤاد الخوري عميد المعهد العالي للترجمة والترجمة الفورية فرصة للحديث في كلمته عن الخطط المستقبلية للمعهد، وخاصة ما يتعلق بتطوير الخطة الدراسية لتتلاءم مع متطلبات العصر والمهنة، مبيناً أنه تخرّج في المعهد ما يقارب الألفين من المترجمين في كلّ الاختصاصات، وهم يعملون في ميدان الترجمة بأنواعها في الوطن والعالم العربي وعلى المستوى الدولي، مؤكداً أن المعهد تميّز عن المعاهد والمدارس في القطر والعالم العربي بمناهجه وكوادره وتجهيزاته المتطورة التي لا نظير لها في الشرق الأوسط.

لا مرئية المترجم

تناولت الندوة موضوعات عديدة تتعلق بعالم الترجمة والتقانات الحديثة فيها، واتفق الجميع على أن الترجمةَ الناجحةَ بتعدّد أشكالها تحتاج إلى مترجمٍ ماهرٍ وخبيرٍ في اللّغتين الأصلِ والهدف، يمتلكُ مهاراتِ التّرجمةِ والتحريرِ والتفكيرِ النقدي لتحسينِ جودةِ الترجمةِ وتحقيقِ الدقةِ والموثوقية في النتائج.

وأشار د. نايف الياسين مدير الهيئة العامة السورية للكتاب في مشاركته التي حملت عنوان “لا مرئية المترجم” إلى أن لا مرئية المترجم في دراسات الترجمة مثل أعلى يطمح إليه المترجم حين ينهل من اللغة الأصل ويقدم نصاً يقرأه القارئ دون أن يعلم أنه مترجم، ويحدث ذلك برأيه حين يقدمه بسلاسة وطلاقة، موضحاً أن تحقيق ذلك ليس سهلاً لأنه يتطلب من المترجم معرفة كبيرة وتفصيلية بلغة وثقافة اللغة التي ينقل منها ليحقق فهماً عميقاً ووافياً للنص الذي يترجمه، إلى جانب ضرورة أن يتمتّع بقدرات لغوية على درجة عالية باللغة التي ينقل إليها، مؤكداً أنه في الترجمات إلى العربية ينبغي الاحتفاظ بشيء من التغريب، فلا يجوز أن يجعل المترجم شخصيات ديكنز تتحدث كما شخصيات نجيب محفوظ كي يدرك القارئ أن الشخصيات تفكر بطريقة مختلفة، وأن حرفة المترجم تكمن برأيه في كيف يقدّم النص الغريب الأجنبي بلغة عربية سليمة وسلسة لأن القارئ ليس معنياً إن كان العمل مترجماً أم لا، بل بتلقي رسالة مفيدة وممتعة، أما المترجمون الذين يتكئون على نص ليقدموا نصاً جديداً بعد قراءة خاصة وإضافة وتعديل رآه الياسين عملاً لا يمت بصلة للترجمة، في الوقت الذي يرى فيه بعض المترجمين أن الترجمة في الأدب عمل إبداعي ومهمته ليست نقل ما هو موجود في النص فقط، إذ يمكنه أن يضيف من إبداعه وقراءاته للنص، وهذه قضية إشكالية، برأي الياسين، ولا اتفاق على أي من الطريقتين هي الأفضل، ليختم مشاركته بالتأكيد على أن المترجم الناجح هو المترجم اللامرئي، والمترجم في كلّ أشكال الترجمة يجب أن يتحلى بالصبر والمرونة، وهو يصبح معروفاً عندما يكتسب ثقة الأشخاص الذين يتعامل معهم.

مشكلات تفاقمت

وبيّن فؤاد صندوق في مشاركته التي تحدثت عن واقع العاملين في الترجمة أن الترجمة السورية حالياً تعاني من مجموعة من المشكلات التي تفاقمت بسبب ظروف الحرب، حيث ارتفعت أسعار الورق وتكاليف الطباعة ما حرم الكثيرين من الوصول إلى الكتب المترجمة، وجعل عدداً كبيراً من المترجمين يعزفون عن العمل في هذا المجال لضعف الطلب على المنتج الفكري من جهة، ولقلة المردود المادي بالقياس إلى الجهد المبذول، إضافة إلى دخول متطفلين، سواء على شكل ناشرين يكتفون بتسويق نسخ مصوّرة مسروقة من الكتب المترجمة جميلة الغلاف سيئة الطباعة والمحتوى أو على شكل مترجمين لا يملكون الخبرات اللغوية اللازمة، وخاصةً الذين يعملون اليوم في حقل الترجمة المحلفة الذين يؤجرون أو يستأجرون أختام الترجمة المحلفة ويسيئون استخدامها، مبيناً أن بعض الناشرين يكتفون بتكليف مترجمين غير محترفين وغير خريجين، مع إشارته إلى أن توفير درجة رفيعة من الترجمة عبر اختيار أصحاب الكفاءات والمهارات المميزة يجب أن توفر لهم دخلاً يناسب جهدهم بحيث نضمن عدم تشتيت جهدهم وتفرغهم الكامل لمشروعات الترجمة دون أن يضطروا لتوزيع جهودهم بين أكثر من جهة توفيراً للدخل المناسب، مع إيمانه أن قيام نوع من الرابطة أو الرقابة المهنية الخاصة بالمترجمين سوف يساعد على الحفاظ على حقوقهم والارتقاء بمستوى هذه المهنة واستبعاد الدخلاء عليها، لأن الترجمات السيئة تؤدي إلى نفور القرّاء من كاتب بعينه أو علم من العلوم لا لتدني مستواها الأصلي بل بسبب أزمة الترجمة.

الترجمة الآلية

وأوضح د. أحمد عمايري في مشاركته أن الترجمة الآلية هي الترجمة التي يقوم بها الحاسوب دون تدخل بشري، مشيراً إلى أنواع الترجمة باستخدام الحاسوب كالترجمة الآلية وهي ترجمة حرفية للنص الأصلي إلى اللغة المستهدفة دون تدخل بشري، مع تمييزه بين الترجمة الآلية والترجمة بمساعدة الحاسوب. ورأى أن أهم مشكلات الترجمة الآلية أنها لا تعمل كالعقل البشري، ولا يمكن لها استيعاب المصطلحات والفروق الثقافية بين اللغات، كما أنها لا تترجم الكلمات المتشابهة بالكتابة وتحمل معاني ودلالات متعددة، مؤكداً أن إشكالية استخدام أدوات الترجمة الإلكترونية وتطبيقاتها ستبقى موضوع جدل عميق بين المترجمين وأرباب اللغات لسنوات طويلة قادمة، ولكن مع ذلك ستشهد سوق الترجمة الآلية والترجمة باستخدام الحاسوب المزيد من التطورات والاختراعات التي ستزيد من مستوى موثوقية الترجمات المخرجة، مما سيزيد من إمكانية الاعتماد على هذا النوع من الترجمة في السنوات الأخيرة.

التَّرجمة في عصر الذَّكاء الاصطناعي

وأكدت أ. كاتبة وجيه كاتبة في مشاركتها أن تقنيات الترجمةِ بواسطة الذكاء الاصطناعي شهدت تطوراً كبيراً، ويمكن لهذا الذكاء أن يكون مساعداً قويّاً للمترجمين لجعل العملية التّرجميّة سريعة ودقيقة وسهلة على المترجمين، ويُساعدُهم على تحليلِ وترتيبِ المصطلحاتِ والأسماءِ المُستخدمةِ في النّصّ الأصلي، وتقديمِ الكلماتِ المناسبة لترجمتها بدقة ويُعينُ على تعلُّمِ المصطلحاتِ والتَّعبيراتِ اللُّغويةِ الجديدة، وتحسينِ مهاراتِ التَّرجمة، ولكن لابدَّ للمترجمين من الحرصِ عند استخدامِ الذكاءِ الاصطناعي والعملِ بحذرٍ وتوازنٍ وممارسةِ التّرجمةِ اليدويّةِ لتحسينِ مهاراتِهم اللُّغوية حفاظاً على جودة العمل، مع إشارتها بالوقت ذاته إلى أن الذكاء الاصطناعي ليس بمقدورهِ بعد الكشف عن جوانبِ الدّعابةِ أو اختلاف النبراتِ الصوتية أو ترجمة التّعابير وتحليلُ لغةِ الجَسدِ، ونقلُ المشاعرِ دونَ تدخُّلِ مترجمٍ بشريّ الذي يتمتّع بقدرةٍ عاليةٍ على فهمِ الإيحاءاتِ والإشاراتِ ونبراتِ الكلامِ، وغيرِها من التّفاصيلِ التي تساعدُهم على فهمِ المغزى من النُّصوصِ، مؤكدة على الرغم من ذلك أن الخبراء يتوقعون أن تتطوّر تقنياتُ الترجمةِ الآليةِ تطوراً كبيراً لتحسينِ دقةِ الترجمةِ، وتوسيعِ نطاقِ تطبيقاتِها، حيث تشير بعضُ الدراسات إلى أن وصول مستوى الترجمةِ الآليةِ إلى مستوى الترجمة البشرية بحلولِ عامِ 2030 باستثناءِ ترجمةِ النصوصِ الأدبيةِ والفلسفيةِ وتلك التي تتضمّنُ مصطلحاتٍ علميةً جديدة، إذ يُتوقّع أن تبقى بحاجةٍ إلى تعديلٍ من قِبلِ البشر، وأنه من المؤكّدِ أنَّ التّرجمةَ الحديثةَ قدّمت كثيراً من التّحسيناتِ والتسهيلاتِ في عمليّةِ التّرجمة، ولكنّها ما تزالُ بحاجةٍ إلى عددٍ من المترجمين المهرةِ والمتخصصين في مجالاتِ التّرجمةِ المختلفةِ، سواء أكانتِ التّرجمةُ آليةً أم يدويّةً.