ثقافةصحيفة البعث

أوبراليون أوروبيون ومغتربون يغنون مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية

قدمت الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان أمسية أوبرالية على مسرح الأوبرا باستضافة خمسة أوبراليين: لور كاترين بييرز من بلجيكا، وبيليز كارار من فرنسا، وستيفان سينيشال من فرنسا، ومن سورية المغتربة سمية حلاق في سويسرا، والمغترب واثق سلمان في فرنسا، غنوا آريات ومقاطع أوبرالية مختلفة فردية وثنائية وجماعية تعود إلى أزمنة متعاقبة من القرنين الماضيين، تحكي بمشهدية تعبيرية رومانسية تمرّ بتغييرات وحالات غاضبة وهادئة ترافق حركات الجسد وملامح الوجه وفق المضامين الدائرة عن الحب وتأثيره السحري على الذات، وفي مواضع عن الانفصال، وأخرى تظهر الشر وما يلحق به من أذى.

وكان لترجمة كلمات الآريات دور بتواصل الجمهور مع انفعالات الأوبراليين، وتؤكد هذه الأمسية على مهارة العازفين السوريين وانسجامهم الموسيقي مع الأوبراليين الذين وقفوا على أهم مسارح العالم.

اختلف أداء الأوبراليين وفق الأداء التعبيري ودرجة الصوت والنمط الموسيقي والغنائي للآرية، فبعد أوبرا لاترافياتا، أدى واثق سلمان شخصية فييسكو من آريا فييسكو من أوبرا سيمونبوكانيغرا “لك الوداع الأخير” للمؤلف ذاته جوزييه فيردي بنمط غنائي مختلف يبوح بموضوع الآرية الحزين الموحي بقتل الحبيبة، فتنبّه ألحان النحاسيات الضخمة ذات الدلالات القوية إلى ذلك منذ البداية “لك الوداع أيها القصر العظيم، القمر البارد لملاكي، لم أستطع حمايتك” ثم تدخل الوتريات مع سؤال “هل سرقوا منك تاجك” وتتابع المشهدية الحزينة بوصف حالة الأبوين المحطمين مع ضربات متكررة للتيمباني، والقفلة الغنائية “صلي يا مريم”.

وضمن الطقس الحزين ذاته تغني لور كارتين بييرز من آريا ليونورا من أوبرا “قوة القدر” السلام السلام يا إلهي للمؤلف فيردي وتؤدي دور البطلة ليونورا بصوتها السوبرانو الجميل يترافق مع نغمات الهارب وأوتار التشيللو “نعم لقد أحببته، ومازلت أحبه وياللمصيبة هناك جريمة” لتدخل آلات النفخ الخشبية وتتابع سردية الآرية، ويأتي الفاصل الموسيقي مع الوتريات والفلوت تمهيداً للزخم الموسيقي بارتفاع صوت النحاسيات وضربات التيمباني وتكرار مفردة اللعنة.

وتعود الأجواء العاطفية بين الحب الحالي والذكريات مع آريا والانسجام المتجدّد لأوجه الجمال- آريا كافارادوسي من أوبرا توسكا، للمؤلف جاكوموبوتشيني (1924-1858) ويؤدي ستيفان سينيشال دور كافارادوسي “بينما أرسمها في أفكاري فقط أنت توسكا”، وتتابع الأوبرالية القريبة من جمهور الأوبرا والتي تكررت زياراتها إلى سورية خلال سنوات الحرب سمية حلاق بإطلالتها الجميلة  شخصية توسكا الحزينة وتغني “عشتُ للفن عشتُ للحب” من أوبرا توسكا للمؤلف بوتشيني، وارتفاع صوتها مع آلات النفخ الخشبية “لماذا أيها الرب لماذا تتخلى عني” وتأتي القفلة بذروة ارتفاع صوتها مترافقة مع تعابيرها.

نغمات الهارب

ويكمل المشهدية ستيفان سينيشال من الأوبرا ذاتها “آريا” فيصف وقع دخول حبيبته مع نغمات الهارب وألحان الكلارينيت “صرير باب الحديقة كان مسموعاً، وخطوة تنساب على الرمل، دخلت هي بعينها ووقعت في ذراعي”، وتنتهي بتعابيره الغاضبة الحزينة وامتدادات صوته “لم أحب أبداً هكذا في حياتي”.

تتغيّر أجواء الأمسية مع اللوحة الثنائية “انظري يانورما” من أوبرا نورما للمؤلف فينتشينتزو بيلليني 1835-1801 بين سمية حلاق ولور كاترين بييرز بحوارية يغلب عليها اليأس وتنتهي بالتفاؤل، وتأخذ حلاق الدور الأول وتعتمد على تقطيع الصوت “سنبقى معاً حتى اللحظة الأخيرة”.

وتحدث المايسترو باغبودريان عن آريا زاراسترو من أوبرا الناي السحري التي كتبها موزارت (1791-1756) فقط للفيولا والتشيللو وكلارينيت وفلوت وترومبونات وتتطلب صوت باص عميقاً، لذلك تقدم الفرقة هذه الآرية بوجود واثق سلمان، وتحكي عن الأزواج الجدد “دعهم يرون ثمار حكمتك”.

أما اللوحة الثنائية الثانية فكانت بين سمية حلاق ولور كاترين من أوبرا “كلهن يفعلن هكذا” -أنا سأختار الأشقر وأنا سأختار الأسمر- للمؤلف موزارت، وهي قصة فكاهية تسرد حكاية تنكر خطيبين لإثبات إخلاص خطيبة كل واحد منهما، لكن الفتاتين تقرران حب الشابين المتنكرين وكل فتاة تختار خطيب الأخرى، ويمضي الحوار الجميل مع الوتريات.

كما قدّمت الفرقة الأغنية الشهيرة وقت الصيف من أوبرا بروغي أندبيس للمؤلف جورج غيرشوبن (1937-1898) بحوارية ثنائية بين بيليز كارار وستيفان سينيشال بدأت مع وقع تأثير النغمات الرقيقة لآلة الإيقاع اللحنية البراقة التي امتزجت مع نغمات الهارب.

الأمر الجميل بالرقصة التي أداها واثق سلمان وتوحي خطوات رقصتها المتسارعة بنمط الفلامنكو مع التصاعد الموسيقي للنحاسيات ومتتالية التيمباني، ثم غناء ستيفان سينيشال والإيحاءات بالغضب لتختزل القفلة الموسيقية المرتفعة الخاتمة على أنغام غرناطة للمؤلف اغوستين لارا (1970-1897) -التوزيع الأوركسترالي ناريك عبجيان وتميز واثق بليونة حركاته التي ارتبطت بتعابيره وتلويحات المنديل.

كما قدمت الفرقة آريات أخرى واختُتمت بالأغنية الإيطالية ياشمسي للمؤلف ادوارد ودي كابوا (1917-1865) وهي ليست من أوبرا- كما ذكر باغبودريان- ولكن غناها أوبراليون وستغنى على مسرح الأوبرا من قبل خمسة أوبراليين، فكانت لوحة جماعية رائعة زادت من تفاعل الجمهور مع الزخم الموسيقي والطبل الكبير.

الثقافة السورية

وقد أعرب الأوبرالي الفرنسي ستيفان سينيشال عن سعادته بزيارة سورية ومشاركته بهذه الأمسية الضخمة، وعبّر عن اهتمامه بالثقافة السورية ما يدفعه ليقول: إن سورية لم تحارب الإرهاب وترده عن سورية فقط، وإنما حاربت الإرهاب عن العالم كله.

ملده شويكاني