إنهاء الحروب في العلن وصناعتها في الخفاء
طلال ياسر الزعبي
ماذا تعني عودة السلطات الأمريكية إلى التحذير من هجمات إرهابية وشيكة على أراضيها؟ وهل على المجتمع الدولي أن يسلّم دائماً بأن هذه التحذيرات مصدرها بالفعل قدرة استخباراتية عالية تمتلكها أجهزة الاستخبارات الأمريكية تجعلها تكشف عن عمليات إرهابية قبل وقوعها؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتمكّن هذه الأجهزة من إجهاض العمليات الإرهابية التي تحدث على الأراضي الأمريكية قبل وقوعها، وخاصة أن من يقوم بها هم مجرّد أشخاص لا يملكون القدرة على التخطيط والتواصل التي تمتلكها المنظمات الإرهابية العالمية مثل “داعش” و”القاعدة”؟ بل لماذا، وهو الأهم، لم تتمكّن هذه الأجهزة من إجهاض هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001 قبل وقوعها، وهي الهجمات التي اتّخذت ذريعة فيما بعد لغزو أفغانستان؟.
لقد اعتاد العالم على سماع تحذيرات أمريكية من هجمات إرهابية في أماكن معيّنة من العالم قبل وقوعها، وكان آخرها التنبّؤ بقيام تنظيم “داعش” الإرهابي بتفجيرات على سور مطار كابول أثناء الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، رغم أن المشهد حول المطار يؤكد أن القوات الأمريكية كانت لا تزال تسيطر على الوضع أمنياً هناك، ولم يكتمل بعدُ إجلاء القوات الأمريكية، ثم يُفاجأ العالم بأن يتبنّى هذا التنظيم الهجمات التي حدثت على أسوار المطار.
كل هذه الأسئلة وغيرها لا بدّ للمراقب أن يضعها نصب عينيه قبل التسليم بجميع الروايات الأمريكية حول حدوث هجمات إرهابية في أيّ مكان من العالم، حيث كشف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي كريستوفر راي أن تنظيمي “داعش” و”القاعدة” الإرهابيين يواصلان البحث عن نقاط الضعف ويعدّان الخطط لتنفيذ هجمات واسعة النطاق على الأراضي الأمريكية.
فكيف تسنّى لراي أن يصل إلى هذه النتيجة عبر جهازه الذي يعمل على الأراضي الأمريكية دون أن يكون هناك دور لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية “سي آي إيه” في هذا الشأن، وهل كان عليه أن ينتظر وصول مثل هذه المنظمات الإرهابية إلى الأراضي الأمريكية بمعزل عن إحاطة “سي آي إيه” بها، ثم يسوّغ ذلك طبعاً بقدرة هؤلاء الإرهابيين على استخدام شبكات التواصل الاجتماعية وتطبيقات الهاتف المحمول للرسائل الفورية لتحقيق أهدافهم، فكيف استطاع راي الوصول إلى هذه النتيجة بمعزل عن سيطرته على هذه الوسائل، وهل يتم ذلك على مستوى التكهّن أم أن الأمر يتجاوز ذلك إلى صناعة سيناريو جديد لهجمات إرهابية يتم تصويرها على أنها من إنتاج هذين التنظيمين أو أحدهما لإيجاد مسوّغ لاستخدام القوة في مكان آخر من العالم على غرار ما حدث بعد أحداث 11 أيلول.
وإذا علمنا أن جميع التحليلات السابقة التي تحدّثت عن هجمات 11 أيلول أكدت أن مثل هذه الهجمات لا يمكن لها أن تتم دون وجود تسهيلات من أجهزة الاستخبارات الأمريكية، فضلاً عن التحليلات الأخرى التي أكدت أن انهيار مبنيي التجارة العالميين تم بوساطة زرع المتفجرات في أساسات المبنيين، وأن عمل الطائرات كان فقط مشهداً هوليودياً لتأكيد صدقية الاعتداء، فإننا نستطيع أن نتحدّث الآن عن رغبة أمريكية بصناعة مشهد هوليودي جديد يتم من خلاله توجيه اتهام إلى الدولة التي أطلق الإرهابيون منها تهديداتهم، وبالتالي تكون التصريحات الأمريكية الأخيرة حول إنهاء الحروب الأمريكية في العالم مجرّد تمهيد للقول: إن الإدارة الأمريكية اضطرّت للعودة إلى الحرب دفاعاً عن مصالحها وأمنها القومي الذي تعرّض للاعتداء.