زواياصحيفة البعث

بوادر الانسحاب الأمريكي من سورية

علي اليوسف

في كلّ يوم تتردّد معلومات عن انتهاكات للقوات الأمريكية المحتلة للأراضي السورية، سواء لجهة سرقة النفط عبر الشاحنات، أو الإنزالات الجوية التي تستعرض فيها أمريكا عضلاتها، لكن أمام هذه المعطيات لا يستبعد أحد أن تسحب الولايات المتحدة جنودها في ليلة وضحاها، خاصةً وأن فكرة الانسحاب من سورية باتت مطروحة على الطاولة بعد الانسحاب من أفغانستان، وقبلها تفكيك قواعد عسكرية في العراق وبعض دول الخليج، وهو الأمر الذي من شأنه أن يخفّف من المواجهة الجيوسياسية بين واشنطن وحلفاء سورية، وبالتالي حلحلة حسابات الولايات المتحدة بشكل كبير.

حتى اليوم ينتشر نحو 900 جندي أمريكي -بحسب مسؤولي البنتاغون- داخل سورية، كما لا توجد مؤشرات واضحة عن الزمن الذي ستعلن فيه الولايات المتحدة -إن كان موجوداً- هزيمة “داعش” وتشرع في الانسحاب من سورية. قبل بايدن حاول الرئيس ترامب ذلك مرتين وفشل في سحب قواته، وقد أدّت محاولة واحدة مباشرة إلى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس حينها.

لقد توسّعت “مهمة” الاحتلال الأمريكي في سورية بهدوء، وعندما أعلن ترامب انتهاء “المهمّة” لأول مرّة، قال البنتاغون إنّ نحو 450 جندياً باقون فقط. أما اليوم، فالرقم يتجاوز الـ900 جندي، ما يعني أن مهمة الجنود الأمريكيين في سورية، رغم وعود رئيسين بإعادة القوات، باتت اليوم موضع نقاش، وهو واقع ولو في المدى المنظور بحكم التطورات الميدانية والسياسية على خريطة المنطقة.

لقد تفاوض ترامب مع “طالبان”، ونفّذ بايدن الانسحاب في ختام حملة استمرت 20 عاماً والتي تعدّ أطول حرب في التاريخ الأمريكي. كما أنهت إدارة بايدن الحرب في العراق -بعد مفاوضات ترامب أيضاً- مع إبقائها على نحو 2500 جندي في البلاد، ستعيد تعيينهم كمستشارين ومدربين عسكريين. والسؤال الآن: هل اقترب وقت رحيل القوات الأمريكية من سورية؟. صحيح أن سورية حالة مختلفة، وهي واحدة من أكثر براميل البارود تعقيداً في العالم، إلا أن ملامح حلّ قصير الأمد يلوح في الأفق.

حتى الآن ترك بايدن ومساعدوه “الانتشار” السوري في مكانه، وهو ما اعتبر إلى حدّ كبير استمراراً لسياسة الإدارة السابقة، أي الحفاظ على احتلال “منخفض التكلفة” والضغط الاقتصادي على الدولة السورية، لكن بالنظر إلى السياسة التي يسير عليها بايدن -تصحيح أخطاء ترامب كما قال- فإن القوات الأمريكية سترحل، وخاصةً بعد جولة المحادثات النشطة التي تشهدها المنطقة، وما نتج عنها من ترتيبات دولية وإقليمية يتمّ الإعداد لها على نار هادئة ستقود جميعها في النهاية إلى انسحاب القوات الأمريكية من سورية.