طبيبٌ للأطفال.. شاعـرٌ للكبار
القامشلي- كارولين خوكز
الشاعر الطبيب عماد أحمد لبس عباءة الإبداع مع ظهور ديوانه الأول “على ساق واحدة”، الصادر عن دار أرواد عام 2020 ليسير بنا إلى عوالم لا ينسجها إلا المبدعون من الشعراء.
في دراسة توضيحية لديوان “يسرد” الشاعر جمعة الكعود عن أسلوب كتابة الشاعر الطبيب فيقول: عماد أحمد في ديوانه “على ساق واحدة” وعلى امتداد ثمانٍ وثمانين صفحة يمتلك الشاعر أذرعاً عديدةً مرتبطة بجسد الإبداع، فهو يُعيد الهيبة لقصيدة النثر بعد أن مُرّغت كرامتها على أيدي الكثير من كتّابها، فيقف على ساق واحدة وينادي بأعلى صوته ليصل صداه إلى كل عشّاق الشعـر: ليت القصيدة تهدأ الآن، ليتهم يمرّون على عجلٍ لأواصل بعدهم موتي. ويتابع الشاعر الكعود في دراسته عن الشاعر عماد أحمد حسب قصيدته الأولى: له حقوق منها حقه بأن يلوّن الشمس بفوضاه، وأن يرقص على شغبه لأنه وفي الطريق إلى الحب يرتكب العشّاق أخطاءهم ببراعة، لكن الشاعر يسلك طريقاً آخرَ ألا وهو الطريق إلى الله حيث لا تُقاس المسافات، ويصلي الجميع لتنتهي الحرب بمعجزة وتعود للخريطة أناقتها، فالعاشقان يريدان البلاد بخمسة فصول، وفي الانتظار يبقى الشاعر وحيداً كلحظة فرح، حزيناً كما ينبغي، ليعلن خيانته لكل ما تبقّى.
ومن خلال قصيدته “حنين” يقف عماد أحمد على ساق الدهشة ليصرّح في قصيدته نفسها قائلاً: في بيتنا ثلاث نوافذ، واحدة للهواء الملوّث واثنتان لذكريات تشاغب طوال الليل، في بيتنا عشرون حائطاً إذا نجونا من القصف الأخير، في بيتنا أكثر من مرمى لقُبلة أو قصيدة.
الشاعـر عماد أحمد يمتلك مقومات قصيدة النثر فيأخذنا إلى مكامن الغوص لاصطياد لآلئ شعرية، يرتقي بأذواقنا إلى مستويات شاهقة تعبق بالتأمّل والانبهار، فهو لا يتوانى عن نسج خيوط اللغة الشعرية ببراعة قلّ نظيرها، ففي قصيدته: “دون قصد” يقول: دون قصد تآلفَ ظلي وظلكِ فصارت الدهشة أكثر سمرة، والمسافة بين تنهيدة وأخرى أقل مما يبدو، حتى يصل إلى نتيجة حتمية وهي: آمنتُ بمعجزة قلبكِ، قلبكِ الذي جعل العالم في قلبي أوضحَ بمقدار سبع وثلاثين خيبة، وتتكرر خيبات الشاعر في بعض قصائده لتدلّ على اضطراب الحالة الشعورية وتلك سمة الشعراء المسكونين بالإبداع، حيث تشكّل القصائد قبل ولادتها عامل خوف وقلق في أرحامهم وتظهر تجليات وملامح الولادة على وجوه الكلمات المغمّسة بأحبار الأمومة والتوءمة مع الموسيقى الداخلية. وتتسم قصائد عماد أحمد بتجليات الحداثة بعيداً عن التقريرية التي تسم أغلب القصائد الموزونة، وهذا يُحسب له كمساهم في إحداث نقلة نوعية لمصلحة براءة قصيدة النثر وتقديم أدلة جمالية تدعم موقفها في وجوه الأشكال الشعرية الأُخرى وانتقاء مفردات على قياسها دون ترهّل ودون مبالغة في تكثيف العنصر المجازي والحفاظ على الإيجاز لجهة الموضوع واللقطة الشعرية التي يرصدها بكاميرا الحدس المباغت وبمنتهى الجمال والرقي، والشاعر في أغلب قصائد الديوان منشغل في تنقية الكلمات من شوفان المفردات الخارجة على قانون الإبداع ليقدم نفسه كشاعر ممتلك لكافة العناصر المؤهلة لخوضه غمار التجربة الشعرية بخطا واثقةٍ، وقد نجح بشكل كبير في إظهار الطابع الخاص به لينتقل من قصيدة إلى أخرى بشخصية واحدة غير مُقسّمة إلا لمصلحة المواضيع والأفكار التي صبغت تلك القصائد.