دراساتصحيفة البعث

حقيقة التسريبات الأمريكية

طلال ياسر الزعبي 

بعد تلقّيها رفضاً واضحاً من الجانب الروسي لأي وجود عسكري أمريكي في دول آسيا الوسطى، على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف، وتأكيد هذا الرفض فيما بعد بشكل واضح وصريح عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي، تحاول الإدارة الأمريكية الإيحاء بأن هذا الطرح كان قائماً بالفعل من الجانب الروسي، غير أنه لاقى معارضة شديدة من المشرّعين الأمريكيين، وذلك في محاولة لتحسين صورة واشنطن بعد انسحابها المذلّ من أفغانستان.

وفي سبيل تأكيد هذه الفرضية والحفاظ على المتبقي من ماء الوجه، وفي الوقت ذاته إفساح المجال للخصم الجمهوري لكسب بعض النقاط في الصراع الحاصل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على السلطة، جاءت مطالبة عدد من الجمهوريين بالكونغرس الأمريكي إدارة الرئيس جو بايدن بتقديم توضيحات حول التقارير التي تحدّثت عن اتصالاتها مع موسكو من أجل تأمين الوصول إلى المنشآت العسكرية الروسية بآسيا الوسطى في سياقها الطبيعي.

الرسالة بعثها السيناتوران جيم إينهوف وجيم ريش والنائبان مايكل ماكول ومايك روجرز، الأعضاء الجمهوريون في لجنتي القوات المسلحة والعلاقات الدولية بمجلسي الشيوخ والنواب، إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، وأبدوا “شعورهم بقلق بالغ من التقارير الصحفية حول مناقشات مع روسيا لتأمين الوصول إلى المنشآت العسكرية الروسية في دول آسيا الوسطى أو الانخراط في شكل من أشكال التعاون العسكري بشأن مكافحة الإرهاب مع الروس”، وأكدوا أن “دعوة روسيا ها هنا ليست الطريق إلى العلاقة المستقرة القابلة للتنبّؤ معها”، كما تدّعي إدارة بايدن.

وأيّاً يكن مضمون هذه الرسالة أو الغاية التي يتوخاها الجمهوريون، فإنها لا تعدو كونها محاولة مبتذلة، جاءت في سياقها العادي، للإيحاء بأن الولايات المتحدة ليست مضطرّة للتنسيق مع روسيا في المسائل الحسّاسة الكثيرة على الساحة الدولية، ولكن المشهد العام يؤكد أن واشنطن الآن مضطرة أكثر من أيّ وقت مضى للتنسيق مع روسيا في كثير من القضايا الدولية، سواء ما يتعلق منها بمكافحة الإرهاب العالمي، أم الأسلحة الاستراتيجية، أو حتى القضايا الملحّة على الساحة كالملف النووي الإيراني، ومنع الأزمات التي من شأنها أن تؤدّي إلى نزاع نووي، وما يتعلّق بالأمن السيبراني ومنع سباق التسلح في الفضاء، وفي التكنولوجيات العسكرية المزعزعة للاستقرار.

ولكن الطريقة التي استخدمتها الإدارة الأمريكية في هذا الجانب هي طريقة تقليدية مكشوفة، حيث تعمد كعادتها إلى تسريب معلومات عبر وسطاء إلى وسيلة إعلامية تكون على الأغلب معارضة لسياسات الحزب الحاكم، فتقوم هذه الأخيرة بنشر هذه التسريبات كمقدمة لإثارة الرأي العام الأمريكي حول القضية، والمستهدف هنا بطبيعة الحال هو الحزب الجمهوري المعارض الذي سيستخدم هذه المعلومات في صراعه مع الحزب الديمقراطي الحاكم حالياً.

فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن موضوع التنسيق بشأن آسيا الوسطى تطرّق إليه الاجتماع الذي عقده رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي ورئيس الأركان الروسية فاليري غيراسيموف الأسبوع الماضي، دون أن يقدّم غيراسيموف أي وعود بهذا الشأن، حسب الصحيفة.

ومن هنا طالب المشرّعون في رسالتهم بـ”إفادة فورية” حول “أي مفاوضات أو اتفاقيات أو ترتيبات أو مقترحات أو تنسيق آخر” مع روسيا، إضافة إلى تقديم معلومات حول مجريات لقاء ميلي وغيراسيموف.

بالمحصلة، كانت الإدارة الأمريكية تعوّل كثيراً على اللقاء بين رئيسي الأركان في البلدين، للحصول على موافقة روسية لنشر قواعد أمريكية أو لاستخدام القواعد الروسية في آسيا الوسطى، غير أن الجانب الروسي أبدى رفضه بشدّة لمثل هذا الطلب، لذلك تعيّن على الإدارة الأمريكية أن تسرّب خبر ما دار في اللقاء على طريقتها للقول: إن مثل هذا الأمر لن يتمّ ببساطة لأنه سيجد معارضة شديدة في الداخل الأمريكي، وليس لأن روسيا أوصدت الباب في وجهه.