عمليــة العودة الدوليــة إلى سوريــة
د. مهدي دخل الله
بدأت عملية العودة الدولية إلى سورية تتسارع بوضوح . خطوات واقعية متسارعة تتخذها عدة دول مشيرة بذلك إلى ضوء أخضر من قوى الهيمنة الكبرى . صحيفة ” الغارديان ” البريطانية تحدثت عما أسمته ” تعويم سورية من جديد ” مؤكدة هذا التوجه ، ومن المعروف أن هذه الصحيفة لها صلات خاصة بالمخابرات البريطانية والأمريكية . ويمكن الإضاءة على بعض جوانب عملية العودة وفق الآتي :
أولاً – هي اعتراف واقعي من القوى التي نظمت ومولت الحرب على سورية بأن مشروعها وصل إلى حائط مسدود . ولو أن هناك احتمالاً بسيطاً لإعادة إحياء المشروع بنجاح لما شرعت هذه القوى بعملية العودة إلى سورية . ولا شك في أن الاعتراف الواقعي ( de facto ) – كما يشير علم العلاقات الدولية – أقل درجة من الاعتراف الرسمي والقانوني ( de jure ) ، إلا أنه في النهاية اعتراف قوي بسورية ، إضافة إلى أن الواقعي مقدمة لإعادة العلاقة رسمياً ..
ثانياً – هي ليست مجرد عودة واقعية ، وإنما هناك عودة رسمية أيضاً . فهناك تواصل رسمي على مستـوى حكومـي مع لبنـان والأردن . إضافـــــة إلــى إعــــادة فتــح سفــــارات عربيــة ، وأخرى أوربية ( اليونان ، الأرجنتين ، صربيا ، الهند ، وغيرها ) . ولا شك في أن اتصالات ولقاءات وزير الخارجية د. فيصل مقداد مع عدد مهم من الوزراء في نيويورك يؤكد هذا التوجه ..
ثالثاً – هي ليست مِنّة من ” العائدين إلى سورية ” ، وإنما نتيجة حتمية لتصدي سورية لأعتى الحروب المعاصرة وأكثرها تحشيداً . والتصدي أكبر بكثير من الصمود ، وهو تصدٍ فاق في قوته القوة التي حُشدت في الحرب على الرغم من أن قوة الحرب كانت كبيرة جداً ..
رابعاً – لأول مرة في التاريخ ينتصر بلد صغير بعدد سكانه وإمكاناته المادية والاقتصادية على أنواع الحروب كلها دفعة واحدة ، مع التأكيد على أننا ، حتى نهاية 2015 ، كنا وحدنا ، وقد طلبنا الدعم من روسيا بعد التدخل الأمريكي المباشر على أرضنا ( عدوان 23 أيلول 2014 ) ثم احتلال القوات الأمريكية لأراض ٍ سورية ..
خامساً – كل هذا يثبت أن الاستقلال الحقيقي – استقلال القرار – ممكن في هذا العصر على الرغم من الحلف الواسع الذي يجمع قوى الاستعمار الجديد وأتباعه ، وأن حماية هذا الاستقلال ممكنة إذا توافرت الإرادة اللازمة .. والقيادة اللازمة .
سادساً – أن سورية كانت نواة حلف الاستقلال الذي يضم الآن معنا روسيا والصين وإيران وكوريا الديمقراطية وفنزويلا وكوبا ، وتميل إليه دول أخرى مهمة كالهند وبيلاروسيا وجنوب أفريقيا . ولابد هنا من التذكير بحجر الأساس لهذا الحلف ، وهو بيان موسكو الشهير الذي وقعه الأسد وبوتين كانون الثاني 2005 .
سابعاً – وكي نكون واقعيين لابد من الاعتراف بأن حلف الاستعمار الجديد ما زال قوياً لكن قوته في تراجع مقابل تصاعد قوة حلف الاستقلال الذي عززه التصدي السوري نوعياً ..
ثامناً – إن عملية ” العودة إلى سورية ” مؤشر واضح إلى أن ” عودة سورية إلى وضعها الطبيعي ” أصبح أملاً عملياً وواقعياً . وعندها ستكون ” الظاهرة السورية ” مدرسة لكل شعب يحب أن يتعلم ..