عن أية مؤشرات -دعم ولادعم- تتحدثون؟!
قسيم دحدل
ثمة من يستسهل قضية الدعم، أي استطاعتنا حل هذه القضية من خلال خطوة رئيسة وهي تحديد من يستحق الدعم، ومن لا يستحقه، بحيث تكون مفتاحاً وبداية لخطوات أخرى.
أصحاب هذا الرأي، ونحن منهم، يستندون في “استسهالهم” إلى القول العامي: “صعّبها بتصعب..هوّنها بتهون”، وانطلاقهم من ذلك ليس من باب الاستسهال بمعناه البسيط أبداً، وإنما لأن أولى الخطوات العملية الفنية والتقنية قد تم إنجازها بشكل شبه كامل، والمتمثّلة بالبطاقة الذكية التي من المفترض أننا من خلالها تمكَّنا من إنجاز (داتا بيانات) أغلب الشعب السوري، على ما نعتقد.
في المقابل، هناك من لايزال يُصعّب القضية إما لأسباب موضوعية من وجهة نظره، أو لغايات “في نفس يعقوب”، وأصحاب هذا الرأي اثنان لا ثالث لهم، إما هذا أو ذاك.
سنترك “أصحاب الغايات” لغاياتهم، ونتجه للموضوعين في طرح الأسباب، لنسأل: ما هي الأسباب الموضوعية التي يمكن أن تحول دون إنجاز ملف الدعم، خاصة أنه قد أشبع دراسة ومناقشة ونقداً بعد مرور عقود عليه، والآن آن الأوان لوضع نقاط استحقاق الدعم أو عدمه أمام كل اسم.
هنا نسأل: لماذا لا نبدأ كمرحلة أولى باعتبار أصحاب الدخل المحدود، من العاملين والموظفين في الدولة، فئة مستحقة للدعم، ونطوي هذه الجزئية، مع لفتنا الانتباه إلى عدد المستويات الوظيفية التي لا يجب أن تُحسب في خانة المستحقين كونها تستفيد بشكل أو بآخر من مواقعها “المناصبية”؟.
فيما سلف، ربما يُحاججنا أصحاب “التصعيب” بالقول: ها أنتم أيها “المهوّنون” تصعّبونها؟.. لكن إجابتنا لهم ستكون بكلمتين فقط هما: “لنكن واقعيين”، فالذي لا يرى الشمس من الغربال يكون متعامياً لا أعمى.
ولأن حارتنا ضيقة ونعرف بعضنا بعضاً، وأصبحنا بأعمار وعقول تمكننا من التمييز الصحيح بين الغائية والموضوعية، نسأل: هل مؤشر “كل من فاتورة هاتفه المحمول تصل إلى 25 ألف ليرة لا يحتاج للدعم”؟.
هل هذا المؤشر (الذي ترك وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك كل المؤشرات ليكشفه مثلاً لا حصراً هو دليل الإدانة لعدم استحقاق الدعم)، موضوعي فعلاً ومُستند لدراسة وبيانات وإحصائيات صحيحة ودقيقة علمياً واقتصادياً، أم أنه “مؤشر” يرجع لتقدير شخصي مرتجل؟!.. وإذا كان موضوعياً فليكشف “معاليه” مبلغ فاتورة هاتفه المحمول أو أحد ذويه؟!.
دعونا نسهلها أكثر، عفواً نصعبها ونسأل: كم تبلغ، مثلاً أيضاً، فاتورة العاملين في الرقابة، وغيرهم في وزارة “حماية المستهلك”؟!.
رئيس الاتحاد العام للعمال استوقفه (وربما استفزه كما استفزنا، والحق معه ومعنا)، مؤشر فاتورة “الموبايل” الذي طرحه الوزير خلال ورشة العمل التخصصية التي نظّمها الاتحاد العام لنقابات العمال، والمرصد العمالي للدراسات والبحوث في مجمع صحارى العمالي تحت عنوان: “سياسات الدعم الاجتماعي في سورية.. البدائل المقترحة”.
رئيس الاتحاد، في مجمل ما ساقه لتفنيد قياس الدعم استناداً لـ “مؤشر فاتورة الموبايل”، حيث ظهرت جلية معارضته للوزير في الطرح واستعانته لهذا المؤشر التأشيري، أماط اللثام عما لايزال موجوداً من خلاف واختلاف في مقاربة قضية الدعم، حين أكد “أن البحث في آليات الدعم قبل البحث بمفهومه أشبه ما يكون بمن يضع العربة قبل الحصان”، ولم يكتف بذلك بل دعا إلى وضع أفكار بناءة قابلة للتطبيق، والتزام الواقعية عند التعاطي مع الأرقام، وتعميم ثقافة جديدة نحترم من خلالها الرقم.
ولأننا من أنصار الواقعية واحترام الموضوعية سنسأل أيضاً، ولتكن البداية في القياس من هنا: هل الوزير، أي وزير، ورئيس الاتحاد، أي رئيس يستحقان الدعم؟.
وهل كبار التجار والصناعيين والمستثمرين ورجال المال ومالكي المال والأطيان يستحقون، وفقاً لسجلاتهم التجارية والصناعية والاستثمارية والملكية، ووفقاً لضريبة الدخل لكل منهم؟!.
لن نطيل المحاججة والتفنيد لمؤشر فاتورة المحمول، وسنختم بالقول: إذا أردنا لهذا المؤشر أن يكون صحيحاً وقابلاً لإقامة الحد على من لا يستحق، فيا ليتنا نطلع ونستعين بالحسابات الاكتوارية، ومنها مثلاً: عدد ساعات تقنين التيار الكهربائي وأوقاته وصلاً وقطعاً، وبالتالي كم هو الزمن المستفاد من النت المنزلي، حيث يضطر الكثير من أصحاب الهواتف المحمولة لتعويض انقطاعات النت وسوء خدماته لشراء الوحدات وخطوط السيرف (غير المعلوم والمعروفة حساباتها واقتطاعاتها) لمتابعة أعمالهم وتحصيل رزقهم.
إذاً، والحال كذلك، سيكون معظم الصحفيين ممن يبحثون عن “المتاعب” مهددين وعائلاتهم بحجب الدعم عنهم، ولتسقطوا على بقية الشرائح المماثلة في احتياجاتها للمحمول هذا “التهديد”؟!.
وعليه قبل أن تحددوا مؤشرات الدعم وعدمه، جُزافاً واعتباطاً، احسبوا ميزان الإيرادات والنفقات للعائلة السورية (الدخل الشهري مقارنة بمبالغ فواتير الخدمات من ماء وكهرباء وهاتف والرسوم المُحملة عليها، وغيرها من الضرائب والمتطلبات المعيشية والصحية والعلاجية والتعليمية والسكنية.. إلخ فقط)، وبعدها تحدثوا عن المؤشرات، هذا إن أردتم أن تُطاعوا وفقاً للمستطاع، في زمن جنون الأسعار، وجموح التضخم، واضمحلال المنافسة، وتغوّل الاحتكارات، ومنها احتكار الرأي!.
الغريب العجيب، أن هناك من يتحدث عن المؤشرات وهو لم يستطع لغاية الآن إيجاد حل لتوزيع المقنن، واستكمال تأمين مادتي الأرز والسكر أو إحداهما؟!.
ليس أخيراً، نأمل ألا نقارب ملف الدعم كمقاربة “التاجر البارع الذي يتسع صدره لسخافات الزبائن، وجيبه لنقودهم”!.