دراساتصحيفة البعث

كذب شركات النفط الكبرى

عناية ناصر

المثير للصدمة أن أزمة المناخ اليوم مدفوعة بتزايد درجة الحرارة العالمية بمقدار درجة مئوية واحدة، والتي نجمت في المقام الأول عن الوقود الأحفوري. ويمكن أن ترتفع درجة الحرارة – إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة- بمقدار أربعة أضعاف هذا المستوى،مما يترك أطفال العالم يواجهون مستقبلاً مروعاً. فقد شهدت الولايات المتحدة وحدها الفيضانات الأخيرة على الساحل الشرقي، والأعاصير المتصاعدة في الجنوب والحرائق المستعرة والجفاف في الغرب، وهي رغم مأساويتها، مجرد موجات مقارنة بتسونامي الكوارث المناخية القادمة.

كما تعاني الدول حالياً في جميع أنحاء العالم من مجاعة ناجمة عن المناخ، حيث توقعت مجلة ” ساينتفك أمريكان” أن ينخفض محصول الذرة في المستقبل في الولايات المتحدة ​​بنسبة 50٪ تقريباً، مما يتسبب في بؤس وموت لا يوصف للملايين ، ويؤدي إلى هجرات جماعية للغذاء. ونظراً لأن قادة العالم تباطئوا في العمل وفقاً لاتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 ، تستمر الانبعاثات العالمية لثاني أكسيد الكربون في الارتفاع بشكل مطرد.

إن الإجراءات المطلوبة  يجب أن جذرية وهي ممكنة، لكن كيف وصلت الأمور إلى هنا في المقام الأول؟. باختصار، كذبت شركات الوقود الأحفوري على العالم، فمنذ أكثر من 50 عاماً حذر علماء المناخ من ظاهرة الاحتباس الحراري. وبالعودة إلى الثمانينيات، تنبأت دراسات “إكسون” بالكوارث المروعة التي سيحدثها استمرار حرق الوقود الأحفوري للناس في جميع أنحاء العالم. وبدلاً من اتخاذ إجراءات للحفاظ على البيئة ، تآمرت صناعة الوقود الأحفوري بمساعدة شركائها في الكونغرس لإبقاء العالم في الظلام، وقامت شركات النفط الكبرى بتمويل حملة ناجحة للغاية ألقت بظلال من الشك على وجود ظاهرة الاحتباس الحراري. وفي وقت لاحق، عندما لم يعد ذلك ممكناً، أنفقت مبالغ طائلة لإقناع العالم بأن الاحتباس الحراري لم يكن بسبب النشاط البشري، وضغطت على أعضاء الكونغرس للاستجابة لمصالحها، وقد اعترف البيت الأبيض  في عام 1989 بفرض رقابة على تقرير لعالم المناخ جيمس هانسن الذي حذر فيه من الأزمات الوشيكة التي يسببها كوكب ساخن.

الحل

الخبر السار هو أن الانتقال إلى اقتصاد نظيف والتقليل السريع من انبعاثات الكربون أمر ممكن الآن، و التكنولوجيا متوفرة للقيام بذلك. فعلى سبيل المثال، يوضح البروفيسور مارك جاكوبسون من جامعة ستانفورد كيف يمكن تشغيل 133 دولة وجميع الولايات في الولايات المتحدة بالطاقة المتجددة مثل المياه والرياح والطاقة الشمسية. وبما أن المؤسسات المالية أصبحت أكثر وعياً بمخاطر الصناعة المنهارة والمزايا المالية للاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة، فإن الانتقال سوف يكتسب سرعة كبيرة.

تعمل  شركات الوقود الأحفوري من أجل بقائها، وهي تخشى من حركة سحب الاستثمارات وتقادم صناعاتها في المستقبل القريب جداً، لقد التزمت المؤسسات بسحب 14.61 تريليون دولار من شركات الوقود الأحفوري في عام 2018، وفي مؤتمر النفط والمال السنوي الذي جرى هذا العام، كان السؤال الذي ناقشه الرئيس التنفيذي للوقود الأحفوري هو ما الذي تحتاج الصناعة إلى القيام به على صعيد العلاقات العامة لمكافحة حركة تراجع الوقود الأحفوري المتزايدة؟.

الجواب واضح، فقد قررت شركات الوقود الأحفوري الترويج لأنفسها كجزء من حل المناخ، لقد ادعت أنها ستعمل لدعم الهدف المضلل المحزن لاتفاقية باريس للمناخ المتمثل في صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. وفي الآونة الأخيرة أضافت بمهارة لمسة عدالة اجتماعية إلى حملتها. لكن منذ متى يهتم عمالقة النفط بالعدالة الاجتماعية وهم يعملون تحت ستار صفر انبعاثات لمواصلة حرق الوقود لأطول فترة ممكنة؟.

وخلال هذا النقاش، حذر عالم المناخ روبرت واتسون، من جامعة إيست أنجليا من أنه حان الوقت للتعبير عن مخاوفنا والصدق مع المجتمع الأوسع. لن تحافظ سياسات صافي الصفر الحالية على الاحترار في حدود 1.5 درجة مئوية لأنها لم تكن مقصودة على الإطلاق. إن شركات النفط تعمل مدفوعة بالحاجة إلى حماية العمل كالمعتاد، وليس المناخ.  والادعاء الأخير لشركة “إكسون” بأنها ستكون قادرة على التقاط ملايين الأطنان من الكربون بحلول عام 2040 هو مهزلة، لأن احتجاز الكربون وتخزينه غير مثبت وغير كافٍ على الإطلاق، في حين أن الوقود الأحفوري ينبعث منه أكثر من 30 مليار طن من الكربون كل عام. وهنا تفخر شركة “إكسون” بالتباهي بأنه بعد عشر سنوات من الحاجة إلى تقليل انبعاثات الكربون بنسبة 56٪ ، ستكون قد استحوذت على ما مجموعه 0.3٪. مرة أخرى.

يقول البروفيسور واتسون: ” الاعتماد على آليات إزالة ثاني أكسيد الكربون غير المختبرة لتحقيق أهداف باريس عندما نمتلك التقنيات اللازمة للانتقال بعيداً عن الوقود الأحفوري اليوم هو أمر خاطئ ومتهور.  لماذا نحن على استعداد للمقامرة بحياة وسبل عيش الملايين من الناس، وبالحياة الجميلة في كل مكان من حولنا، وبمستقبل أطفالنا؟. نحن على مفترق طرق، وبدلاً من الخداع مرة أخرى من قبل عمالقة النفط، يجب علينا إنهاء دعم الوقود الأحفوري، والإصرار على أن مؤسساتنا المالية، بما في ذلك صناديق التقاعد لدينا، أن تتوقف عن استثمار أموالنا التي حصلنا عليها بشق الأنفس في الصناعة التي يجب أن تموت إذا أردنا البقاء على قيد الحياة”.