وطن يهزم المستحيل
غالية خوجة
ستظل السماء في بلادي على موعد مع المستقبل، وسيظل المستحيل هارباً من بلادي دون رجعة ومستقبل.
قد يتساءل البعض: هل هي مبالغة؟!
وتؤكد الغالبية على الحالة الواقعية التي تترجمها مشاهدنا اليومية في وطننا الرائع، ومنها حالة الجندي العربي السوري الذي أصبح، والحمد لله، أحد أهم مستحيلات الدنيا وعجائبها وهو يصون وطنه ولا يقبل إلاّ بالانتصار حتى لو استُشهد أو صار من جرحى الوطن. وهذا ما تؤكده المشاهد الحياتية اليومية في سوريتنا الحبيبة، وتعكسه أحوال الناس من كافة الفئات، وجميعهم يمتلكون مضاداً روحياً وأخلاقياً وانتمائياً يترجمونه عملياً للتشبث بجذورهم وصناعة حياتهم حتى من اللا شيء.
من هؤلاء المرأة السورية نجلاء برغل “أم هشام”، التي بدأت بمحو أميتها في الخمسين واستمرت في التعلّم إلى أن نالت الشهادة الجامعية، وهي مستمرة في التعلّم لتنال أعلى الشهادات، خصوصاً وأنها أمّ لعشرة أبناء.
لقد أثبتت هذه السيدة الطامحة المنجزة أن العقل السوري قابل للتعامل مع التنوير والوعي المضيء والإمكانيات اللا محدودة لتنظيم الوقت والحياة، متحدية أحلك ظروف الحرب الإرهابية، ومصاعب الحياة اليومية، مستمرة في التغلّب على شتى أنواع الصعاب، وجعلتنا نعيد المعنى إلى عمقه الأكثر حضارية، فلا نقول: إن المرأة في دول العالم الآخر وحدها نالت الشهادة الجامعية في التسعين، بل ها هي المرأة السورية الإيجابية الواعية التي تورّث الطموح والإرادة والمستقبل، ولا تسأل عن موسوعة “غينيس” مثلاً، لأن هدفها أكبر من مجرد الشهرة، وهي سعيدة أن تكون المجندة المجهولة التي تعمل ما بوسعها وأكثر للارتقاء بنفسها وعائلتها ومجتمعها بكل طيبة.
ولقارئ المشهد السوري، أن يلمح بائع البسكويت العجوز وهو يتجول عفيفاً، أو أول فتاة مصابة برصاصة قناص إرهابي جعلها تتوكأ العكاز، وتضع على سور أحد الأبنية بضاعتها البسيطة وتنتظر المشترين، أو حين ترى كيف تحمل المرأة المسنّة خبزها بيد، وتمسك عكازها باليد الأخرى، أو حين ترى طفلاً يحمل أسطوانة الغاز لإيصالها للناس سعيداً لأنه يعيل أخوته الأيتام وأمه التي تنتظره ليعود بقوت يومهم فلا يمدون يداً لغير الله.
ولا تبدو اللوحة الحياتية بألوانها المشهدية مكتملة إلاّ بحضور الأطفال والشباب وهم يُحضرون أحلامهم من أشجارٍ علّمت النار أن الماء أقوى، وأن الوطن سرّ مركزي تدور حول مداره أسرار العناصر الكونية الأربعة، وأن الأبجدية ستصير نصوصاً موسيقية، وكتابية، وإيقاعية، وتشكيلية، ومسرحية، وعلمية، واختراعية، ولن تتوقف الحياة وراء قضبان الحصار المعادي المتنوع، المختلف، الحربائي، الإرهابي.
ومن هذه اللحظة المطلة على العالم من خلال نوافذ هذا المشهد، تكتشف طفلاً يحفظ الشعر ويحاكي المعلقات بقصائد جديدة، بينما الصبايا والشباب فتجذبهم القصائد ليكتبوها ويقرأوها سعيدين، ليكونوا شعراء المستقبل.
الأبجدية الجديدة المتحركة في حياتنا السورية تثبت لنفسها وللعالم أن سوريتنا الحبيبة عالم إبداعي بحدّ ذاته، حضاري رغم كل ما أُريد له من تخلف ودمار وجهل وظلام، وكيفما تحركتَ وتجولتَ ونظرتَ تقرأ ملامح الولادة الجديدة لرائحة الغيم وهي تلون بالبنفسجي والأزرق والأبيض والأخضر والأصفر، وتنبت تحديات جديدة جذرها نابتٌ من دم الشهداء ـ دم واحد لدماء الشهداء الواحدة ووطن واحد وهوية واحدة وانتماء واحدـ وجذرها ثابت في وطن الحق والنصر والشهداء، وفرعها مشرقٌ في أقصى عمقٍ للسماء، تردد: صباحكم وطن قراءنا الأعزاء.