ترجمة أدب تشرين
حسن حميد
بلى، إنّها مناسبة أكثر من ضافية ووافية لكي نتحدّث عن أهميتها، أعني حرب تشرين، التي أرادت استعادة الحقوق التي اغتُصبت، واستعادة الكرامة التي أوذيت، والروح التي ظُلمت، ولكي نتحدّث عن السبل المكينة التي تخوّلنا التعريف بها حقّ التعريف في جميع أنحاء العالم وبلغاته.
لدينا قصائد كثيرة، وقصص كثيرة، وروايات كثيرة، دارت حول حرب تشرين، وكلُّها استلهمت من ضفتين باديتين هما: الحقوق، وسيرة أبطالنا، أي الانتماء والوعي، الانتماء إلى الأرض والوعي بحريّتها وقداستها، ولكن هذا الأدب بقي طيّ اللغة العربية، أي نعرفه نحن، ولم يخرج بعد إلى اللغات العالمية ليعرفه الآخرون، على الرغم من مرور ثماني وأربعين سنة بالتمام والكمال، ومن الممكن أن تمرّ سنوات كثيرة أيضاً، ويظلّ أدب حرب تشرين في مديات اللغة العربية فحسب، وهنا أتساءل كيف عرفنا رواية (الحرب والسلم) لتولستوي (1828-1910) لولا الترجمة، ورواية (كل شيء هادئ في الميدان الغربي) لـ إريك ماريا ريماك الألماني (1898-1970) لولا الترجمة، ورواية (صمت البحر) لـ فيركور الفرنسي (جان بروليه 1902-1991) لولا الترجمة، وقصص وروايات الصينيين والفيتناميين والهنود والجنوب أفريقيين.. إلخ لولا الترجمة؟.
الترجمة هي التي عرّفتنا ببطولات الروس في رواية (الحرب والسلم) وهم يواجهون توحش نابليون بونابرت وجيوشه، وغيرها من بطولات أبناء الشعوب الأخرى، أي حين انتبه المعنيون بالترجمة إلى ضرورة اختيار المترجمين المقتدرين، أهل الثقافة والحذق، لترجمة تلك الأعمال إلى اللغات العالمية، لقد عرفنا هذه الروايات والقصص والمسرحيات والقصائد من خلال مترجمينا العرب الأفذاذ حين اختارتهم المؤسسات ودور النشر المعنية بالترجمة لنقل تلك الآداب إلى اللغة العربية: أمثال غائب طعمة فرمان، وأبو بكر يوسف، وسامي الدروبي، وصيّاح جهيم، وعبّاس محمود العقّاد، وسهيل إدريس، وصالح علماني، وإحسان عبّاس.. إلخ.
أمرٌ كهذا، يدلّنا أنّ السبيل للتعريف بحقوقنا، وبطولات أبناء شعبنا، وما تعانيه من ويلات الكيان الصهيوني الذي يرعاه الغرب، هو في جانب من جوانبه، أن تترجم مدوناتنا الأدبية (التي تتحدّث عن حقوقنا وبطولاتنا وانتمائنا ووعينا بمفهومي الوطن والمواطنة، وبمعاني التاريخ والجغرافية والشخصية الحضارية، والقيم النبيلة وأبداها الكرامة والحرية والكبرياء) إلى اللغات الأخرى، ليعرف الآخر من نحن، وما هي أحلامنا، بعدما لفّنا الظلم.
إنّ روايات تحدّثت عن حرب تشرين لها قيمتها الفنيّة العالية، وغناها متعدّد الصور والوجوه، مثل: المرصد لـ حنّا مينة، وأزاهير تشرين المدماة لـ عبد السلام العجيلي، وصخرة الجولان لـ علي عقلة عرسان، والأبتر لـ ممدوح عدوان، وتاج اللؤلؤ لـ أديب نحوي، ورفقة السلاح والقمر لـ مبارك ربيع، والخندق لـ وليد الحافظ، وجياد الفجر لـ علي المزعل، والرفاعي لـ جمال الغيطاني، لهي جديرة بأن تترجم إلى اللغات العالمية لكي تعرف شعوب العالم لماذا كانت حرب تشرين، ولماذا كان الأدباء جنوداً في ساحات المعركة الثقافية.
هذه الروايات المهمّة لن تُعرف في اللغات العالمية من دون المترجمين الأفذاذ الذين يحملونها بالاقتدار والمُكنة إلى اللغات الأخرى، وهذا يتطلّب القرار والرعاية والمثابرة، كي لا يظلّ الحديث عن حرب تشرين حديثاً داخلياً مشدوداً إلى ضفّتين هما سورية ومصر، فهذه الحرب ما عنت سورية ومصر وحدهما، بل عنت البلاد العربية، وعنت الحرية من ظلموت الكيانية الصهيونية التي زرعها الغرب زرعاً للشر والشقاق والفرقة. فهل نحن فاعلون؟!.
Hasanhamid55@yahoo.com