ثقافةصحيفة البعث

معرض سوسن حاج إبراهيم في صالة لؤي كيالي بدمشق

تعرض حالياً في صالة لؤي كيالي للفنون الجميلة في الرواق العربي بالعفيف لوحات الفنانة سوسن حاج إبراهيم في المعرض الفردي الثاني لها الذي يضم أكثر من ثلاثين لوحة متعددة القياسات منفّذة بألوان الأكريليك على الورق والكرتون والقماش، وتتناول مواضيع تصويرية تعبيرية، إلى جانب المحاولات التجريدية والتجريبية التي تتصف بالمثابرة، والمحاولات المستمرة وربما اليومية عند هذه الفنانة المولعة بالألوان وفن الرسم والتعبير كفسحة روحية تحقق لها ذاتها التي تحب وتسعى بكل عافية.

وقد كتب الفنان والناقد غازي عانا حول هذا المعرض: وجوه، وطبيعة صامتة تحضر بخجل، وتغيب في فضاء ونسيج بصري ممتع، هما الموضوعان اللذان أخلصت لهما الفنانة التشكيلية سوسن حاج إبراهيم في معرضها مؤخراً الذي كان للشق الثاني منه (التجريد) الحصة الأكبر، وخاصة عندما تكتفي به كفضاء ورغبة في التماهي لمجمل الشكل، هذه الصياغات التي أخلصت لها، وبخاصة في الفترة الأخيرة، موضوع “التجريد” هنا الذي أكثر ما يجعله مميزاً ومدهشاً كفضاء ذلك الهامش من الحرية الذي تتحرك به الفنانة كونها لم تدرس الفن دراسة أكاديمية، ومازالت تمارسه كهواية وتدرّب، فأخلصت للوحتها التي تبوح لها بمنتهى الصدق حول كل ما يجول في نفسها وعقلها من مشاعر وأحاسيس تنثرها بمحبة على هذه المساحة البيضاء على شكل مؤثرات بصرية لطيفة من غرابتها وإيهامها في معظم الأحيان، وهذا ما يساهم في تفاعل المتلقي أكثر مع لوحتها بأشكال تعبيرها وموضوعاتها المختلفة عموماً.

بداياتها ببساطة تجارب وشغف يومي مع الألوان والريشة منذ طفولتها المبكرة، حيث حصلت على جائزة معرض الطفل العالمي، وشاركت بمعارض أقامتها وزارة الثقافة من خلال مجلة أسامة للطفل العربي، وهذا دفعها للالتحاق بمركز أدهم إسماعيل للتدرّب وصقل الموهبة، وأكملت تعلّمها بمركز أحمد وليد عزت، مستفيدة من خبرة الأساتذة في تلك الفترة من كلا المركزين، كما استفادت من قبل من خبرة الفنانة ليلى نصير التي كانت معلمتها بالمدرسة الثانوية، فقد اهتمت الفنانة بتحصين تجربتها من خلال اكتسابها بعض المعرفة التقنية، وأصول الرسم والتعامل مع الألوان، وهكذا إلى أن تخرّجت نادمة في كلية الاقتصاد والتجارة- على حد قولها- ولم يسعفها الوقت بعد الزواج لتدرس في كلية الفنون، وهي مقتنعة بأن ما أنجزته إلى الآن هو مجرد سلسلة من التجارب المستمرة والمنسجمة، والأهم أنها كانت سعيدة بهذا التجريب الذي مازال يشكّل هاجساً بالنسبة لها، وهي ترسم متجاوزة حدود المكان والزمان والحالة الراهنة، المهم أن تستمر بالرسم بتشجيع من حولها، ومنهم بالأخص زوجها الطبيب الأكثر تفهّماً لهذه العلاقة مع اللوحة، وأيضاً لتكون سعيدة بإنجازها الذي تعتبره لغة راقية تحقق ذاتها الإبداعية، وتتواصل من خلاله مع الآخرين، بغض النظر عن الأسلوب، أو طريقة الصياغة، أو منظومة الألوان والأدوات التي ستستخدمها خلال فترة الإنجاز.

لقد تحول الفن بالنسبة لسوسن إلى هاجس يؤرقها كما يؤنسها في الوقت نفسه، حتى أصبح شغلها الشاغل وموضوعها، كما يلبي حاجتها الروحية والنفسية التي تحقق كثيراً من توازنها وراحتها، وهذا بدوره ينعكس على علاقتها المتصالحة مع ذاتها أولاً، ومن ثم مع المحيط والمجتمع بشكل عام.

الإنسان عنصر أساسي ومدلّل في عملها يرتبط بعلاقة جدلية لامنظورة مع معظم مفردات اللوحة التي تدور في فلكه، وتعزز من تفرّده كمحور ومركز اهتمام، امرأة بمفردها، أو مع شريك أو أكثر ليس مهماً، المهم الانتصار للإنسان بكافة أحواله: (رقص، حلم، عشق أو حزن)، وغيرها من الحالات الإنسانية المختلفة التي تهتم الفنانة بإظهارها من خلال تعابير الوجه والعيون بشكل خاص، كما في حركة الجسد والأيدي، بالإضافة إلى الترميز عن الحالة باللون ومشتقاته، وسيولة الخط وتقطعاته الذي يرسم هيئات الأشخاص، ويدلّل على أشكالهم التي غالباً ما تخفي بعضاً منها، أو معظم الجسد أو الوجه أحياناً، مكتفية بالإيحاء والدلالة.

اللافت في تجربة سوسن حاج إبراهيم صدقها في التعامل مع الفن، وشجاعتها بالتعبير عن كل ما يجول بخاطرها وعقلها الباطن من خلال الرسم، واللوحة التي قد تعتبرها أنقى مساحة للبوح، وأكثر كائن يمكن أن يسمعها حتى ينتهي الكلام دون مقاطعة أو اعتراض، وهذا نتيجة اتساع هامش الحرية لديها، وعدم الاكتراث بتلك الضوابط الأكاديمية التي يمكن أن تقيّدها، أو تحد من رغبتها باختيار ما ترغب من الأساليب أو الصياغات لتنهي من خلالها عملها بالشكل الذي يحقق لها السعادة والمتعة أثناء الاشتغال، وهذه إحدى أهم غايات الفنان، أن يمضي وقتاً مفيداً وممتعاً بعيداً عن كل ما يجري من حوله من أحداث وظروف وتفاصيل يمكن أن تؤثر على نتيجة اللوحة وهي الأهم بالنهاية.

هي واحدة من الفنانات البعيدات عن الشهرة، والغزيرة بإنتاجها ومشاركاتها، تحية تقدير إلى الفنانة سوسن حاج إبراهيم المجتهدة، والمسربلة بعشقها للفن، ولوحاتها التي قدمتها في هذا المعرض الذي ازدحم بالأعمال.

أكسم طلاع