أردوغان.. الاستئثار بالسلطة ولو بسفك الدماء
محمد نادر العمري
بات الوضع السياسي لرئيس النظام التركي رجب أردوغان في دائرة الخطر، حسب وصف صحيفة “الزمان” التركية، ولاسيما مع تزايد الأوضاع والظروف التي جرت عكس مطامع وتوهمات أردوغان، ابتداءً من الأوضاع السياسية والاقتصادية الداخلية، وانتهاءً بخيبات آماله الخارجية، وفشل مشاريعه التدخلية العدوانية في سورية والعراق وليبيا وآسيا الوسطى، وتوتر العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة جملة ملفات خلافية سادت العلاقة بين الطرفين منذ نهاية حقبة الرئيس باراك أوباما التي تمثل إدارة جو بايدن اليوم امتداداً لها، فضلاً عن توتر العلاقة مع معظم دول الاتحاد الأوروبي نتيجة الموقف الحازم للأخيرة برفض قبول تركيا بنظامها الحاكم الحالي وسلوكه الهمجي للدخول ضمن الاتحاد، بالإضافة إلى التوترات الناجمة عن التوظيف السياسي غير الإنساني للاجئين، وابتزاز أوروبا وأمنها للحصول على الأموال والمصالح التي شكلت دافعاً عدوانياً لتركيا نحو ابتزاز دول المتوسط فيما يتعلق بالنفط والغاز.
هذه الأحداث تركت تأثيراتها دون شك على الوضع الانتخابي لرئيس النظام التركي في الانتخابات الرئاسية عام 2023، خاصة وأن جملة العوامل هذه أو معظمها لعبت دورها التأثيري في الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي أدت لفقدان “العدالة والتنمية” أبرز معاقله منذ عام 2002 حيث باتت الأضواء تتسلط اليوم على شعبية الحزب أولاً، وشعبية أردوغان ثانياً في ظل أوضاع داخلية لن تمرّ مرور الكرام، وخاصة الوضع الاقتصادي المتردي الذي يترك تأثيره المباشر والحتمي على المستوى المعيشي للمواطن التركي الذي لن يتوانى عن اختيار مرشح آخر في حال قدّم برنامجاً انتخابياً يحسّن من مستوى حياته، في ظل عجز أردوغان والتنمية عن انقاذ الاقتصاد المنهار، وتزايد وتيرة تغير المعالم العلمانية لتركية مقابل تعميم الفكر والنهج الإخواني، وانتشار ظاهرة قمع الحريات وتضييقها بحق الداخل التركي.
كل ما تقدم يفسح المجال أمام المعارضة التركية لتنمية وجودها وحضورها، وخاصة بعد تدعيم صفوفها بأركان رئيسية من منشقين عن حزب العدالة والتنمية والذين يملكون حضوراً ووزناً شعبياً له ثقل مؤثر في تكوين الرأي العام وتغييره حينما تقتضي الضرورة، وهو ما يدفع للسؤال الجدي ما الذي يملكه أردوغان من خطوات لتفادي مواجهة السقوط السياسي؟.
من بين الخيارات المطروحة أن يعقد أردوغان صفقات مع المعارضة أو جزء منها في محاولة خرق صف المعارضة، وخاصة مع احتمال إغراء بعض هذه المعارضات بمناصب سياسية، ومن الاحتمالات الأخرى أن يتمكن أردوغان وحزبه من تصحيح الأوضاع الداخلية خلال فترة وجيزة عبر تصحيح علاقاته مع الخارج وانعكاسها على استقطاب رؤوس أموال استثمارية أو قروض. هذان الاحتمالان واردان، ولكن من الصعوبة بمكان تحقيقهما، فالخيار الأول يواجه بتحدي إصرار المعارضة على اختلاف توجهاتها بتوحيد جهودها لإسقاط أردوغان، بينما الخيار الثاني من الصعب تحقيقه في ظل تمسّك أردوغان بمحاولة إقحام نفسه في الأزمات الدولية والإقليمية وتوسيع قائمة خصوم تركيا!.
أما الخيار الثالث والذي نبّه إليه قادة المعارضة بشكل علني وصريح فيكمن بقيام رئيس النظام التركي وحزبه بالتخطيط لاغتيالات سياسية محتملة، وهو ما جاء على لسان زعيم المعارضة التركية، رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليتشدار أوغلو، والذي قال إن لديه مخاوف من حصول جرائم سياسية، والذي بدوره رفض الخوض بالمزيد من التفاصيل، أو تحديد أسماء بعينها معرّضة للاغتيال، وتأكيده بأن أردوغان قد يفعل أي شيء للبقاء في السلطة.
هذه المخاوف حول الاغتيالات، أكدها أيضاً زعيم المافيا التركية “سادات بكر”، كاشفاً أن هناك قائمة اغتيالات سياسية أطلق عليها اسم “قائمة الموت” موضوعة من قبل النظام الحاكم، مؤكداً أنه مدرج على تلك القائمة ذاتها.
وفي السياق ذاته، يؤكد باقي زعماء المعارضة أنهم يأخذون تهديدات الاغتيال على محمل الجد، حيث قال نائب رئيس “حزب الجيد”، كوراي أيدن في تأكيده على حديث كليتشدار أوغلو: “لقد سمعنا أيضاً أنه ستكون هناك اغتيالات سياسية”، بينما شارك زعيم “حزب المستقبل”، أحمد داوود أوغلو في النقاش مضيفاً: “علينا جميعاً أن نكون في حالة تأهب”.
المؤكد أن أردوغان الذي لم يترك وسيلة إلا واتبعها من أجل الاستئثار بقيادة حزب العدالة أولاً، ومن ثم تغيير الدستور لتربعه في السلطة وإمساك كامل مفاصل الدولة بيده، واستبعاد جميع خصومه الحزبيين والسياسيين من دائرة تهديده، قد يقدم على أي سلوك للاستمرار في عرش السلطنة التي يبتغيها وإن قامت على سفك الدماء في استجلاب لذكريات السلطنة في عهدها السابق.