هل الترجمة خيانة للنص؟
البعث الأسبوعية- سلوى عباس
هناك من يقول: “أن تكون مترجماً فأنت خائن”، ويقصدون هنا “الخيانة الجمالية” للنص الأصلي عندما ينقل إلى لغة أخرى تتطلب تدخل المترجم لإضفاء صفات جمالية ودلالية على النص الجديد، حتى لو أدى ذلك إلى بعض التنازلات المقبولة عن خصائص النص الأصلي، وبما لا يخل بجوهر المحتوى الدلالي للنص في لغته الأصلية”.
والمترجمون هم رسل التفاهم المتبادل بين الناس، ولولا مهنتهم هذه التي تتطور باستمرار، والتي تجمع نتاج العالم في حقول المعرفة جميعها، وتقدمه للناس باللغة التي يفهمونها، لما تقدمت البشرية وازدهرت، فهم حملة معرفة، حملة ثقافات، حملة قيم الخير والعدالة والجمال للناس من دون تمييز أي نوع، والنقل بين لغتين يحتاج لمهارة مزدوجة وهذا يضع المترجم أمام مسؤولية الكلمة المنقولة من اللغة الأم إلى اللغة الهدف، وقد تعاظمت أهمية الترجمة مع تفجر ثورة المعلومات، ولا نخالف الحقيقة عندما نؤكد أن الترجمة والتعريب يساهمان في تناسق الأفكار والمعطيات العلمية وانفتاح الشعوب على بعضها، واللغة العربية كان لها الفضل في تقدم العالم فلا يمكن أن تصبح غريبة وعاجزة عن مسايرة هذا التقدم.
وعندما نتحدث عن الترجمة عموماً سنتوقف أمام الكثير من المشكلات تتعلق بمدى الدقة والموضوعية والأمانة ومدى تمكن المترجم من اللغة المترجم عنها وإليها، وتختلف أنواع الترجمة بحسب المادة المترجمة، مع التأكيد أن لكل نوع خصائصه المميزة ومقوماته وشروطه التي يجب التقيد بها والعمل بموجب معاييرها ونواظمها، ومن بين تلك الأنواع الترجمة الأدبية التي تقوم من وجهة النظر التحليلية للمعنيين بتقييم الترجمات على جملة من الثنائيات تتجلى في ثنائية لغوية “اللغة المصدر التي يترجم منها واللغة الهدف التي يترجم إليها” وثنائية الثقافتين وثنائية الأثر “التأثر والتأثير” فلكل لغة قواعدها ومكوناتها الثقافية، ولا تكتفي الترجمة بفك رموز النص وتأويل قوالبه ثم نقلها إلى اللغة الهدف على مايفترضه ذلك من دقة ومهارة في التأويل، بل تتعدى وظيفة الترجمة ذلك إلى الأمانة في نقل الأثر الواقع على المتلقي.
ولكي يقترب المترجم من المؤلف الذي اختار ترجمة عمل من أعماله، لابد أن يكون مطلعاً على تجربته الإبداعية والثقافية والحياتية، ولأنه يصعب على المترجم الإحاطة بكل هذه التفاصيل، فإن النص الأدبي يأتي مختلفاً عن الترجمة الموضوعة عنه، وهذا مايطلق عليه من هم بعيدون عن هذا الوسط بـ”خيانة النص الأصلي”.
وكلما كان المترجم متمكناً ومستوعباً ومتمكناً من لغته الأصلية التي يترجم إليها ومدركاً لأصول اللغة التي يترجم عنها ومتفهماً لمفرداتها وظلال معانيها ومتمعناً في فكر ولغة الكاتب الذي ينقل عنه، كان مترجماً جيداً لهذا الكاتب أو ذاك، فالدراسة المتأنية والدقيقة لأي كاتب تعرّفنا به جيداً، فنفهم ما يفكر فيه ونعيش ما عاشه وعايشه، إضافة لضرورة أن يكون المترجم مبدعاً وقادراً على خلق حياة جديدة للنص المترجم من خلال معرفته المتعمقة بالمادة التي ينقلها، وقد صادفتنا الكثير من الترجمات التي يتقن مترجموها اللغتين لكنهم يفتقدون للمعرفة العميقة بالموضوع الذي يترجمونه، لذلك تأتي المادة المترجمة ضبابية وغامضة وبلا معنى، فالترجمة ليست مجرد عملية استبدال مفردات اللغات، بل هي عملية إعادة تعبير عن محتوى النص بكل مكوناته باستخدام لغة أخرى، فالأمانة في الترجمة لاتتحقق إلا ببذل المترجم كل جهده لإيجاد الألفاظ التي تحمل نفس الدلالات اللغوية والشعورية والفكرية.
وبناء عل ما سبق وفي وقفة عند أسباب “خيانة النص” غير المتعمدة نجد أن من أهمها عدم إلمام المترجم بثقافة النص الأصلي أو الهدف، مما يقود إلى أخطاء جسيمة تودي بالنتاج النهائي لعملية الترجمة، فتخرج مشوهة على المستوىين الثقافي واللغوي معاً، كما أن هناك من يعمد إلى تحوير وتحريف النص الأصلي، ليخرجه بصورة تتفق مع القيم والمعتقدات لدى أصحاب اللغة الهدف، وهذا الأمر مرفوض لأن الأمانة المطلوبة في الترجمة إنما تعني في جوهرها الدقة في نقل المعنى بما يضمن إحداث نفس الأثر الذي يتضمنه النص الأصلي.