الإدارة الرياضيّة التخصصيّة حبل النجاة لمستقبل رياضتنا والسبيل الوحيد لتقويم اتحاداتنا
البعث الأسبوعيّة- سامر الخيّر
مع اقتراب موعد عقد المؤتمرات السنوية لاتحاداتنا وبعد أكثر من سنة وثمانية أشهر على عمل المكتب التنفيذي الجديد، تعيش رياضتنا نقلةً صعبةً بين واقعٍ يراد تغييره وطروحات وأفكار بعيدةً جداً عن الإمكانات، هذا إن افترضنا أن النقلة حاصلةٌ فعلاً لا مجرد نيّةٍ وبعض القرارات هنا وهناك.
هذه الفترة شهدت صرف ميزانية كبير ومن حيث المبدأ هذا طبيعي في أي خطوة حقيقية نحو المستقبل، فالرياضة حالياً دون تمويل تبقى مكانها، ولكن الناظر إلى اتحاداتنا وقياداتها، والمقارن بين متطلباتها وإنجازاتها، يوقن أن ما ننظر إليه هو حلم بعيد المنال، بالتأكيد سننتظر حتى انتهاء المؤتمرات لننتظر ما سينتج عنها وسنعطي عاماً آخر حتى ننصف المكتب التنفيذي ثم يأتي التقييم الفعلي، لكن ما نطرحه اليوم هو وجهة نظر مستندة إلى دراسات عالمية نهدف منها الإضاءة إلى أحد أهم النواقص الضرورية في أي عملية تطوير رياضية، وهي الإدارة الرياضية، فعدم وجود كوادر متخصصة بالإدارة هو العائق الأكبر في وجه أي مشروع رياضي مهما جُمّلت ملامحه، فالإدارة الرياضيّة أصبحت اختصاصاً يدرس في كل البلدان ذات الإيراد الرياضي المستديم.
وهي تعريفاً الإدارة المرتبطة بالتخطيط والتنظيم والتوجيه والمتابعة والميزانيات والقيادة والتقييم داخل هيئة تقدم رياضة أو أنشطة بدنية أو ترويحية، وفن تنسيق هذه العناصر وإخراجها بصور منظمة من أجل تحقيق أهداف هذه الهيئة، متوخين في ذلك أفضل استخـدام ممكن للإمكانيات المادية والبشرية والفنية المتاحة في الهيئة، ومن هذا التعريف يمكن استشفاف مكامن الضعف لدينا، فرغم أن الاشتراط في الانتخابات الأخيرة أن يكون المرشح لمنصب رئيس اتحاد أي لعبة حاصلاً على الشهادة الثانوية إلّا أن هذا لا يكفي وخصوصاً أن أغلب أعضاء اتحاداتنا هم من الأبطال السابقين غير المؤهلين إدارياً أي أنه لا يوجد من يلمّ بهذه الوظيفة، ولو قمنا بعمل دراسة للسيرة العملية لأعضاء ورؤساء اتحاداتنا لمعرفة تخصصاتهم ودرجاتهم العملية لخرجنا بمعلومات صادمة تكشف الواقع المرير في هذا الجانب، وفي حال تغاضينا عنها في منصب رئيس الاتحاد لأسباب كثيرة، كالتوافق عليه من قبل الكوادر أو حصوله على الكثير من الإنجازات والإشادات أثناء تدرجه من لاعب ومدرب وخبرة، لا يجب أن نتهاون أبداً في تواجد عضوٍ على الأقل في كل اتحاد حاصل على تخصص في الإدارة الرياضيّة، ولأن سبب طرحنا لهذه الفكرة اقتراب المؤتمرات فضلنا عدم التطرق للحديث حول ضرورة وجود مثل هذا التخصص في المكتب التنفيذي نفسه.
وطبعاً يجب أن نتنبه لنقطةٍ مهمةٍ جداً، التمييز بين القائد والإداري، فاتحاداتنا ملئية بالنوع الأول وهو الرافع الرئيس لرياضتنا حقيقةً في ظلّ غياب الثاني، فهو من يمتلك قدرة التأثير على الآخرين وتغيير القناعات والوصول لأكبر شريحة من الفئات المستهدفة في القطاع الرياضي، ولو أن التحزبات والمصالح الشخصيّة أتت على بعض هؤلاء كما حصل في اتحاد الكيك بوكسينغ قبل أن ترجع الأمور إلى مسارها الصحيح في التشكيل الجديد للاتحاد.
للأسف كل إنجازاتنا الرياضية هي نتاج تراكم للخبرات لا عن دراسة وتدبير، فالرياضة في وقتنا هذا أصبحت علماً قائماً بحد ذاته، وباتت تقترن بالاقتصاد لدورها الفعال والمؤثر في العملية الاقتصادية من خلال جني الأرباح الطائلة من عوائد التسويق والرعايات والبث التلفزيوني وتنظيم البطولات وسوق تعاقدات وانتقال اللاعبين رغم عدم استفادتنا القصوى من هذه النقطة بالذات نتيجة عدم وجود ضوابط للتعاقدات سواء للاعبين أو أنديتهم وخير مثال لذلك ما حصل مع نادي الوحدة وصفقة اللاعب عمر خريبين، لذا هناك اهتمام بالغ بجانب الإدارة الرياضية عالمياً باعتبارها المنفذ الوحيد للولوج إلى عالم التقدم والريادة على الصعيد الرياضي، ولهذا يتم التركيز على هذا الجانب أكاديمياً، وما النجاح التنظيمي في المحافل الكبرى أو نجاح البعثات في حصد أكبر عدد من التتويجات إلّا نتيجة لعمل إداري احترافي وتكاملي إدارياً وفنياً ولوجستياً، فكيف نستطيع البناء محلياً للوصول إلى هذه الشمولية في الأداء والتي من شأنها الارتقاء برياضتنا؟
اللبنة الأولى ستكون اسناد المهام لمستحقيها، أي على المكتب التنفيذي تفعيل المتابعة ورصد مكامن الخلل وتقييم أداء العمل، هذا إلى جانب وضع المصلحة العامة فوق كل الاعتبارات، والتصدي لأي مساعي وتحركات يغلب عليها الطابع الشخصي وتصفية الحسابات والأهواء الشخصية، فإما أن تسند المهمة لأصحاب الاختصاص وبالتالي نجاح العمل الإداري وتحقيق التطور المنشود، وإما أن يتولى دفة الأمور قيادات غير مؤهلة وملمة بالجوانب والشؤون الإدارية، وبالتالي بقاء الأمور في غير نصابها الصحيح وتوالي محطات الفشل وتجربتنا الأخيرة مع اتحاد كرة القدم خير مثال لما ذكر.
المشكلة الأكبر أننا نفتقر لوجود هذا الاختصاص في جامعاتنا، وكان لا بدّ أن يترافق تواجد مثل هذا التخصص أكاديمياً مع دخولنا عالم الاحتراف في لعبتي كرة القدم وكرة السلّة عام 2002، أي أن تصبح منظومتنا الرياضيّة كلها محترفة في كل كوادرها.
والأنشطة الرياضية المختلفة توفر العديد من المسؤوليات الإدارية المباشرة مثل التخطيط والتنظيم أو شراء سلع وخدمات مختلفة مثل الملابس والكرات او التواصل مع رعاة أو لاعبين أو جلب المدربين، فلا يمكن أن يكون من يقوم بكل هذه المهام شخص غير متخصص وملم بعلوم الرياضة من عدة جوانب، وهناك للأسف أعضاء اتحادات وجودهم يشكل عبء على الرياضة والرياضيين أنفسهم، وتواجدهم يقتصر على تكملة العدد دون تقديم أي إضافةٍ، يضاف لذلك استغلال واضح للمناصب القيادية، ومع محدودية الدعم المالي واللوجستي والفني، سلاما قولاً وفعلاً لرياضتنا.