مجلة البعث الأسبوعية

سكان العالم.. تحولات ومنعطفات في خضم مواجهة جائحة كورونا

“البعث الأسبوعية” ــ عناية ناصر

هل سكان العالم مستعدون لتحول هيكلي في العقود القادمة؟ من المحتمل أن يكون هذا موضوعاً رئيسياً للجدال بين الديموغرافيين وخبراء السياسة الاجتماعية، لا سيما منذ تفشي كوفيد-19. ومع إعادة النظر في سياسات السكان، مثل تنظيم الأسرة من قبل دول مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة، ومع ازدياد عدد الضحايا الناجمين عن الوباء (الذي تجاوز بالفعل أربعة ملايين في عام ونصف) أصبح الأمر مثيراً للقلق بالتأكيد. إن معدل الوفيات قد يستقر مع زيادة تدخلات الرعاية الصحية وحملة اللقاحات في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، لا تزال التقارير عن سلالات جديدة من الفيروس التاجي تسبب تفشياً جديداً في بعض البلدان تثير مخاوف بشأن فعالية اللقاح وأعداد الوفيات. وعلى الرغم من أن تكاليف الأمن الاجتماعي والصحي للوباء قد استدعت إعادة تقييم المتغيرات الديموغرافية، إلا أن السياسة السكانية في الصين ظهرت كمؤشر آخر للاتجاهات الجارية في منطقة شرق آسيا. وهذا أمر مهم في سياق التقديرات التي تؤكد أن قرابة 55 دولة في العالم ستواجه انخفاضاً في عدد السكان بحلول عام 2050. على سبيل المثال، من المتوقع أن ينخفض ​​عدد سكان الصين بمقدار 31.4 مليون في ثلاثة عقود أخرى. دفعت هذه التقديرات الصين إلى التخفيف رسمياً من سياسة تنظيم الأسرة، والسماح للأزواج بإنجاب ثلاثة أطفال، في إطار معالجة قضايا التركيبة السكانية، والتي تضمنت مواجهة شيخوخة المجتمع. وعلى الرغم من أن الصين لديها أكبر عدد من السكان في العالم (1.41 مليار)، فقد كان متوسط ​​معدل النمو السكاني السنوي 0.53% في العقد الماضي، مع الحفاظ على اتجاه نمو منخفض، لذلك اقترح الخبراء أن تغيير السياسة السكانية بحيث تكون مصحوبة أيضاً بـ “تدابير لتشجيع الإنجاب، مثل دعم الأزواج الذين يختارون إنجاب أكثر من طفل واحد”.

 

اليوم العالمي للسكان وسط الوباء

بينما كان موضوع اليوم العالمي للسكان، في العام 2020، كيفية حماية صحة وحقوق النساء والفتيات، يتم التركيز مرة أخرى، في هذا العام، على الموضوع كونه يرتبط بعالمنا المضطرب بالوباء، من حيث الحقوق والاختيارات؛ وفي معرض الإجابة، سواء كانت طفرة المواليد أو الكساد، فإن الحل لتغيير معدلات الخصوبة يكمن في إعطاء الأولوية للصحة الإنجابية ولحقوق جميع الناس.

بدأ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 1989، بهدف جذب الانتباه العالمي للقضايا المتعلقة بالنمو السكاني، إلى جانب الأسئلة الحاسمة مثل الفقر والبطالة ومؤشر جودة حياة الإنسان وما إلى ذلك. ومن بين القضايا التي تمت مناقشتها معاناة النساء والأطفال، ومحنة مجتمعات السكان الأصليين، وويلات المهاجرين، ومآسي المعوقين وكبار السن.. إلخ. وكان ك. سي. زكريا، الباحث من ولاية كيرالا الهندية، والذي عمل كخبير ديموغرافي في البنك الدولي (1971 -1987)، ثم لاحقاً أستاذاً فخرياً في مركز دراسات التنمية، هو الذي طرح فكرة يوم السكان، عام 1987، عندما بلغ عدد السكان 5 مليارات. وصل عدد سكان العالم إلى مليار بعد مئات الآلاف من السنين، ولكنه تضخم في قرنين إلى ما يقرب من سبع مرات. وقبل عشر سنوات، وصل إلى 7 مليارات (2011)، وقد تجاوز حالياً 7.8 مليار. وتشير توقعات العام 2030 إلى أن عدد السكان سيصل إلى 8.5 مليار، ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 10 مليار بحلول عام 2050. ويقول صندوق السكان التابع للأمم المتحدة إن من بين العوامل التي دفعت للارتفاع الديموغرافي تغيير معدلات الخصوبة، ومتوسط ​​العمر المتوقع، والتقدم في سن الإنجاب، والتوسع الحضري المتزايد، والتوسع في الهجرة الداخلية والدولية. وبينما انخفض إجمالي الخصوبة في العالم إلى 2.5 طفل لكل امرأة، نما متوسط ​​العمر العالمي من 64.6 عاماً في أوائل التسعينيات إلى 72.6 عاماً في عام 2019. وكان هناك أيضاً تحول كبير في توزع السكان بين الريف والحضر. ففي عام 2007، شهد العالم المزيد من الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الحضرية، ويقدر أنه بحلول عام 2050 سيكون قرابة 66% من سكان العالم في المدن. وهذه الاتجاهات لها آثار عميقة على الرعاية الصحية، والإسكان، والمياه، والغذاء، والطاقة، والصرف الصحي، والتوظيف، وتوزيع الدخل، والفقر، والحماية الاجتماعية.

ويؤكد برنامج الغذاء العالمي أنه، في عام 2021، وفي لحظة حاسمة، وبعدما تسبب الوباء في إحداث الفوضى في جميع أنحاء العالم، لا تزال بلدان عديدة تخوض “حرباً على كوفيد-19″، وأن الوصول إلى اللقاحات لا يزال يمثل مشكلة رئيسية في المعركة. وتشير وكالات وكالات الأمم المتحدة إلى أن الوباء قد أثر أيضاً على أنظمة الرعاية الصحية، بما فيها الصحة الجنسية والإنجابية. ويفيد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن ما يصل إلى 12 مليون امرأة عانين من اضطرابات في خدمات تنظيم الأسرة. كما أدى الوباء إلى تفاقم “عدم المساواة بين الجنسين وتزايد العنف القائم على النوع الاجتماعي في ظل الإغلاق”، وقد “تركت أعداد كبيرة من النساء العمل، حيث تم إلغاء وظائفهن منخفضة الأجر غالباً، أو زادت مسؤوليات تقديم الرعاية للأطفال الذين يتعلمون عن بُعد، أو لكبار السن المقيمين في المنزل، ما أدى إلى زعزعة استقرار مواردهم المالية، الأمر الذي لا يؤثر فقط في الوقت الحالي ولكن على المدى الطويل”. ويقول الصندوق إنه على الرغم من أن “الصورة الكاملة لتأثير كوفيد-19 على الخصوبة” لم تتوفر بعد، فقد أثارت هذه الاتجاهات مخاوف مثيرة للقلق بشأن طفرات المواليد أو الكساد”. كما يشير الصندوق إلى موقف مقلق “عندما لا تستطيع المرأة ممارسة حقوقها وخياراتها الإنجابية” بسبب “انقطاع الخدمات الصحية، أو لأن التمييز بين الجنسين يمنعها من اتخاذ قرارات بشأن الحصول على الرعاية الصحية”. وخلال فترة الوباء، فقدت ملايين النساء وظائفهن، فقد أدى كوفيد-19 وإجراءات التحقق من انتشاره، إلى زيادة غير متناسبة في بطالة النساء، وقلل أيضاً من وقت العمل الإجمالي. وكان تمثيل المرأة مرتفعا للغاية في العديد من الصناعات الأكثر تضررا من الوباء، مثل خدمات الطعام والتجزئة والترفيه. وعلى سبيل المثال، تعمل 40% من النساء العاملات – 510 ملايين امرأة على مستوى العالم – في القطاعات الأكثر تضرراً، مقارنة بـ 36.6% من الرجال العاملين. ويعمل ما يصل إلى 58% من النساء العاملات في وظائف غير رسمية، وتشير التقديرات إلى أنه خلال الشهر الأول للوباء، فقد العاملون غير الرسميين على مستوى العالم ما متوسطه 60% من دخلهم.

 

المهاجرون والوباء

المهاجرون كانوا أكثر القطاعات تضرراً من سكان العالم في أوقات الوباء، وكانت ظروف ذوي الأجور المنخفضة منهم أكثر بؤساً، ومع ذلك، يعمل عدد كبير من هؤلاء في قطاعات محفوفة بالمخاطر، مثل الرعاية الصحية. ووفقاً للتقديرات المتاحة، اعتباراً من الربع الأول من 2021، “سجّل المهاجرون من 20 دولة أكبر عدد من الإصابات بكوفيد-19، ولكن بالمقابل كان للمهاجرين دورهم الإيجابي، فقد تبين أن 19.31% من إجمالي عدد المهاجرين الدوليين أرسلوا ما يقدر بـ 37% من مجموع التحويلات المالية على مستوى العالم إلى بلدانهم الأصلية في عام 2019”.

أثرت مراقبة الحدود في العديد من البلدان على تنقل المهاجرين ودور المنظمات الإنسانية. ووفقاً لمنظمة الهجرة الدولية، في غضون عام واحد، بعد ظهور الوباء، تم اتخاذ الآلاف من الإجراءات التي تحد من الحركة في جميع أنحاء العالم. وتشير التقديرات إلى أن الهجرة إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد انخفضت بنسبة 46% في النصف الأول من عام 2020 نفسه. كما أن الوضع في دول مجلس التعاون الخليجي ينذر بالخطر. إذ عاد ما يقرب من 1.2 مليون “مهاجر إلى الخليج” إلى ولاية كيرالا وسط الوباء، وفقد معظمهم وظائفهم، ومنهم من أصبح غير قادر على العودة. وكذلك فإن محنة المهاجرين الداخليين مقلقة بالقدر نفسه. وعلى سبيل المثال، فقد تضرر في الهند، أكثر من 200 مليون عامل مهاجر بشدة من الوباء (بلغ إجمالي عدد المهاجرين الداخليين في الهند 600 مليون في العام 2020، منهم 140 مليوناً اعتُبروا “معرضين للخطر بشدة). وواجه الكثير منهم قيوداً على السفر، بما في ذلك إغلاق الحدود، وتعليق السفر، والترحيل، ما ترك الكثيرين معزولين أو مجبرين على البقاء في ملاجئ مزدحمة ومؤقتة. وفي خضم هذه الظروف غير الآمنة، عانى العديد من المهاجرين من نقص في الوصول إلى الخدمات الصحية حتى في حال ظهور أعراض كوفيد-19 عليهم.

إن الوضع مقلق بالنسبة للاجئين والنازحين. ووفقاً للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، “يعيش اللاجئون والمهاجرون ويعملون في ظروف قاسية في كثير من الأحيان مع عدم كفاية الوصول إلى الخدمات الصحية والسكن والمياه والصرف الصحي وغيرها من الخدمات الأساسية”، و”من الضروري لجميع البلدان أن تقلل الحواجز التي تمنع اللاجئين والمهاجرين من الحصول على الرعاية الصحية، وإدراجهم في السياسات الصحية الوطنية”. وتشير التقديرات إلى أن هناك 281 مليون مهاجر دولي و26 مليون لاجئ اليوم، واعتباراً من عام 2020، أُجبر أكثر من 80 مليوناً على مغادرة منازلهم نتيجة الاضطهاد أو الصراع أو العنف واسع النطاق. وتوقعت الأمم المتحدة أن يستمر هذا الاتجاه بسبب تزايد عدم المساواة والنمو السكاني وزيادة الاتصال وتغير المناخ. وقد أدت هذه العوامل الديموغرافية إلى نداءات مكثفة من قبل الأمم المتحدة “لوضع احتياجات المهاجرين بشكل استباقي في مقدمة ومحور السياسات الصحية الوطنية، وليس كرد فعل على الأزمات أو حالات الطوارئ”.

 

المعاقون في زمن كوفيد

تقول منظمة الصحة العالمية أن الأشخاص ذوي الإعاقة قد تأثروا بشكل متباين بفيروس كورونا بسبب ثلاثة عوامل: زيادة خطر النتائج السيئة من المرض نفسه، وانخفاض الوصول إلى الرعاية الصحية الروتينية وإعادة التأهيل، والآثار الاجتماعية السلبية للجهود المبذولة للتخفيف من حدة المرض. ووفقاً للتقديرات العالمية، هناك أكثر من مليار شخص يعيشون مع شكل من أشكال الإعاقة، وعدد هذه الفئة “في تزايد كبير”. ويرجع ذلك إلى الاتجاهات الديموغرافية والزيادات في الحالات الصحية المزمنة، من بين أسباب عدة أخرى، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الأشخاص ذوي الإعاقة “يتأثرون بشكل غير متناسب خلال جائحة كوفيد-19، وفي حالة وجود خدمات صحية لهم، فهي دائماً ذات نوعية رديئة أو ضعيفة الموارد. وهناك حاجة ملحة لتوسيع نطاق خدمات الإعاقة في الرعاية الصحية الأولية، لا سيما في تدخلات إعادة التأهيل”. وتؤكد دراسة أجرتها مجلة “لانسيت” أيضاً أن “الشيخوخة والحرمان، والأمراض المصاحبة لها، ترتبط أيضاً بزيادة انتشار كوفيد-19، ولها نتائج خطيرة في تعطيل حياة شرائح من سكان العالم”.

من المسلم به أن عواقب كوفيد-19 تختلف بشكل كبير بالنسبة للأشخاص من مختلف الفئات والأعراق والأعراق ومستويات الدخل. لكن آثاره على النساء والمهاجرين والأشخاص ذوي الإعاقة واضحة للغاية بحيث يلزم اتخاذ إجراءات وطنية ودولية عاجلة.