الخضار والفواكه “بالحبّة” والخطط الزراعية أوراق في مهب التصريحات
البعث الأسبوعية_ ميس بركات
لم تكن المرة الأولى التي يخرج فيها المواطن خاسراً من معركة الرهان على صدق نوايا الحكومة وسعيها لتأمين أقل متطلبات الحياة من الغذاء والدفء، إذ لم يحالف الحظ للمرة الألف حكومتنا في إيجاد مخارج للأزمات الجمّة المتراكمة على قلوب المستهلكين بدءاً من ارتفاع سعر الخضار والفواكه المُنتجة محلياً وليس انتهاءً بشح المحروقات وهرولة المواطن مكانه لتأمينها ولو بالحدود الدنيا بعد أن كنّا من أولى الدول المصدّرة لها أيضاً.
ومن يراقب القرارات الكثيرة والتصريحات شبه اليومية والاجتماعات النوعية الاستثنائية منها والروتينية لوزارة الزراعة يلحظ الهوّة الكبيرة بين تلك القرارات وبين الواقع الفعلي الذي يعيشه المواطن يومياً عند شراءه للخضار التي لطالما تغنّى بلدنا بإنتاجها محلياً وتصديرها المتميز كماً ونوعاً لسنوات طويلة، لتقف أعوام الأزمة شمّاعة لم تنته بانتهائها في وجه الموطنين وعدم قدرتهم على تذوّق زراعة بلدهم، إذ لم تسلم المحاصيل العادية والإستراتيجية من نار الغلاء في مواسمها تحت حجج وذرائع باتت مألوفة للجميع ظاهرها ارتفاع مستلزمات الإنتاج وعدم تناسب التكاليف مع النتائج، وباطنها سعي الجهات المعنية لتصدير ما أمكن من تلك المحاصيل في موسمها ورفد الخزينة العامة بالمال من جهة وتحصيلها للفلاح جزء من تعبه من جهة أخرى.
ومع كثرة الصيحات المُطالبة بإيقاف التصدير لبعض المزروعات، خرجت الجهات المعنية عن صمتها لتضع حداً لتلك الخلخلة بقرارات إيقاف تصدير زيت الزيتون والبطاطا والجوز و…، علّ وعسى يستطيع المواطن استحضارها على موائده هذا العام، لكن الرياح لم تأت كما المُشتهى ، بل على العكس زادت تلك القرارات الطين بلّة وحلّقت “البطاطا” في الأفق البعيد، وباتت “تنكة زيت الزيتون” حلم من المحال تحقيقه في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع مستوى المعيشة، ليبقى المواطن والفلاح الخاسران دوماً في حلقة الإنتاج الزراعي على مدار أعوام طويلة مضت وقادمة طالما لا تزال قرارات الجهات الوصائية تدور في ذات الفلك، إذ فشل قرار إيقاف تصدير البطاطا بإعادة تصنيفها “كطعام للفقراء” ، كذلك الأمر بالنسبة لزيت الزيتون الذي ساهم ارتفاع سعره بتفشي ظاهرة بيعه “باللتر” أو ضمن “ظروف صغيرة” تحوي بضع غرامات، واتجاه المواطنين لشراء الخضار بعدد معيّن من “الحبّات” بدلاً من الكيلو بعد أن كنّا ننعت الدول الأوربية بشراء المواطنين فيها الخضار بهذا الشكل ، أمّا الفواكه فلم تعد لتلفت النظر بعد أن غدت من المنسيات والرفاهيات التي لا فائدة مرجوّة منها، ليؤكد لنا جمال مسالمة “رئيس غرفة زراعة درعا” أن إنتاج سورية من الخضار والفواكه يكفي حاجة السوق المحلية ويفيض عنه خاصة في مواسم البندورة والحمضيات والتفاح وغيرها من المحاصيل ما يخلق حاجة ملّحة وسريعة لامتصاص هذا الفائض إما بمعامل كونسورة وعصائر و…، أو بالاتجاه إلى الخيار الثاني والذي تستسهله الحكومة دائماً وهو التصدير والذي يأتي بكميات كبيرة للمادة ذات النوعية الجيّدة ما يُفرغ السوق من هذه المحاصيل بشكل نسبي لفترة معيّنة مع ارتفاع في سعرها، وفي هذه العملية يسترد الفلاح جزء قليل من خسائره على حساب المواطن، وطالب مسالمة بضرورة التغلب على ذروة الإنتاج من خلال طرح المادة في السوق المحلي بأسعار مقبولة، كذلك الأمر في حال تصديرها خاصة وأن تكاليف النقل للمصدّرين مرتفعة جداً.
قرارات خجولة
ويجمع أهل الخبرة على خلل واضح بالخطط الزراعية وشرخ كبير بين عملية الإنتاج والتسويق، ليؤكد وضاح غانم “خبير زراعي” تراجع الزراعة في دعم الاقتصاد الوطني واصطفافها إلى جانب الكثير من القطاعات المتذبذبة، واصفاً الوضع الزراعي اليوم بالكارثي وسط قرارات خجولة لا تُجدي ولا تنفع ولا تصب في مصلحة الفلاح والمواطن غير القادر على أكل مما يزرع بلده، ووصول الفلاح والمواطن دوماً إلى طريق مسدود فإما فائض في الإنتاج وتصدير غير مدروس يُفضي بقلّة المعروض في السوق وغلائه، أو شحّ المادة أساساً وقلّة عرضها في السوق المحلية نتيجة ارتفاع مستلزمات إنتاجها بالتالي رفع سعرها وعدم قدرة المواطن على شرائها، وفي كلتا الحالتين يكون المواطن الخاسر الأول والأخير، الأمر الذي يتطلب مد يد العون للفلاح كخطوة أساسية جدّية بمنحه القروض واعفائه من الضرائب وتأمين البذار والسماد لا التنصّل منها شيئاً فشيئاً، إضافة إلى أهمية تحقيق معادلة الربط المباشر بين الفلاح والجهات المعنية بشراء المنتجات الزراعية والحيوانية وتحمل أعباء نقلها إلى الأسواق، وتقاسم الربح فيما بينهم فتنصف الفلاح ولا تبخسه حقه وتعبه، وتلغي دور السماسرة والوسطاء في التسويق والتحكم بالأسعار، كذلك لفت غانم إلى أهمية زيادة الإنتاج الزراعي من خلال تحقيق تعاون بين الدولة مع مراكز الأبحاث الزراعية التابعة للجامعات.
التغيرات المناخية
في المقابل بين أحمد حيدر مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة أن ارتفاع سعر الكثير من المحاصيل هذا العام سببه التغيرات المناخية التي أرخت ثقلها على الإنتاج الزراعي والحيواني بشكل كبير، لافتاً إلى أن سعر البطاطا سيشهد انخفاضاً ملحوظاً خلال الشهر القادم مع إنتاج العروة الخريفية من البطاطا، وتصل تقديرات إنتاج هذه العروة إلى حوالي 127 ألف طن وهي تغطي الاحتياجات المحلية لأشهر طويلة، وبرّر مدير الإنتاج النباتي ارتفاع سعر البطاطا حالياً بانحباس الأمطار في أشهر الشتاء واضطرار الفلاحين للجوء إلى الري بريّات إضافية عن المعتاد وبالتالي ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الحاجة لكميات إضافية من المحروقات، إضافة إلى استخدام الفلاحين لأصناف محلية ضعيفة الإنتاجية بسبب ارتفاع أسعار البذار المستورد الأمر الذي انعكس على حجم الإنتاج، وعزوف التجار وتخوفهم من تخزين المحصول بالبراد نتيجة عدم استقرار الكهرباء من جهة وعدم انتظام توفر الوقود من جهة أخرى.