تراجع الإيديولوجيا أمام الوطنية على المستوى العالمي
د. مهدي دخل الله
قد تسمح الولايات المتحدة , أخيراً في قمة الجزائر , للأنظمة المرتبطة بها في الوطن العربي بإلغاء قرار تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية . فقد سمحت لهذه الأنظمة منذ فترة بإجراء اتصالات مع دمشق إن تطلبت مصلحتهم ذلك ..
تتكامل هذه «المرونة» الأمريكية المحدودة مع تطور في ملف علاقات إيران مع الحلف الغربي حيث سمحت واشنتن للسعودية بفتح حوار – ما زال متعثراً – مع طهران ..
هذه «المرونة» الأمريكية ليست نتاجاً لوحي إلهي نزل على رؤوس الساسة في الإيستابلشمنت الأمريكي , وإنما هو اعتراف مرّ بواقع يفرض نفسه على الجميع , سببه وأساسه التصدي السوري للحرب ونجاح هذا التصدي في المراحل السابقة , وإن كانت المراحل القادمة مازالت صعبة . يضاف إلى هذا التصدي مواقف طهران وموسكو في مواجهة التعسف الدولي بجميع أشكاله . كما يضاف إليه مواقف بيجنغ وبيونغ يانغ وكاراكاس بالاتجاه نفسه ..
لدينا اليوم على الساحة الدولية محوران متقابلان , محور تربط بين أعضائه الإيديولوجيا والعسكرة وهو محور الناتو , وآخر تفرقه الإيديولوجيا والعسكرة وتربط بين أعضائه المشاعر الوطنية والالتزام بالاستقلال وحق تقرير المصير !..
لاشك في أن المحور العسكري الإيديولوجي مازال قوياً لكنه أضعف مما كان عليه قبل عشر سنوات , ولاشك في أن محور الوطنية والاستقلال مازال ضعيفاً نسبياً لكنه أقوى مما كان عليه قبل عشر سنوات بفضل عوامل عدة من أهمها التصدي السوري الكبير ..
إن توصيف الحالة سكونياً مازال لصالح محور العسكرة , لكن توصيفها دينامياً هو لصالح محور الاستقلال . والكون في جميع قوانينه يرفض السكون (الستاتيك) لأن جوهره تغييري دينامي . هذا يؤكد أهمية بحث الاتجاه العام للتطورات باعتباره معياراً لتحليل الواقع وفهمه . وهذا الاتجاه (ترِند) يؤكد أن المستقبل – ربما القريب – هو لصالح الوطنية في مواجهة العسكرة والإيديولوجيا .
ومن المفيد هنا القول بأن (ترِند الوطنية) ليس مناهضاً للعولمة من حيث المبدأ وإنما هو سيخلصها من نزعتها المركزية نحو فضاء أكثر تشاركية وتوازناً ..