الشعبية هي الطريق الأول لأي رياضة نحو المنافسات الأولمبية
البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر
يصدر مع نهاية كل عام تصنيف دولي لأكثر عشرة رياضات شعبية حول المعمورة، وطبعاً هذا التصنيف لا يعتمد على القاعدة الجماهيرية العالمية فقط، بل هناك مقاييس أخرى مثل صفقات الرعاية المرئية على مختلف الوسائل، وإجمالي الدخل والمشاهدين المباشرين، لكننا بشكل طبيعي نركز على عدد الأشخاص الذين يعتبرون أنفسهم من عشاق هذه الرياضات، أي أننا نجمع بين المشاهدة المباشرة ومشاهدة التلفزيون أو على مواقع البث الرياضية المجانية.
لكن المضحك أن الرياضة تحظى بشعبية أكبر لدى الأشخاص الذين لا يشاركون فيها بالضرورة، لكنهم يحبون أن يكونوا مشاهدين، والدراسات الإحصائيّة تثبت ذلك، فنحن ننجذب تلقائياً إلى الرياضيين وخاصةً الاستثنائيين منهم، كمحمد علي في الملاكمة ومارادونا في كرة القدم ونادال في التنس، ما ينعكس زيادة كبرى في نسبة متابعة رياضات هؤلاء النجوم في مختلف الوسائل، ووفق آخر الدراسات حول نسب المتابعة التلفزيونية والتي جرت هذا الصيف- طبعاً هو حالة استثنائية بسبب إقامة ثلاث مسابقات شعبية هي أولمبياد طوكيو ويورو 2020 وكوبا أمريكا- شاهد حوالي 66٪ من الناس هذه النشاطات، وهو أمر مذهل جداً، لكن الرياضات التي نحبها ليست كلها متشابهة، وتختلف شعبيتها من بلدٍ لآخر لكن معايير اعتماد شعبية أي لعبة ثابتة وهي القاعدة الجماهيرية والعالمية وأرقام المشاهدات التلفزيونية وعدد البطولات المهنية في جميع أنحاء العالم وصفقات حقوق التلفزيون وصفقات وعقود الرعاية ومتوسط الراتب الرياضي وأكبر منافسة للعبة وشعبيتها على مواقع التواصل الإجتماعي ومداومة أخبارها في وسائل الإعلام (المواقع الإلكترونية والتلفزيون والجرائد) والأهمية على مدار السنة والهيمنة الإقليمية وأخيراً المساواة بين الجنسين.
وبطبيعة الحال تعتبر كرة القدم الشمس التي لا تغيب عن صدارة الترتيب، فهي أكثر الرياضات شعبية في كل العالم، ويعتبر نصف سكان العالم أنفسهم كمتابعين لرياضة كرة القدم حيث تتمتع هذه اللعبة بمتابعة حوالي 4 مليارات شخص، وتعود أصولها إلى الصين وذلك في القرن الثاني الميلادي، كما يعتقد أن الرومان واليونان واليابانيين ربما يكونوا أول الشعوب التي مارست هذه اللعبة، أما كرة القدم المعاصرة فبدأت في انكلترا، ولا يكاد يوجد أي شخص في هذا العالم لم يركل كرة في مرحلة ما من حياته. تهيمن كرة القدم على العناوين الرياضية في بعض الدول الكبرى في العالم بما في ذلك جميع الدول الأوروبية تقريباً، وفي أمريكا الجنوبية تعد كرة القدم أكثر من مجرد لعبة، فهي تمثل الأحلام والفرح للأطفال في البرازيل والأرجنتين وبلدان لاتينية أخرى.
أما المركز الثاني فهنا المفاجأة حيث يعتقد الكثيرون أن لعبةً لن تستطيع زحزحة كرة السلّة عن وصافة الترتيب، لكن السنوات الأخيرة شهدت علو كعب الكريكيت مع 2.5 مليار متابع وأعلى انتشار لها في المملكة المتحدة ودول الكومنولث، ومهد هذه الرياضة فكان انكلترا في القرن السادس عشر حيث جعلتها الرياضة الوطنية في القرن الثامن عشر، وتمثل الرياضة الشعبية بشكل واسع في المستعمرات البريطانية السابقة مثل الهند وسريلانكا وبنغلادش وباكستان واستراليا.
ليأتي الدور على كرة السلة التي شهدت تراجعاً قبل سنتين للمركز السابع، ثم عادت من جديد مع مايقارب الملياري متابع، واخترع هذه الرياضة الدكتور جيمس نايسميث عام 1891م في ولاية ماساشوستش الأمريكية، كبديل عن كرة القدم حيث يمكن ممارستها في الملاعب المغلقة وتقل فيها احتمال الإصابة، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد كرة القدم من حيث الدوريات الرياضية الاحترافية في جميع أنحاء العالم.
وفي بقية المراكز يتواجد كل من كرة المضرب وألعاب القوى والفورمولا ون والملاكمة وكرة الطائرة والبيسبول وأخيراً الغولف.
وهناك نقطة أخرى تخصّ شعبية بعض الألعاب وهي كونها ألعاباً تدخل ضمن برامج الدورات الأولمبية أم لا! فبعض الألعاب ككرة القدم شعبيتها التي تحدثنا عنها فرضت وجودها ضمن الألعاب الأولمبية دون شروط مسبقة، وهناك ألعاب أخرى ساعد إدراجها ضمن الألعاب الأولمبية على زيادة شعبيتها والاهتمام بها في دول لم تكن تتواجد فيها أصلاً كتزلج العربة على الجليد، وكلنا يذكر مشاركة الفريق الجامايكي فيها والذي حول بلداً استوائياً لا تتساقط فيه الثلوج إلى بلد ينافس في واحدة من أشهر الرياضات الأولمبية الشتوية، فما هي معايير اعتماد الألعاب الأولمبية وتأثير ذلك على شعبية تلك الألعاب؟
على مر تاريخ المنافسات الأولمبية الذي بدأ دولياً عام 1896، تواجدت رياضات أصيلة شاركت الألعاب نشأتها وواكبتها في كل محطاتها مثل ألعاب القوى والسباحة، حيث أصبحت هذه الألعاب تمثل جوهر المنافسات الأولمبية، وأمام كثرة الألعاب الرياضية وكثرة المطالبين بتضمينها داخل الألعاب الاولمبية ظهرت الحاجة إلى لوائح تحدد شروط اختيارها، فقامت اللجنة الأولمبية الدولية بإصدار ميثاق أولمبي ينظم تلك الشروط، وأولها أن الرياضة الأولمبية يجب أن تكون من الرياضات التي يمارسها على نطاق واسع الرجال في 75 دولة وفي أربع قارات على الأقل والنساء في 40 دولة وثلاث قارات على الأقل، وأن يكون للرياضة اتحاد دولي قائم وقد قام بتنظيم بطولة عالم واحدة على الأقل، وفي حال توفر الشرطين السابقين يمكن للاتحاد الدولي التقدم بطلب للجنة كي تنظر باعتبار الرياضة أولمبية، كما يؤخذ بالحسبان كذلك يتم تقدير مدى الجاذبية والقيمة التي تضيفها الرياضة إلى الألعاب الأولمبية ومدى محافظتها على تقاليدها الحديثة وابتعادها عن المنشطات والأدوية غير المشروعة.
لكن أغرب الشروط فهو إبعاد الرياضات العقلية عن الألعاب ما جعل الشطرنج رياضة غير مرحب بها في الأولمبياد وكذلك السكواتش والتي اعتبرت رياضة ذهنية رغم المجهود البدني الذي يبذل فيها، كذلك يعارض الميثاق الأولمبي أي رياضة تعتمد على الدفع الميكانيكي مما يعني انعدام فرصة تواجد رياضات سباق السيارات والدراجات النارية في
وهناك نقطة سلبية في الموضوع أن كل إضافةٍ للعبة سيقابله بالضرورة إلغاء رياضة أخرى وذلك للمحافظة على عدد مقبول من الرياضات التي يمكن إدارتها في وقت واحد ومساحة محددة ووفق عدد معين من المنظمين، وهذا الشرط أوجب على اللجنة الأولمبية إسقاط رياضتين شعبيتين من أولمبياد ريو 2016 وهما البايسبول والسوفتبول وذلك لإتاحة المجال لمشاركة رياضتين لا تقلان أهمية أو شهرة وهما الغولف والركبي.
وعند توافر كافة الشروط في رياضة ما يقدم ملف مع الميثاق والقوانين الأولمبية إلى اللجنة وتمنح فرصة لتقديم عرض غير تنافسي في الألعاب الأولمبية، إلا أن هذه الفرصة لا تعني ضمنياً أن الرياضة سيتم اعتمادها رسمياً في البطولة التالية، بل يجب أن تحصل على تأييد غالبية أعضاء اللجنة المؤلفة من 15 عضواً، حيث يقومون بإجراء تقييم نهائي مفصل لفهم شعبية الرياضة وعدد ممارسيها وبنيتها الأساسية وعلاقاتها الإعلامية وقدرة بثها على التلفزيون وما ستضيفه لبرنامج الألعاب الأولمبية على الصعيدين الفني والمادي.
وشهد الأولمبياد الأخير في طوكيو هذا الصيف اعتماد 5 العاب جديدة هي الكاراتيه وركوب الأمواج وتسلق الجبال والتزلج على الألواح ومزج بين رياضتي البيسبول والسوفتبول تحت بند سمح فيه الميثاق الأولمبي للمدن مستضيفة دورات الألعاب الأولمبية، تقديم مقترحات لإضافة رياضات جديدة على جدولها وفقاً لشعبية تلك الرياضات في البلدان التي ستنظم هذه الألعاب.